أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

خفض إمدادات الغاز الإيراني يتسبب بتراجع معدلات تجهيز الكهرباء في العراق

خبراء اقتصاديون يؤكدون لجوء إيران إلى سد حاجتها المحلية من الغاز على حساب كميات الغاز المفترض تصديرها إلى العراق في أوقات الذروة حينما يكون العراقيون في أمس الحاجة للغاز لتوليد الكهرباء.

بغداد – الرافدين

شهدت بغداد وعدد من المحافظات الوسطى والجنوبية تراجعًا ملحوظًا في ساعات تجهيز الطاقة الكهربائية على خلفية خفض إيران لإطلاقات الغاز إلى العراق تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة وعلى الرغم من عدم وجود أي ديون أو تأخر في دفع المستحقات المالية.
وأعلنت وزارة الكهرباء في حكومة الإطار التنسيقي، خفض إيران لإمدادات الغاز إلى العراق بنحو 20 مليون متر مكعب خلال اليومين الماضيين.
وقال المتحدث باسم الوزارة أحمد العبادي إن “دفع الأموال لشراء الغاز من إيران لا يوجد فيه أي تأخير وليس هنالك أي ديون”.
وأضاف أن وفدًا برئاسة وزير الكهرباء زياد علي فاضل سيزور إيران الأسبوع المقبل، لتذليل المعوقات وأن المسؤولين سيبلغون الجانب الإيراني بأن العراق على أعتاب دخول ذروة الأحمال بفعل ارتفاع درجات الحرارة”.
وجاء إعلان وزارة الكهرباء مطابقًا لما جاء في بيان مماثل لها يوم الأحد حينما أكدت انحسار إمدادات الغاز المورد من إيران إلى المنطقة الجنوبية “لأسباب فنية”، ما تسبب بتراجع إنتاج الطاقة في منظومة شبكة الكهرباء الوطنية إلى 1000 ميغاواط.
وذكر البيان الصادر عن مكتب وزير الكهرباء الحالي، أن انقطاع الغاز الإيراني تسبب بتحديد أحمال محطات شط البصرة الغازية، والرميلة الغازية والاستثمارية، والنجف الغازية في مناطق الفرات الأوسط، وخسارة المنظومة ما يقارب 1000 ميغاواط من إنتاجها”.
وكانت وزارة الكهرباء الحالية قد أكدت حاجتها إلى الغاز الإيراني لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية، لفترة ما بين 5 – 10 سنوات، مشددة على أن ساعات التجهيز في موسم الصيف ستكون أفضل من المواسم السابقة قبل أن تطل أزمة الكهرباء برأسها مجددًا لتكشف زيف تلك الادعاءات.

تراجع ساعات تجهيز الطاقة الكهربائية في بغداد وعدد من المحافظات مع ارتفاع درجات الحرارة

وخلال السنوات الماضية، واجه العراق تحديات عديدة في توليد الطاقة جراء عدم التزام الجانب الإيراني بتصدير كميات الغاز المتعاقد عليها مع العراق، لتشغيل محطاته الكهربائية، إذ جرى قطع كميات الغاز أو تقليل كمياته المصدرة للعراق مرات عدة خلال السنوات الماضية.
وقال الخبير في الشأن النفطي، حمزة الجواهري إن “العقد ما بين العراق وإيران ينص على إرسال 50 مليون متر مكعب بشكل يومي، ووصل الأمر بأن تضخ إيران 10 ملايين متر مكعب من الغاز فقط، والمفترض وفق الاتفاق الرسمي هو إرسال 50 مليونا، خصوصًا أن الكمية المرسلة من الغاز يستخدمها العراق بشكل مباشر ويومي، بل هو يحتاج أكثر من تلك الكمية لتأمين تشغيل كافة المحطات الكهربائية”.
وأضاف “تعود إيران خلال فصل الصيف إلى تقليل كمية الغاز المرسل للعراق، وهذا بسبب زيادة حاجة إيران للغاز، ولهذا هي تقلل من إرساله من أجل استخدامه محليًا”.
وكانت إمدادات الغاز من إيران إلى العراق قد هبطت إلى نقطة “الصفر”، في كانون الثاني الماضي، وفقًا لتصريحات سابقة أدلى بها وزير الكهرباء الحالي، حينما توقفت إيران عن تزويد محطات الإنتاج، بشكل كامل والذي عزته حينها إلى أغراض صيانة أنابيب نقل الغاز.
وأدّى التوقف السابق للإمدادات إلى فقدان ما يفوق 7000 ميغاواط من الكهرباء، ما وصل بالطاقة الإنتاجية إلى حوالي 15 ألف ميغاواط، في حين أنَّ المطلوب لتلبية احتياجات البلاد من الكهرباء يناهز 24 ألف ميغاواط، بحسب ما قاله الوزير في كانون الثاني الماضي.
وتكلّف فاتورة استيراد الغاز الإيراني ميزانية العراق أرقامًا كبيرة، إذ إن بغداد – على الرغم من كونها ثاني أكبر منتجي النفط في أوبك- لم تنجح بعد في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز.
ويرى الباحث الاقتصادي بسام رعد أنه “على رغم من امتلاك العراق احتياطًا غازيًا كبيرًا، حيث يأتي في المرتبة الثانية عشرة عالميًا، إضافة إلى كميات كبيرة من الغاز المصاحب، فإنه عجز عن استثمار هذه الموارد المتوفرة لسد احتياجاته المحلية من الغاز، مما اضطره إلى استيراد الغاز من إيران.
وقال “العراق الذي بدأ استيراد الغاز منذ عام 2017 لتلبية الطلب المتصاعد على الطاقة الكهربائية، يولد نحو ثلث الطاقة من واردات الغاز من إيران”.
وأشار إلى أن “حل معضلة الكهرباء يتطلب تنويع وتطوير عناصر سلسلة الطاقة الكهربائية (الإنتاج، والتوزيع، والنقل)، إضافة إلى تقليل الفاقد من الشبكات، على أن يكون ذلك مصحوبًا بسياسة فعالة لتصفير حرق الغاز المصاحب، واستثمار الغاز الطبيعي لسد النقص في إمدادات الوقود، مع تحسين جودة الخدمة الكهربائية المقدمة للمواطنين، واستيفاء أجورها بشكل عادل”.

العراق يتكبد خسائر ضخمة جراء إحراق الغاز المصاحب لاستخراج النفط بدلًا من استثماره

وكانت وزارة الكهرباء في العراق قد أعلنت، في نيسان الماضي 2023، أن حجم الإنفاق السنوي لاستيراد الغاز الإيراني، أو الغاز من كردستان العراق، يبلغ نحو 8 تريليونات دينار (6 مليارات دولار أمريكي).
وكان رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني، قد أكد على مضي حكومته بمشروع استثمار الغاز في مشاريع الطاقة وتوليد الكهرباء، ضمن مساعي تحقيق إيرادات مالية، وإنهاء استيراد العراق المنتجات النفطية.
ويؤكد مستشار رئيس الوزراء الحالي مظهر محمد صالح، أن خسائر العراق جراء عدم التوقف عن الحرق واستيراد الغاز تُقدّر بنحو 12 مليار دولار سنويًا.
وأوضح أن ما يتكبده العراق من خسائر جراء استيراد الغاز لتشغيل محطات الكهرباء أو حرق الغاز المصاحب من حقول الوسط والجنوب، كلفة باهظة على الموارد النفطية بشكل كبير وعلى موارد البلاد المالية.
وتوقع الوصول خلال العامين المقبلين إلى نسبة صفر غاز مصاحب محروق، أما استخداماته فتصل إلى نسبة 100 بالمائة، وأن ذلك يمثل عملية اقتصادية تتعلق بالازدهار الاقتصادي وحصانة البيئة العراقية.
وعلى الرغم من التعهدات الحكومية، لكن محاولات العراق للاستقلال عن الغاز الإيراني ما زالت محل شك لدى الكثير ممن لا يتخيلون ابتعاد طهران عن بغداد، التي تنظر إلى العراق بوصفه حديقة خلفية منذ سنوات طويلة، ولا تتخيل استقلاله عنها في مجال الطاقة والكهرباء، فضًلا عن السياسة المحلية والدولية.
ويشكك خبراء اقتصاديون بالتصريحات الرسمية والمزاعم الحكومية في تحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج الغاز بعد عقدين من الفشل في تحقيق أي خطوة ملموسة في هذا الملف الحساس.
وقال أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي، إنه “على مدار عشرين عامًا تواجه الحكومات المتعاقبة انتقادات بسبب سوء إدارتها لموارد الطاقة في البلاد، فمع حرق أكثر من نصف الغاز الطبيعي العراقي، اضطرت بغداد حتى وقت قريب إلى تعويض ذلك باستيراد نحو 52 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا من طهران”.
وأضاف “حتى الآن لم أجد مبررًا واحدًا لاعتماد العراق على إيران موردًا رئيسًا للطاقة على رغم من وجود سلبيات عديدة، منها صعوبة تسديد المبالغ بسبب العقوبات الأمريكية، ناهيك عن أسعارهم الباهظة التي تفوق متوسط السعر العالمي”.
وشدد على أن هناك انتقادات لاذعة بسبب هذا الموضوع، كون العراق بلد غني بالنفط في حين يعاني مواطنوه أزمة انقطاع التيار الكهربائي المستمرة بسبب نقص الطاقة، وغالبًا ما يحدث هذا الأمر في الشتاء القارس، وكذلك في منتصف الصيف مع شدة الحر”.
وأشار إلى أنه “خلال الأعوام الماضية أهدر ما يزيد على نصف الغاز الطبيعي العراقي، إذ يحرق لعدم توفر بنى تحتية ومعدات مناسبة لجمع الغاز من حقول النفط العراقية ثم استخدامه في عملية توليد الكهرباء”.
ويقدر إجمالي احتياطيات العراق المؤكدة من الغاز الطبيعي بنحو 131 تريليون قدم مكعب، وتأتي في الترتيب الثاني عشر من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم إلا أنه وعلى الرغم من تلك الاحتياطات الضخمة لا يزال العراق يستورد ما بين 30 إلى 40 بالمائة من الغاز الذي يستخدمه من إيران، ويخصص معظمه لتوليد الكهرباء.
ويعد العراق في الوقت ذاته من بين تسع دول مسؤولة عن غالبية عمليات حرق الغاز، والتي تستحوذ على نحو نصف الإنتاج العالمي من النفط، وتفيد بيانات البنك الدولي أن العراق هو ثاني أكثر دولة في العالم تستخدم هذه الممارسة بعد روسيا وقبل إيران والولايات المتحدة بعد أن بلغ حجم الغاز المحترق في العراق 17.374 مليون متر مكعب في عام 2020 وحده.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى