أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

عطل العراق تستنزف اقتصاد البلاد بإرادات سياسية

150 يومًا من ‏العطل الرسمية تُفرض على العراقيين سنويًا وتكبد الدولة خسائر اقتصادية وتعطل أعمال الناس وتوقف أرزاقهم.

بغداد – الرافدين
وصف عراقيون تذرع سلطات محافظات عدة بحوادث تاريخية أو سوء الأحوال الجوية لإعلان تعطيل الدوائر والمؤسسات والمدارس، بالقرارات الارتجالية غير المسؤولة التي تؤثر على أعمالهم وتوقف أرزاقهم.
وكانت عدة محافظات قد أعلنت عن تعطيل الدوام الرسمي الأربعاء بذكرى وفاة الإمام علي بن أبي طالب “رضي الله عنه” فيما تذرعت محافظات أخرى بسقوط الامطار لتعطيل الدوام الرسمي.
وأعلنت محافظات بغداد والنجف و‏كربلاء و‏بابل ‏والمثنى و‏واسط و‏ميسان الأربعاء عطلة لمناسبة وفاة الإمام علي، فيما انساقت محافظات صلاح الدين والموصل للضغوط وانضمتا إلى إعلان عطلة في اليوم نفسه.
وتتسم، العطل في العراق بطابع غير منظم، حيث تقرر الحكومات المحلية تعطيل الدوام الرسمي لأية مناسبة مختلف عليها أو لأي ظرف طارئ، بعيدًا عن قرار الحكومة في بغداد.
كما تستمر، بعض العطل بمحافظات عراقية لأسبوع أو عشرة أيام، بينما محافظات أخرى تمارس دوامها الرسمي بشكل طبيعي، حيث تتخذ العطل في الغالب طابعًا دينيًا ومذهبيًا وقوميًا، بينما أصبحت العطل الوطنية هي الأقل.
وأثار إعلان تعطيل الدوام الرسمي الأربعاء استهجان الشارع العراقي وتذمره، بينما تكبد العطل الرسمية وغير الرسمية خسائر مالية بملايين الدولارات لخزينة العراق عن كل يوم تتوقف فيه الأعمال، وفقًا لخبراء اقتصاديين، نتيجة عدم تعويض ساعات العمل في دوائرها ومؤسساتها.
وتعدّ، ظاهرة كثرة العطل الرسمية في العراق واحدة من أكبر المخاطر التي تشلّ الحياة العامة لا سيما ما يخصّ تقديم الخدمات الحكومية للمواطنين، وما يتعلق بالتربية والتعليم، وما يلحق ذلك من أضرار اقتصادية وعامّة، لتأتي الزبائنية السياسية وتدخّل الأحزاب في مقدمة الأسباب التي تمنع تشريع قانون يُقلّص أيام العطل.
وتشير تقارير وإحصائيات رسمية إلى أن العراقيين يتمتعون بنحو 150 يومًا من ‏العطل الرسمية سنويًا، حيث يكون أكثر من 30 بالمائة من هذه العطل لمناسبات تاريخية ودينية مختلفة ومتعدّدة لكل الطوائف التي تضاعفت عطلها كثيرًا بعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003.‏
ويعد العراق من بين أكثر البلدان في العالم الذي يعلن عن عطل رسمية، الأمر الذي ينم عن عدم مسؤولية حكومية حيال الوضع الاقتصادي للبلاد.

