أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

العراقيون يودعون رمضان على وقع نزاع عشائري طاحن في ذي قار

اتهامات للميليشيات والأحزاب بتغذية النزاعات العشائرية وإدامة زخمها للحفاظ على نفوذها وسطوتها في محافظات جنوبي العراق.

ذي قار- الرافدين

سلط خروج قضاء النصر بمحافظة ذي قار عن سيطرة القوات الحكومية بعد احتدام النزاع العشائري بين عشيرتين متنازعتين الضوء على حجم الفوضى الأمنية التي تشهدها البلاد في ظل السلاح المنفلت وهيمنة الميليشيات على المشهد الأمني.
وبينت مصادر محلية، إن “اشتباكات عنيفة وحرب شوارع اندلعت مجددًا في قضاء النصر شمالي محافظة ذي قار بين عشيرتي عتاب وآل حاتم وتواصلت منذ صباح الأربعاء حتى فجر الخميس بعد تراجع القوات الأمنية إلى حدود القضاء، جراء خروج الأوضاع عن سيطرتها بشكل تام”.
وكان مصدر أمني مسؤول أفاد، بمقتل شيخ عشيرة العتاب جميل حاتم العتابي وإصابة نجله بجروح بهجوم مسلح استهدف منزلهما في قضاء النصر شمالي ذي قار جنوبي العراق.
وتشير التحقيقات الأولية في الحادث بأن الجريمة ارتكبها أفراد ينتمون لعشيرة آل حاتم بسبب خلاف على عجلة، وفقا للمصدر المسؤول.
وتتصدر محافظة ذي قار والبصرة وميسان وواسط ثم بغداد، المحافظات الأكثر تسجيلًا للنزاعات العشائرية التي يذهب ضحيتها مواطنون، وتتسبب في كثير من الأحيان بفرض حظر للتجوال وإغلاق للطرق والمناطق من قبل قوات الأمن، فضلًا عن خسائر مادية بالممتلكات العامة والخاصة، إثر الاشتباكات التي تستخدم فيها أسلحة متوسطة وخفيفة وقنابل، وصولًا إلى عبوات ناسفة محلية الصنع وقاذفات صاروخية، كما حصل في قضاء النصر الذي بينت الصور الملتقطة فيه إطلاق قذائف محمولة على الكتف من قبل طرفي النزاع وأمام أنظار القوات الحكومية.

نزاع دام بمختلف الأسلحة في قضاء النصر بمحافظة ذي قار يعكر صفو الليالي الأخيرة من رمضان

وتعليقا على هذه النزاعات يؤكد مسؤول في قيادة عمليات ذي قار، رفض الكشف عن اسمه، أن “القوات الأمنية تواصل ملاحقة المتسببين في أحداث الشغب وتهديد السلم الأهلي، واعتقالهم ومحاسبتهم وفق القانون، لكن هناك تجاوزات تحدث من قبل بعض المحسوبين على العشائر، تنال من عناصر الأمن الذين ينفذون القانون”.
ويلفت المسؤول، إلى أن “بعض المحسوبين على العشائر يحذرون القوات الأمنية من التدخل، وإلا فإنهم سيعدون أي عنصر أمني شريكًا في النزاع وقد تتم تصفيته أو استهداف منزله”.
ويعزو مسؤول أمني آخر، استمرار المواجهات العشائرية إلى تفشي السلاح، مبينًا أن بعض العشائر تمتلك أسلحة أكثر مما تملكه الشرطة في بعض مدن الجنوب.
ويضيف المسؤول الذي يعمل بوزارة الداخلية الحالية والذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن بعض الاشتباكات يتورط بها أفراد في الجيش والشرطة والحشد الشعبي ويستخدمون أسلحة الدولة في الاشتباكات من زاوية نصرة عشائرهم ومساندتها.
ويرى المصدر أن هذا الأمر يحتّم على الدولة الحزم في قوانين مواجهة الظاهرة، بطرد أي منتسب أمني أو شخص يحمل صفة موظف حكومي حال ثبوت تورطه بتلك الاشتباكات، والسجن إذا استخدم سلاح الدولة وأن حل الأزمة يبدأ بنزع السلاح، سواء بتسويات مع العشائر عبر الترضية أو بشرائه منهم أو بالقوة.
وكانت وزارة الداخلية الحالية قد شددت في بيان لها، أنّ “الوزارة ومن خلال تشكيلاتها المعنية ستلاحق قانونيًا مرتكبي النزاعات العشائرية وتقديمهم للقضاء لينالوا جزائهم العادل دونما تردد أو تهاون مع أي شخص.
وذكرت الوزارة في بيانها الذي نشرته مطلع العام الحالي العشائر المتنازعة أن ما يسمى بالـ (دكات العشائرية)، مصنفة وفقًا للقانون كواحدة من الجرائم الإرهابية، نظرًا لما تسببه من إخلال بالأمن الوطني والسلم الأهلي والمجتمعي وتعريض أرواح الأبرياء إلى الأخطار الكبيرة جراء استخدام السلاح بشكل غير قانوني”.
وعلى الرغم من هذه التحذيرات والبيانات إلا أن ظاهرة الدكة العشائرية مازالت تستفحل بالمجتمع وتهدد تماسكه في ظل الفوضى وعدم الاحتكام للقضاء الذي شدد بدوره على ضرورة التعامل مع مرتكبي الدكات العشائرية بحزم.
وغالبًا ما تكون هذه النزاعات بسبب خلافات اجتماعية واقتصادية أو نتيجة جرائم جنائية وحوادث عرضية، سرعان ما تتحول إلى مواجهات بين عشيرتي الطرفين، ويفاقم ذلك انتشار السلاح، وعدم قبول أحد الطرفين بالاحتكام إلى القانون.
وتقول مصادر أمنية إن “مخاطر النزاعات العشائرية لا تنحصر بمصير الاطراف المتنازعة وانما تتعداها لتشمل ضحايا آخرين من المدنيين بينهم اطفال ونساء”.
وأشارت المصادر، إلى “لجوء الأطراف المتنازعة الى استخدام اساليب انتقامية فضيعة تتمثل بحرق الدور والمركبات وتهجير العائلات الآمنة في بعض النزاعات العشائرية فضلًا عن استهداف المحال والمصالح الاقتصادية والتجارية”.
وعزت المصادر، “أسباب تكرار النزاعات العشائرية إلى شيوع النعرات العشائرية وهيمنة العادات والتقاليد المتخلفة، وانتشار شتى أنواع الأسلحة من بنادق وقاذفات ومدافع هاون وأسلحة رشاشة في المناطق الريفية، فضلًا عن ضعف قبضة القانون وعجز القوات الأمنية عن الحد من تلك النزاعات والحيلولة دون اندلاعها”.
ومضت المصادر، إلى أن “ما يفاقم مشكلة النزاعات العشائرية هو استقواء العشيرة بسياسيي السلطة والفصائل المسلحة المتنفذة وهذا ما يجعل سلطة العشيرة فوق سلطة الدولة والقانون”.

أحمد الشريفي: على الجهات الأمنية أن تضرب بيد من حديد لأجل إيقاف وردع العشائر المتنازعة ومنعها من استخدام السلاح وسط الأحياء السكنية

وقال المحلل الأمني أحمد الشريفي إن “ملف السلاح الذي تملكه العشائر معقد وشائك ومن الصعب جدًا السيطرة عليه من الحكومة وأن غالبية العشائر تملك أسلحة ثقيلة وخفيفة لأن السلاح في العراق يباع في الشارع ويروج عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.
وأضاف أن “النزاعات العشائرية المستمرة في البلاد والتي ارتفعت وتيرتها خلال العام الجاري تسببت بهجرة العديد من الأسر نتيجة رعب المواجهات وأصوات الرصاص والاشتباكات”.
ودعا المحلل الأمني “الجهات الأمنية العليا الى الضرب بيد من حديد لأجل إيقاف وردع العشائر المتنازعة ومنعها من استخدام السلاح وسط الأحياء السكنية بعد أن باتت تهدد تلك النزاعات الحياة المدنية في البلاد التي تعاني من تربك الوضع الأمني”.
ويتفق عضو مجلس شيوخ عشائر الفرات الأوسط، علي الجابري، مع ما ذهب إليه الشريفي بالقول إن “النزاعات العشائرية التي تشهدها المحافظات الجنوبية من العراق لم تعد ظاهرة عادية يمكن تجاوزها، بل تحولت إلى حروب دموية تستمر لعدة أيام”.
وأشار الجابري إلى أن “جميع محاولات الحكومة فشلت في إنهاء النزاعات العشائرية أو الحد منها، ما جعلها تهدد السلم المجتمعي والنسيج الاجتماعي وتفكيك الأواصر المجتمعية، نتيجة التخندق العشائري والتقاليد العشائرية البالية”.
وتعليقًا على الظاهرة وتناميها يرى الباحث في الشأن الأمني مخلد حازم، أن “سلاح العشائر قد انبرى وظهر إلى الساحة بنحو واضح بعد عام 2003 وأن “أبرز مصادر أسلحة العشائر هي المشاجب والمخازن التي تركها النظام السابق خلال الاحتلال عام 2003”.
وأشار إلى أن “التراخي الرسمي أدى إلى تطور سلاح العشائر التي وجدت كتلًا سياسية توفر الدعم إليها وأن تلك الكتل أرادت من بعض أبناء هذه العشائر أن يكون جزءا من الأحزاب والاستفادة منهم لأغراض انتخابية”.
وبيّن مخلد، أن “تطورًا جديدًا حصل لدى بعض العشائر التي تعدّ من الدرجة الثانية بعد عام 2014 بعد الحرب ضد تنظيم داعش، عندما تلقت دعمًا سياسيًا لتكون قاعدة جماهيرية تتكئ عليها بعض الأحزاب لضمان بقائها في السلطة”.
ويجد مخلد حازم، أن “هذا الملف طويل ومعقد، بكون بعض العشائر لديها سلاح يفوق من حيث القوة والمتانة ما لدى القوات الحكومية، بل يصل الأمر في بعض الأحيان إلى امتلاك بعض العشائر مقاومة طائرات”.
وكانت القوات الحكومية قد نفذت في الفترات السابقة عدّة خطط لنزع السلاح، شارك في بعضها الطيران الحكومي، لكنّ تلك الخطط لم تحقق أهدافها.
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت العام الماضي عن ضبط أكثر من 7 آلاف قطعة سلاح ما بين خفيف ومتوسط وهي أسلحة غالبيتها من العشائر، مؤكدة أن هناك جهودًا كبيرة تقدمها الشرطة المجتمعية في منع توسع حيازة الأسلحة.
وعلى الرغم من محاولات القوات الحكومية فرض إجراءات مشددة حيال النزاعات العشائرية، الا أنها تقف عاجزة عندما يحدث نزاع عشائري في بغداد أو في مناطق جنوب العراق.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى