أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

التنكيل بالتلاميذ وترويج المفاهيم الطائفية يتحولان إلى ظاهرة في المدارس العراقية

اليونسكو: ضعف الإنفاق، مع حجم الفساد المستشري في قطاع التعليم بالعراق يعرض الأطفال إلى خطر السير بهم نحو التجهيل التربوي والثقافي.

بغداد ــ الرافدين
أثارت مشاهد تعرض الطلبة إلى الانتهاكات داخل المعاهد والمدارس الحكومية والأهلية مخاوف العراقيين بشأن تدهور أوضاع القطاع التعليمي ومهنة المعلم تحديدًا والحال الذي وصلت إليه بسبب إهمال حكومات ما بعد 2003.
ويتداول عراقيون لقطات لحالات التعنيف النفسي والجسدي واستخدام الكلمات النابية من قبل بعض الكوادر التعليمية، بالإضافة إلى ممارسات زرع الطائفية في نفوس الطلبة داخل المؤسسات التعليمية دون رادع حكومي للحد من هذه الظواهر الدخيلة على التعليم في العراق.
وانتشر مقطع مصور يظهر اعتداء لفظي من مدرس على طالبة في أحد المعاهد الخاصة بالعراق في مشهد استفز مشاعر الكثير من العراقيين.
ويطلق المدرس الشتائم لإحدى الطالبات بقصد التوبيخ والإهانة، وطردها من الفصل وأمرها باستدعاء ولي أمرها، بطريقة تتنافى مع الأعراف المجتمعية في البلاد.
وأشعل المقطع الذي انتشر على منصات التواصل الاجتماعي موجة غضب واسعة، وسط مطالبات الجهات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من انتشار هذه الظواهر غير الصحية ومحاسبة المقصرين وإبعادهم عن مهنة التعليم.
ونشرت فيديوهات تكشف عن ممارسات سابقة مهينة للطلبة في بعض المعاهد والمدارس، لتأكيد أن هذه الواقعة ليست حالة فردية بل هي ظاهرة واسع النطاق.
وتكتفي وزارة التربية والتعليم الحالية بمواجهة هذا الضغط الهائل من الانتقادات، من خلال تشكيل لجان التحقيق دون الوصول إلى نتائج مرضية.
يذكر أنه تم حظر استخدام العنف الجسدي في المدارس عام 2020، لكنه لم يطبق على أرض الواقع في كثير من المؤسسات والمعاهد التعليمية.
وفشلت الحكومة بتطبيق القانون واتجهت نحو التستر على حالات التعنيف والمخالفات التي تمارس داخل المدارس من خلال منع إدخال الهواتف الذكية إلى الصفوف.
وترتبط مهنة التعليم بمسؤولية التربية وإعداد الأجيال الناشئة في إطار مشروع المواطنة ولكن الحال في العراق مختلف في ظل حكومات ما بعد 2003.
وينتهج بعض المعلمين داخل المدارس طقوسًا حزبية وطائفية والتي تهدف إلى تجهيل الأجيال خدمة لأجندات سياسية.
وانتشر مقطع مصور آخر يظهر مدير مدرسة “خاتم الأنبياء” في منطقة حي الأمين ببغداد وهو يجبر التلاميذ على أداء التحية أمام صورة لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة ميليشيا الحشد أبو مهدي المهندس، اللذان قتلا في غارة أمريكية، مقابل الحصول على خمس درجات إضافية.
وبحسب ما تم تناقله على مواقع التواصل الاجتماعي فأن مدير المدرسة قيادي في إحدى الميليشيات ويعمل على بث سموم الطائفية بين صفوف الطلبة دون محاسبة من قبل اللجان الرقابية التابعة لوزارة التربية.
ولا يخفي عراقيون التعبير عن أساهم على واقع التربية والتعليم في البلاد بعد إبادته كليًا والسماح لمؤسسات طائفية بالتدخل في مناهجه وفرض وصايات على البحوث والدراسات، والسماح لجهات فاسدة مرتبطة بدول خارجية بفتح مدارس ومعاهد وجامعات تجارية لا تبالي بوطنية العملية التعليمية.

الدكتور نعمة الراوي: قطاع التعليم في العراق أصبح وسيلة لتجهيل المجتمع

وقال الأكاديمي الدكتور نعمة الراوي إن قطاع التعليم في العراق أصبح وسيلة لتجهيل المجتمع العراقي من خلال تعيين أفراد غير مؤهلين للقيام بهذه المهمة.
وأضاف الراوي في تصريح لقناة “الرافدين” أن حالات الرشى والفساد الإداري باتت من المشاهد المتكررة داخل المدارس في ظل غياب الدور الحكومي في تأمين بيئة تربوية مناسبة للطلبة.
وتتعالى الصيحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة بضرورة معاقبة كل من يسيء إلى سمعة التعليم في العراق وفصله من عمله.
ودون عراقيون عبر حساباتهم الخاصة بأن استعباد الطلاب وسحق كرامتهم بهذه الطريقة أمر لا يمكن السكوت عنه يجب أن يكون هنالك موقف لوزارة التربية والتعليم، مشيرين إلى فشل التدريس في العراق الحكومي والخصوصي.
وأضافوا أن المدرس يتحكم ويتصرف بمزاجية وكأنه يجلس في مقهى شعبي وليس درسًا له وقته واحترامه والتزاماته الأخلاقية والإنسانية.
وكتب المدون سعد حازم الحرباوي، أن عمل المعلم هو التعليم والتربية ويجب أن يكون قدوة بالأخلاق لطلابه وطالب بضرورة فصل المعلم المخالف للضوابط على الفور.
ووصف الناشط حسين الحطاب ما وصل إليه الوضع التعليمي في العراق بالكارثة. مشددا على أن الكارثة الأكبر هي أن يدفع الطلاب الأموال ليتعرضوا للتعنيف بدلًا من التعليم.
وقال الصحفي محمد التميمي إن هذه الحوادث سلطت الضوء على ما يدور من تعنيف في المعاهد والمدارس، داعيًا وزارة التربية إلى التدخل العاجل لوقف ما يدور خلف أسوارها من انتهاكات.
ووصل واقع التعليم في العراق إلى مرحلة انهيار شبه تام بسبب إخضاعه لنظام المحاصصة، وتعرضه لنكبات وتراجع كبير على جميع المستويات في ظل حكومات ما بعد الاحتلال المتعاقبة، بعد أن كان متقدمًا على مستوى المنطقة.
وسبق أن أفادت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو”، بأن انخفاض دعم الحكومات المتعاقبة لقطاع التعليم، أثر في مخرجات العملية التربوية، مشيرة إلى رداءة جودة التعليم في البلاد، وقلة دخول الأطفال إلى المدارس.
وأوضحت المنظمة، أن إنفاق السلطات الحكومية ما نسبته 6 بالمائة فقط من حجم الإنفاق السنوي على قطاع التعليم والافتقار إلى الموارد الكافية، أدى إلى ضعف نواتج التعليم التي تراجعت إلى مستويات غير مسبوقة، لافتة إلى أن ضعف الإنفاق، مع حجم الفساد المستشري في القطاع، يعرض الأطفال إلى خطر مؤكد يسير بهم نحو التجهيل التربوي والثقافي.
ووصف خبراء تربويون تصريحات رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني خلال “مؤتمر التربية والتعليم 2022 – 2031” والتي يعزو من خلالها تردي الواقع التعليمي إلى سياسات النظام السابق، بأنها سردية مقيتة ومحاولة سافرة لتشويه الواقع وليس التاريخ القريب فحسب.
وقالوا إن السوداني تغاضى بدوافع مكشوفة عن حقيقة الفشل والسياسات الطائفية في قطاع التعليم، لدرجة اصبح فيها فتحُ الجامعات أشبه بدكاكين تجارية، بينما يتحدث هو إلى الآن عن نظام غير موجود منذ عشرين عامًا.
وأكد الخبراء أن تصريحات السوداني قائمة على التشويه، وعدم الاعتراف بالسياسات المتعمدة التي أخرجت التعليم في العراق من المعايير الدولية بعد أن كان في مراتب متقدمة.
وبحسب نقابة الأكاديميين فإن هناك ما لا يقل عن 50 ألف شهادة غير رصينة تدخل العراق بسبب “دكاكين الخارج”، يعزز ذلك صدور تعميم وبموافقة وزير التعليم العالي وبعد تشكيل الحكومة الجديدة يسمح بشمول الراسبين بالمعدل في الدراسات العليا ومن ثم إصدار شهادات ماجستير أو دكتوراه لفاشلين علميًا.
وقال الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور محمود المسافر بأن الفساد المالي والإداري الذي ينخر الدولة العراقية منذ الاحتلال وحتى اليوم ساهم بتردي واقع التعليم وتجاهل تأهيل وإعمار المدارس.
وأكد المسافر في تصريح لقناة “الرافدين” بأن الاحتلال والحكومات التي أعقبته ينفذون خطة ممنهجة لإعادة العراق إلى عهد ما قبل الصناعة بمساعدة بعض الدولة التي لا تريد للعراق أن ينافسها في المنطقة ولاسيما إيران.
ويعاني القطاع التربوي والتعليمي في العراق من تدهور كبير في جودة التعليم، وفشل بلغ مستويات غير مسبوقة، أدى إلى خروج العراق من مؤشر دافوس لجودة التعليم.
وكانت هيئة علماء المسلمين قد حذرت من تدني مستوى التعليم في العراق لمؤشرات التقييم العالمية.
وكشفت الهيئة خلال تقريرها السنوي مطلع العام 2023 عن أسباب ضعف المستوى العلمي للكادر التدريسي والنقص الكبير في عدد المدارس وتهالك الموجود منها، وقلة الدعم والتخصيصات المالية الحكومية لهذا القطاع المهم والحيوي وما يتخلل هذا التخصيص على قلته من سوء إدارة وحالات فساد كبيرة من سرقات واختلاسات.
وحذرت الهيئة من حالات الاعتداء المتكررة على المدارس ومراكز التعليم المختلفة إضافة إلى الاعتداء على الكوادر العلمية والتدريسية، وما يقابله من تعنيف شديد يمارسه بعض من الكادر التعليمي والإداري بحق عدد من الطلاب والتلاميذ. الأمر الذي يوحي بحالة الانفلات الأمني في مختلف المدن والمحافظات العراقية وغياب شبه تام للقوانين الرادعة للمخالفين.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى