البعد الأخطر في حرب أوكرانيا
انتهت معركة باخموت، لكن المعارك في أوكرانيا لن تتوقف. وما حدث هو انتقال وزحف للمعارك إلى مناطق جوار باخموت وما بعدها، كما سبق أن زحفت وتواصلت المعارك بعد حسم معركة ماريوبول. فمعركة باخموت على أهميتها، لم تكن معركة ختامية في الحرب الأوكرانية.
وحتى لو تمكنت روسيا من احتلال شرقي أوكرانيا كله، فكل المؤشرات حتى الآن، باتجاه أن المعارك لن تتوقف، إذ تبدي القيادة السياسية والجيش الأوكراني رفضًا لأي استسلام، وترفض اعتبار الاحتلال أمرًا واقعًا في أية بقعة من أوكرانيا.
كما لن يتوقف القتال لأسباب تتعلق بالوضع الدولي، إذ إن الحرب تستهدف تحديد دور ومكانة روسيا وأوروبا والولايات المتحدة بل حتى الصين في النظام الدولي الذي يعاد تشكيله الآن.
والأخطر إن أوكرانيا أصبحت بوابة مفتوحة لصراع حربي يتصاعد ويتعمق دون سقوف بين الناتو وروسيا، وإنه صراع لا تتوفر في مجرياته أية مؤشرات على احتمال أن يتوقف تصعيده عند حد معين. لا من طرف روسيا ولا من طرف الناتو.
لقد بدأت حرب أوكرانيا باعتماد الجيشين الروسي والأوكراني مدرسة حرب واحدة وباستخدام أسلحة متشابهة إلى حد ما، مع تميز الروس باستخدام طرز أحدث من ذات أنواع الأسلحة.
وكان العنوان الأبرز للحرب، هو عدم ضم أوكرانيا لحلف الأطلنطي، كما تحدثت روسيا مرارًا وتكرارًا قبل الحرب.
وخلال المرحلة الأولى للحرب، كان باديًا أنها حرب يحترق فيها السلاح والإرث السوفيتي في روسيا وفي كل أوروبا الشرقية.
لقد دفعت الولايات المتحدة دول أوروبا الشرقية لتصدير ما لديها من سلاح موروث ليدخل في محرقة الحرب في أوكرانيا. وإذ نظفت روسيا مخازنها من الأسلحة القديمة المنتجة خلال الحقبة السوفيتية، فقد ضمنت الولايات المتحدة بالمقابل، سوقًا جديدة واسعة لتصدير سلاحها، كما وجدت فرصة لتوحيد أسلحة ونظم الحرب في دول أوروبا الشرقية مع النظم داخل الناتو، لكن الأمر لم يعد كذلك الآن.
الحاصل الآن أن أوكرانيا باتت تقاتل بأسلحة مستوردة من دول الناتو، وتستخدم دبابات بريطانية وألمانية وأمريكية “تشالنجر وليوبارد وابرامز” ومدافع أمريكية من نوع هيمارس وأخرى فرنسية، ونظامًا للدفاع الجوي هو الأعلى في الناتو ممثلًا في نظام باتريوت الأمريكي. وتستخدم صواريخ بريطانية بعيدة المدى. وقد أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرًا عن سماح بلاده لدول الناتو بتصدير طائرات أف 16 الأمريكية إلى أوكرانيا.
وهو إعلان نطق به الرئيس بايدن من مكان سقوط قنبلة نووية أمريكية على اليابان في هيروشيما، فحمل مخاطر أعلى من إرسال تلك الطائرات ذاتها.
وبذلك أصبحت الحرب تجري عمليًا بين روسيا والناتو، حيث صارت أوكرانيا في الواقع العملي جزءًا من الناتو سواءً عبر السلاح أو عبر المدارس المرتبطة به، أو عبر تدريب الضباط والجنود الأوكران في دول الناتو. وبفعل وجود ضباط سابقين من دول الناتو يشاركون في الحرب تحت عنوان المتطوعين.
وإذا كانت روسيا، قد بدأت بشن الحرب على أوكرانيا تحت عنوان منع وصول الناتو إلى جوار أرضها، وإذا كانت قد احتلت معظم شرقي أوكرانيا وما زالت تقاتل لإكمال أهدافها، فالحاصل الآن عمليًا أن أوكرانيا أصبحت جزءًا من الناتو، وإن دون إعلان رسمي، وأن الناتو هو من يقاتل روسيا بأسلحته وخططه وتدريباته وعناصر سبق لها العمل ضمن جيوشه.
بل يمكن القول إن الناتو صار يحتل غربي أوكرانيا، أو يهيمن عليها ويديرها وفق أهدافه. والأهم، أن هذا التطور المتسارع لا يحمل أفقًا للتوقف ولا سقفًا له.
وأن لا حل تفاوضيًا باديًا في الأفق لقضية أوكرانيا بين الطرفين الحقيقيين في الحرب، أي روسيا والناتو.
ولذلك فالأخطر في أوكرانيا ليس حسم معركة باخموت لمصلحة الروس، ولا في استمرار الحرب لوقت طويل في مدن أخرى “تواصلت معركة باخموت لأكثر من سبعة أشهر” بل الأخطر أن الحرب تحولت من حرب روسية أوكرانية بالأسلحة السوفيتية، إلى حرب يجري فيها التباري بين الأسلحة الغربية والروسية الأحدث، الأمر الذي يفتح الأبواب على مصارعيها لتداعيات لعبة المصالح وشركات السلاح، ولتحولات خطيرة في اقتصاديات الدول المصدرة للسلاح.
الآن تدخل مصالح الشركات المنتجة للسلاح على خط استمرار الحرب وتصاعدها، والآن تحدث تحولات في اقتصادات الدول باتجاه اقتصادات الحرب، ولقد سمعنا أحاديث كثيرة عن تناقص الأسلحة والذخائر في مخازن الناتو، وهو قول لا يعني سوى بداية وتمهيد، لتحول اقتصادات الدول الغربية إلى اقتصادات الحرب. هذا التحول حادث فعليًا في روسيا، وقد رأينا الرئيس فلاديمير بوتين ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، يزوران بصفة دائمة مصانع السلاح ويتحدثان عن زيادة الإنتاج والميزانيات المخصصة له ويتوقع أن يتصاعد في الغرب انتاج السلاح في نفس الاتجاه.
ولذلك فالخطير الآن، أن حرب أوكرانيا باتت تسير نحو تعميق حالة الاشتباك بين روسيا والناتو.