الاقتصاد العراقي يدخل غرفة الإنعاش بمجرد انخفاض سعر النفط
فشل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 في وضع استراتيجيات اقتصادية لعصر ما بعد النفط جعل العراق يعتمد تمامًا على النفط في عالم يتجّه نحو تحقيق الحياد الكربوني.
بغداد – الرافدين
تؤول كل المؤشرات السياسية والاقتصادية إلى أن العراق بعيد جدًا عن عصر ما بعد النفط، وبعد أن فشلت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 من وضع استراتيجية بعد نفاد النفط.
ويستطيع العراق بالاعتماد على مخزوناته الهائلة من النفط مواصلة التصدير وبالوتيرة نفسها، لكن فيما يتجه العالم نحو عصر ما بعد النفط، لا تزال بغداد بعيدةً عن هذا التحول الكبير.
وقال المحلل السياسي العراقي ورئيس مركز اليرموك للدراسات الاستراتيجية عمار العزاوي “اقتصادنا الآن يعتمد كله على النفط وسعر النفط”، محذراً من أنه “في حال انخفاض سعر النفط، سيتجّه اقتصادنا إلى غرفة الإنعاش”.
ويرى العزاوي أن الحلّ يكمن في “الاعتماد على القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية” لدعم ميزانية البلاد.
لكن ذلك يبدو بعيد المنال، فالعراق الذي يصدّر الذهب الأسود منذ عشرينات القرن الماضي، يعتمد تماماً على النفط في عالم يتجّه نحو تحقيق الحياد الكربوني.
وفي منتصف نيسان تعهّدت مجموعة الدول الصناعية السبع، بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وفرنسا، “تسريع” عملية خروجها من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2050 “على أبعد تقدير”.
وصادق الاتحاد الأوروبي في آذار على وقف استخدام المحركات الحرارية في السيارات الجديدة التي ينبغي ألا تصدر أي انبعاثات لثاني أكسيد الكربون، اعتبارا من 2035.
ويشعر سكان العراق البالغ عددهم 42 مليون نسمة منذ الآن بتداعيات هذا التغير المناخي، من جفاف وعواصف رملية، في بلد هو من بين الدول الخمس الأكثر تأثراً بالتغير المناخي وفق الأمم المتحدة. فيما ينخر الفساد والفشل السياسي حكوماته المتعاقبة الأمر الذي يحول دون وضع سياسات ناجعة لمواجهة كارثة التغير المناخي والجفاف.
وسبق للعراق أن ذاق في العام 2020 مخاطر اعتماد اقتصاده على النفط الذي تراجعت أسعاره حينها مع انتشار جائحة كوفيد-19. وتضاعفت “معدلات الفقر بين ليلة وضحاها تقريبا”. ويشكّل النفط 90 بالمائة من إيرادات العراق المالية.
وذكر تقرير للبنك الدولي في آذار أنه “خلال العام 2021، كانت 60 بالمائة من الاستثمارات العامة مرتبطة بالنفط، مقارنة بأقل من 17 بالمائة في العام 2010”.
وتابع التقرير “تاريخياً، أضعفت سهولة تحقيق عائدات من النفط وإعادة توزيعها بشكل يسمح بالاحتفاظ بشبكات السلطة، الإرادة في اعتماد إصلاحات” تسمح بتعزيز النمو.
وهذا “يحدّ بشكل كبير من قدرة العراق على بدء عملية انتقال وخفض انبعاثات الكربون”.
مع ذلك، يعرب المستشار الاقتصادي لرئاسة الوزراء مظهر محمد صالح عن أمله بتغيّر الأوضاع، متوقعاً “اتخاذ خطوات قوية لتنويع الاقتصاد خلال السنوات العشر القادمة”.
ويدعو إلى الاستثمار في قطاع الزراعة من خلال شراكة تجمع القطاع الحكومي والخاص لتنفيذ مشاريع واسعة، وكذلك التوجه نحو صناعة الأسمدة والبذور.
لكن العراق الذي يهدّد الجفاف غالبية مناطقه “لا يزرع اليوم سوى عشرة ملايين دونم (مليون هكتار) أو أقل في السنة من أصل 27 مليون دونم (2.7 مليون هكتار)” قابلة للزراعة، وفق صالح.
ويعرب المستشار عن أمله بالتمكّن من رفع هذه النسبة إلى 15 مليون دونم (1.5 مليون هكتار).
ويرى أن تنويع الاقتصاد يتطلّب تطوير استثمار مواد خام أخرى غير نفطية مثل الفوسفات والكبريت والغاز الطبيعي.
ويشدّد على وجوب “ألا نعتمد على النفط بعد خمسين سنة بالشكل الموجود في الوقت الحاضر”.
ويعدّ العراق خامس دولة من حيث احتياطي النفط، وبإمكانه الاستمرار بمعدلات الإنتاج الحالية لمدة 96 عاماً إضافياً، وفق البنك الدولي. لكن من أجل إطلاق “نمو أخضر” في البلاد، قدّرت المنظمة الدولية كلفة الإصلاحات اللازمة بحوالى 233 مليار دولار موزّعة حتى العام 2040.
وتشير المنظمة الى أن من بين الإجراءات “الطارئة” التي ينبغي على العراق اتخاذها، وضع حدّ للنقص في الكهرباء لا سيما عبر إنهاء “حرق الغاز” المصاحب لإنتاج النفط واستخدامه في إنتاج الكهرباء، وكذلك عبر “تحديث نظام الري” و”إعادة تأهيل السدود”.
وفيما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى وضع محطات شحن كهربائية للسيارات على الطرق الأساسية بحلول العام 2026 وإنشاء محطات للتزود بالهيدروجين قبل العام 2031، لا يزال العراق في خطواته الأولى باتجاه استخدام السيارات الهجينة بينما السيارات الكهربائية فيه قليلة جداً.
ويقول حسنين مكية، مدير مبيعات شركة وكيلة للسيارات الهجينة، “الخطوة القادمة هي السيارات الكهربائية”.
ويتابع هذا الأربعيني الذي يعمل في تجارة السيارات منذ أكثر من عشر سنوات، أن التحديات لا تزال ماثلةً أمام ذلك في بلد نهشته الحروب وأنهكه الفساد، وثمة حاجة إلى “بنية تحتية معينة لإنتاج الكهرباء، نحن غير جاهزين”.
مع ذلك، يتحدّث عن “إقبال كبير وتغيّر في ثقافة المجتمع تجاه السيارات الهجينة”.
وتساءل أنه في حال “كان نصف أسطول السيارات في العراق في يوم من الأيام يعمل بالكهرباء، فما كمية الكهرباء التي ستحتاج البلاد لاستهلاكها؟”