ريزان شيخ دلير: العدد الهائل في العطل الرسمية يُصيب المؤسسات الحكومية والتعليمية بالشلل
وترى، العضو السابق في البرلمان، ريزان شيخ دلير، أن أغلب العطل حسب المكونات والأحداث اليومية هي لمُجاملات سياسية، وفي كل بلدان العالم تكون العطل محددة لكن العكس يحدث في العراق، والمواطنون لديهم مشاكل ومعاملات في دوائر الدولة وتحديدًا المحاكم، فكثرة العطل تؤخر كثيرًا منها لأسابيع أو أشهر أحيانًا، فيكون المواطن هو المتضرر منها.
وتقرّ، شيخ دلير بأن العدد الهائل في العطل الرسمية يُصيب المؤسسات الحكومية والتعليمية بالشلل، حيث تُعاني المدارس من عدم قدرتها على إكمال المناهج الدراسية، كما أن ما يتلقاه الطلاب خلال العام الدراسي ضئيل وغير كافٍ لتطوير مهاراتهم.
وكانت نقاشات دارت في البرلمان خلال الدورات السابقة، حول حسم ملف “العطل الرسمية”، إلا أنها تعرقلت نتيجة خلافات عميقة بين الأحزاب وعدم توافق سياسيي الكتل داخل البرلمان حول موضوع العطل الذي ينطوي على خلاف سياسي وديني بأبعاد مذهبية بالدرجة الأولى.
ويزيد من عرقلة هذا الملف، دخول الأكراد والتركمان على خطّ المطالبين بتخصيص عطل رسمية جديدة لمناسبات خاصة بهم، وهو ما كان قد أخّر حسم الملف إلى اليوم.
ويرى مراقبون، أن محاولات تكريس الطائفية وإصرار بعض الكتل على إدراج “يوم الغدير” ضمن المناسبات الدينية، في حين ترفض كتل أخرى هذه المناسبة مطالبة مقابل ذلك باعتبار “يوم السقيفة” عطلة دينية، تقف وراء تعطيل قانون العطل الذي سيحد منها بشكل كبير. الأمر الذي يحول المزاج السياسي في البلاد إلى تنافر طائفي بين الأحزاب والكتل الحاكمة، على حساب المصلحة الاقتصادية والوطنية.
وعلى الرغم من أنّ، أيام العطل المثبتة في الدستور لا تتجاوز 20 يومًا، إلا أنّه يوجد أكثر من 100 يوم عطلة لدوائر الدولة ومؤسساتها لأسباب دينية مرة، ووطنية مرة أخرى، ومنها ما يتعلّق بأحوال الطقس أو بناءً على اجتهادات من مسؤولين حكوميين ومجالس محلية في المحافظات، الأمر الذي تسبّب بتراجع الخدمات التي تعتمد على ساعات الدوام الرسمي، فضلًا عن تدهور الحالة المعيشية لأصحاب الأجور اليومية.
وقال مسؤول حكومي إنّ “موضوع العطل هو واحد من المواضيع الشائكة في العراق وتتداخل فيه أمور عدة، وربما هو من أكثر الملفات فوضوية، لأسباب مختلفة، أبرزها ممارسة بعض المكونات والأحزاب السياسية، عملية فرض الهوية، أو ما يعرف بإثبات الوجود عبر قضية العطل”.
ويمثل، الإعلان المتكرر لتعطيل الدوام لأسباب عديدة مثار جدل في الأوساط الاجتماعية في العراق، نتيجة تأثير العطل على الاقتصاد العراقي وإنتاجية الفرد في المجتمع في ظل هروب الحكومة من مسؤولياتها عبر إعلان العطلة دون وضع الحلول الجذرية لمثل هذه الأزمات المتفاقمة.
وتكبد، العطل الرسمية وغير الرسمية التي تفرضها الظروف الخاصة لاسيما الدينية منها، خزينة العراق خسائر مالية بملايين الدولارات عن كل يوم عطلة، وفقًا لخبراء اقتصاديين.
ويرى الخبير الاقتصادي، هيثم العكيلي، أن “العطل هي محطات لراحة العاملين عندما يعملون وتكون هناك نتائج واضحة لعملهم وأن هذا التعطيل يكون محسوبًا من ضمن وقت العمل، إلا أنه عندما لا تكون هناك نتائج واضحة للعمل فإن العطل تعد خسائر تضاف إلى الخسائر الأخرى التي تتكبدها الدولة”.
وأضاف “في اقتصاد مثل اقتصاد العراق الذي لا تعرف معالمه ولا أهدافه بشكل واضح، تعد العطل بكل أنواعها والتي تشكل بحدود 30- 35 بالمائة من ساعات العمل التي يتقاضى العاملون عنها أجرًا، هي هدر للأموال وإضاعة لفرص التقدم التي يعتبر العراق حاليًا بأمس الحاجة لها” مشددًا على ضرورة “إعادة النظر بقوانين العطل من أجل تعويض الفرص الفائتة”.
ويعاني العراق من، بطالة مقنعة تستنزف خزينة الدولة بسبب تراجع إنتاجية الموظف العراقي الذي اعتاد على الكسل والعطل الكثيرة وفقًا لخبراء في علم الاجتماع والنفس.
وسبق وأن توصلت دراسة أجرتها كلية اقتصاديات الأعمال في “جامعة النهرين” إلى أن إنتاجية الموظف العراقي تبلغ 17 دقيقة فقط يوميًا، مشيرة إلى أن الإغلاق التام للدوائر والمؤسسات خلال العامين الأخيرين بسبب جائحة كورونا أدى إلى تراخي الموظفين.
ويرى المختص في الشأن الاقتصادي، حسين شاكر، تأثيرًا سلبيًا لـ “العطل الكثيرة على عمل البنك المركزي والمصارف العراقية لارتباطها بالبنوك العالمية والسياسة التجارية العالمية، وبالخصوص إذا كان هناك عدم توافق بين العطل والمناسبات في العراق مع العطل العالمية”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى