أخبار الرافدين
طلعت رميح

حسابات المعركة الأخيرة في غزة

أكدت حسابات الجولة الأخيرة من الاعتداءات الصهيونية على غزة، تآكل التفوق الذي تمتع به الجيش الصهيوني، وأثبتت مجددًا، أن الشعب الفلسطيني ومقاومته يواصلان تطوير قدرتهم الاستراتيجية على حساب القدرة الصهيونية.
لقد شنت قوات الاحتلال الصهيوني عدوانًا جديدًا على غزة بدأ العدوان باغتيال قيادات عسكرية من حركة الجهاد وقتل عشرات المدنيين، وتواصل عبر أعمال القصف بالطائرات على مواقع تدريب ومبان سكنية، لكن القوات الصهيونية تحاشت توسيع العدوان ليشمل كل الفصائل، كما حرصت على عدم التهديد بشن حرب برية.
في حسابات النتائج المباشرة، فقد تمكن الجيش والأجهزة الصهيونية من تحقيق اختراق أمني وقتل قيادات عسكرية رئيسية، وهو ما مثل اختراقًا لمعادلة كانت قد استقرت، بوقف سياسات اغتيال قادة المقاومة. كما منح العدوان فرصة لنتنياهو لتقوية مركزه السياسي، إذ قلل العدوان من حدة الصراع داخل الحكومة. كما طرح العدوان جدول أعمال داخليًا جديدًا يقوم على تفعيل مواجهة الشعب الفلسطيني، بديلًا لصراعات الشوارع بين النخب الصهيونية.
لكن الحسابات الاستراتيجية لنتائج جولة الصراع، تشير إلى تصاعد عوامل قوة المقاومة الفلسطينية وتنامي قدراتها على إدارة حرب شاملة. كما تشير إلى عدم تحقيق نتنياهو ما أراد على صعيد العلاقات المجتمعية، إذ فجرت إدارته للحرب قضايا جديدة تلهب الصراع الداخلي.
كان لًافتا للأنظار تريث المقاومة في غزة نحو 30 ساعه قبل الرد على قتل القادة العسكريين، لتترك الجيش والقيادة الصهيونية والمجتمع تحت وطأة الانتظار، وهو ما مثل نجاحًا مهمًا في إدارة الحرب النفسية ضد مجتمع خائف بطبيعة تكوينه، وفي إدارة الحرب الاقتصادية، وتلك عوامل شديدة الأهمية في إدارة مثل هذا النمط من الحروب، خاصة أن الجيش الصهيوني يبني خططه على الحروب الخاطفة إذ إن استمرار استنفاره، هو أحد أدوات إنهاكه والتأثير على معنوياته.
لقد أرادها نتنياهو عملية سريعة يتمكن من خلالها من العودة إلى سياسة الاغتيالات. وتوقع أن يرد الفصيل المستهدف على الفور بشكل عشوائي تحت هول الصدمة، دون مشاورات مع الفصائل الأخرى، بما يربك العلاقات بين الفصائل ويجرها إلى فخ الصراع الداخلي.
وبنى نتنياهو خططه على اغتنام فرصة الرد العشوائي للقيام بقصف مكثف بالطيران وتشديد أدوات الحصار، ليفتح الباب بعدها الباب أمام الوسطاء لوقف إطلاق النار، لكن رد المقاومة جاء مخططًا، إذ لم ترد فوريًا، كما رفضت وقف القتال إلا بعودة الاحتلال للالتزام بوقف الاغتيالات.
وكان لافتًا، اعتماد فصائل المقاومة خطة للرد تقوم على الاستخدام المبرمج والمتدرج لقوتها العسكرية. فقد صدر قرار الرد من غرفة العمليات المشتركة التي تضم جميع الفصائل، على أن يكون الرد من الفصيل الذي استهدفته الاغتيالات، مع وضع قوات جميع الفصائل في حالة الاستعداد لمواجهة احتمال تصاعد المعركة وهو ما فوت الفرصة على نجاح هدف تفكيك العلاقات بين فصائل المقاومة وإرباك صفوفها خلال العدوان.
كما تمكنت المقاومة من تقليص مساحة حركة القوة العسكرية الصهيونية في تصعيد العدوان تحت ضغط تهديدها بمواجهة قوه أكبر، وهو ما لم يكن في حسابات نتنياهو عند بداية العدوان.
ولا شك أن اختيار هذا النمط في إدارة الصراع، قد وضع الجيش والمجتمع الصهيوني تحت شعور بتعاظم قوة المقاومة وقدرتها على صناعة القرار المشترك. وأظهر أن المقاومة بات لديها القدرة على الحرب دون استخدام كامل قوتها أو باستخدام جزء من قوتها فقط. وهو ما وضع نتنياهو تحت ضغط شل قدرته حتى على التلويح بالاجتياح البري وتحت ضغط سياسي يضعف قدرته على القيام بإجراءات بشأن القدس، إذ رفضت المقاومة وقف إطلاق النار قبل التعهد بإلغاء مسيرة الأعلام في القدس.
ولقد أثبتت جولة الصراع مجددًا، فشل الجيش الصهيوني في تحقيق المعادلة بين الصاروخ الفلسطيني ومضادات إسقاط الصواريخ الصهيونية.
لقد ثبت الآن بشكل قاطع عدم قدرة القبة الحديدية وسلاح “مقلاع داوود” على إسقاط كل الصواريخ المنطلقة من غزة. ولم تشهد المواجهة اعترافًا صهيونيًا بتراجع القدرة على صد الصواريخ فقط، بل جرى التصريح بأن المقاومة باتت تمتلك أدوات تشويش تمكنها من إعطاب قدرة القبة الحديدية. وقيل أيضًا إن الصواريخ الفلسطينية تصاعدت سرعتها وباتت تفوق قدرة القبة الحديدية على صدها باعتباره تبريرًا لتحقيق الصواريخ إصابات لمبان جنوبي تل ابيب والوصول إلى القدس المحتلة.
وفى كل الأحوال، فالأمر الجوهري الذي سيظهر طبيعة الحسابات الختامية للمعركة الجارية، يتعلق بالمقاومة في الضفة أولًا وأخيرًا، فالمعركة الجارية في الضفة هي المعركة الإستراتيجية، فيما دور غزة هو دور الإسناد والدعم للمقاومة في الضفة.
لقد كانت المعركة في الضفة الغربية هي نقطة اشتعال للمعركة الحالية وكان الهدف الإستراتيجي للعدوان على غزة، هو إضعاف قدرة مقاومتها على دعم وإسناد مقاومة الضفة التي تنامت قدراتها في المرحلة الأخيرة وفتح مساحة أمام القوات الصهيونية لاجتياح الضفة دون رد من غزة.
ولذلك فالتأثير الأهم لخلاصة نتائج المعركة سيظهر في الضفة الغربية والقدس..
هناك سيتحدد الرابح والخاسر في هذه المواجهة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى