جحيم كارثة الموصل مستمر بعد انتشال رفاة ضحايا مدنيين من تحت الأنقاض
انتشال رفاة الضحايا بعد ستة أعوام من انتهاء العمليات العسكرية يكشف الضغينة السياسية التي تكنها الحكومات المتعاقبة لأبناء مدينة الموصل، وعدم المبالاة وافتقارها إلى المسؤولية حيال الأبرياء من المدنيين.
نينوى – الرافدين
مثّل انتشال رفاة ضحايا من المدنيين العراقيين الذي سقطوا تحت القصف العشوائي للقوات الحكومية في مدينة الموصل، وبعد ستة أعوام من انتهاء العمليات العسكرية، صورة من الكارثة الأخلاقية والإنسانية والسياسية حيال المدنيين في تلك المدينة العراقية.
ويكشف انتشال رفاة الضحايا بعد كل هذه السنين الضغينة السياسية التي تكنها الحكومات المتعاقبة لأبناء مدينة الموصل، وعدم المبالاة وافتقارها إلى المسؤولية السياسية حيال ضحايا من الأبرياء المدنيين والكارثة التي شهدها الموصل.
وأعلنت فرق الدفاع المدني في محافظة نينوى عن انتشال سبع هياكل عظمية لبقايا رفاة مجهولة من تحت أنقاض المنطقة القديمة في مدينة الموصل.
وذكر بيان مديرية الدفاع المدني، أن “فريق البحث والإنقاذ التابع إلى مديرية دفاع مدني محافظة نينوى انتشلت بقايا سبعة جثث مجهولة الهوية من منطقة الميدان لمدينة الموصل القديمة”.
وأضاف، أنه “تم تسليم الجثث إلى دائرة الطب العدلي وحسب الإجراءات القانونية المعتمدة”.
وبحسب الدوائر الرسمية في نينوى فقد تم انتشال أكثر من 5500 جثة من مناطق المدينة القديمة أكثر من نصفها تعود لمدنيين.
وسبق أن كشفت صحيفة نيويورك تايمز تفاصيل مؤلمة للخسائر البشرية من المدنيين بمن فيهم الأطفال والنساء، في القصف الأمريكي على أحياء مدينة الموصل التي كانت تحت احتلال تنظيم داعش.
وفضحت وثائق سريّة وتحقيقات صحفية موسّعة في منطقة الشرق الأوسط، ما أسمته إخفاقات مأساوية وكارثية للحروب التي أدارها الجيش الأمريكي عن بُعد.
وتشير سجلات وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون إلى أن هناك 90 واقعة تأكّد فيها سقوط ضحايا مدنيين في الموصل والمناطق المحيطة بها.
ووفقاً لقواعد الاشتباك في الجيش الأمريكي، يمكن للمخططين العسكريين أن يقتلوا المدنيين، بمن فيهم الأطفال، وهم على علم بذلك إذا لم تكن الخسائر المتوقعة زائدة عن الحد مقارنة بالمكاسب العسكرية المتوقعة من تدمير الهدف.
كما كشف تحقيق لصحيفة الغارديان البريطانية عن تورط الجيش البريطاني في قتل عائلات بأكملها في مدينة الموصل بمحافظة نينوى خلال العامين 2016 و2017.
وأكد التحقيق، أن الجيش البريطاني قتل في ست ضربات جوية فقط نحو (26) مدنيًا عراقيًا، كما قتل عائلات بأكملها في ضربات استهدفت منازل ومناطق سكنية في الموصل .
وأضافت أن وزارة الدفاع البريطانية رفضت التعليق على نتائج التحقيق، وزعمت أن قواتها لم تقتل ولم تؤذِ أي مدني في العراق، في حين زعم المتحدث باسم الوزارة، عدم وجود أدلة على وقوع ضحايا من المدنيين في الضربات.
وكانت منظمة “إيرورز” الحقوقية، أكدت في وقت سابق، مقتل (9600) مدني بغارات التحالف الدولي في العراق وسوريا منذ عام 2014.

وتعاني مدينة الموصل التي شهدت عمليات عسكرية حولتها إلى خراب من تجاهل حكومة السوداني لواقعها المتردي، وإهمال مناشدات آلاف العائلات الموصلية التي تبحث عن ذويها المفقودين على يد الميليشيات والقوات الحكومية.
ورغم عظم الكارثة في المدينة إذ تشير الإحصاءات الحكومية وغير الحكومية إلى دمار أكثر من 70 بالمائة من المدينة، ووجود أكثر من 40 ألف قتيل وجريح ومفقود من المدنيين، لم تشهد أي إعمار ولا حملات حكومية لانتشال جثامين الضحايا.
وتتهم منظمات حقوقية ومدنية الحكومات المتعاقبة بالتعامل بازدواجية مع أهالي مدينة الموصل وعدم محاسبة عناصر الميليشيات المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بدوافع انتقامية وطائفية.
ورغم أن مصادر غير حكومية تؤكد وجود 96 مقبرة جماعية لضحايا مدنيين تورطت فيها القوات الأمنية والميليشيات ما تزال الجهات الحكومية تنكر تورط ميليشياتها وعناصرها في هذه الجرائم ونسبتها للمنظمات الإرهابية.
واتهم ناشطون رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني بتجاهل ملف الضحايا المدنيين الذين مازالوا تحت الأنقاض وعدم التحرك الجدي لإعمار المدينة بعد زيارته الأخيرة لها.
وسبق أن زار السوداني مدينة الموصل واكتفى بلقاء بعض المسؤولين وتجنب التواصل المباشر مع أهالي الموصل والاستماع إلى معاناتهم المستمرة، كما ألغى زيارة كانت معدة الى قضاء سنجار بعد أن حذره مقربون منه بانه تحت سيطرة ميليشيات حزب العمال الكردستاني بالتخادم مع ميليشيات في الحشد الشعبي.
وقال الناشط الحقوقي مصعب الناصري، إن “زيارة السوداني كانت شكلية ولم تأت بجديد فيما يخص الوعود واكتفى بلقاء بعض المسؤولين”.
وأضاف في تصريح لقناة “الرافدين” “إن ما يحدث في نينوى صراع بين أحزاب السلطة يستغل خطاب الإعمار من أجل الحصول على مكاسب سياسية”.
ويؤكد ناشطون أن الحكومة تتجاهل مناشدات السكان برفع الأنقاض رغم وعودها وتصريحاتها ببدء عملية الإعمار.
وقال الناشط الحقوقي فارس المعماري، إن “المناشدات الكثيرة من قبلنا ومن طرف ذوي الضحايا والمفقودين برفع تلك الأنقاض، لم تتم الاستجابة لها. ما زالت مئات الهياكل العظمية تحت الأنقاض، ومعها مصير مئات المفقودين”.
وأشار إلى الاهمال الكبير لملف الضحايا المدنيين تحت الأنقاض في مدينة الموصل، على الرغم من أنه إنساني، مطالبًا بـإعادة العمل ووضع خطط لرفع تلك الأنقاض، وحسم الملف الذي لا يمكن تركه معلقا لكل هذه السنوات.
وتؤكد مصادر محلية في المدينة أن الإعمار في الموصل وهمي وغير موجود وفق مفاهيم الإعمار المعروفة، إذ إنها ركزت على أمور ظاهرية فقط، في بعض الجوانب من الساحل الأيسر من المدينة.
وأضافت المصادر أن الساحل الأيمن من المدينة لا يزال على حاله كما هو بعد انتهاء العمليات العسكرية، وأن حالات الإعمار التي يتحدث عنها بعض السياسيين والصحافيين في المدينة أجريت على يد المواطنين أنفسهم، ولا فضل للحكومة المركزية أو المحلية.
وتماطل السلطات الحكومية بشأن مشاريع إعمار مدينة الموصل بعد الدمار الذي لحق بها، وبعد تهجير مئات الآلاف من الأسر الى مخيمات النزوح إثر تدمير منازلهم.
ويتصارع لوردات الفساد والميليشيات المتنفذة على الاستحواذ على مشاريع إعمار المدينة، الأمر الذي يحول دون الشروع بتنفيذها.
ويقول مسؤول بارز في ديوان المحافظة إن كل جهود السنوات الماضية في الإعمار لم تتعد أكثر من 15 بالمائة، والخراب الباقي بحاجة إلى مبالغ ضخمة ولم تف الحكومة في بغداد بوعودها في منح السكان مبالغ تعويضية عن منازلهم لإعمارها أو لإعمار المباني والمنشآت الخدمية العامة.
ويضيف المسؤول في تصريحات صحفية، أنه “لغاية الآن، يتم انتشال جثث جديدة وهناك جثث ما زالت تحت الأنقاض لمدنيين قضوا بالقصف، وهناك أيضًا آلاف المواطنين مختفين لا يعلم أحد مصيرهم ويعتقد أنهم قضوا أيضًا بالمعارك. والمدينة لم تحصل إلا على الوعود الكلامية”، وفقًا لتعبيره.