أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

عمالة الأطفال ظاهرة تنهش الأجساد الغضة في العراق

الفوضى الأمنية والنزوح والتدهور الاقتصادي عوامل ساهمت بزيادة معدلات عمالة الأطفال وجعلتهم عرضه للأخطار الجسيمة والاستغلال.

بغداد ــ الرافدين
عبرت منظمات حقوقية عن قلقها من استفحال ظاهرة عمالة الأطفال في العراق وما رافقها من تداعيات تهدد البنية المجتمعية في البلاد، وسط إهمال من قبل الحكومات المتعاقبة لأسباب هذه الظاهرة والتي تتطلب وجود برامج حقيقية للمعالجة وعدم الاكتفاء بإصدار البيانات وإطلاق التصريحات.
ويحتفي العالم في الثاني عشر من حزيران من كل عام باليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال لتركيز الاهتمام على مدى انتشار ظاهرة عمل الأطفال والعمل على بذل الجهود اللازمة للقضاء على هذه الظاهرة.
وتستثمر المنظمات الدولية والمحلية هذه المناسبة للتذكير بالواقع المؤلم الذي يعيشه الطفل العراقي وحرمانه من أبسط الحقوق.
وتتصاعد الدعوات لإنقاذ الطفولة في العراق من أوضاعها الكارثية بعد تنامي مؤشرات عمالة الأطفال وتفاقم الانتهاكات.
وكشفت مفوضية حقوق الانسان في ديالى عن ارتفاع معدلات عمالة الاطفال بمعدل 2 بالمائة سنويًا بالمحافظة.
وقال مدير المفوضية صلاح مهدي، إن عمالة الاطفال من الظواهر التي برزت بشكل لافت في ديالى وخاصة بعقوبة، مشيرًا إلى أنه تم رصد العشرات ممن هم دون 10 أعوام يعلمون في مهنة بعضها خطيرة لاتتلائم مع أعمارهم.
ولفت إلى وجود ثلاثة أسباب وراء هذه الظاهرة وأبرزها تراكمات مراحل النزوح القسري المتكررة والتي أفرزت الفقر والبطالة بين الآلاف من الأسر.
وأشار إلى أن عمالة الأطفال تحمل في ثناياها الكثير من السلبيات خاصة حجم الضغوط النفسية وإجبار البعض على ترك مقاعد الدراسة، الأمر الذي يشكل مخاطر جمة على مستقبل الأجيال.وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” أن نحو 90 بالمائة من الأطفال العراقيين لا تتاح لهم فرصة الحصول على تعليم مبكر، وأن إكمال المرحلة الابتدائية بين أطفال الأسر الفقيرة لا يتجاوز 54 بالمائة.
ورصدت خطورة هذه الظاهرة حيث أكدت أن من بين خمسة أطفال في العراق هنالك طفلين يعملون تاركين الدراسة.
وسبق أن دقت المنظمة ناقوس الخطر من تأثيرات ارتفاع نسب الفقر على أطفال العراق، داعية إلى العمل لبناء بيئة شاملة لحماية هذه الفئة، حيث يشكل الأطفال الغالبية من حوالي 4.5 ملايين عراقي من المعرضين لخطر الفقر بسبب تأثير النزاعات على البلد.
وأشارت المنظمة إلى أن عمالة الأطفال تزايدت في السنوات الأخيرة بسبب الفوضى الأمنية والنزوح والتحديات الاقتصادية والاجتماعية، وأن العمل يحرمهم من طفولتهم وتعليمهم، ويزيد من مخاطر تعرضهم للأخطار الجسيمة والأمراض والاستغلال.
وأقرت لجنة المرأة والأسرة والطفولة النيابية، بأن مؤسسات الدولة المعنية بالأطفال والمشردين لا تتلقى الدعم الكافي، كما أنها عرضة للخروقات والاستغلال بسبب غياب الرقابة.
وأكدت عضو اللجنة سهام الموسوي، أن هناك استغلالًا للأعمار الصغيرة من قبل عصابات منظمة، حيث تقوم باستخدام الأطفال في عمليات التسول وتجارة المخدرات والبشر.
وأشارت إلى أن وجود الأطفال عند إشارات المرور والتقاطعات وأماكن متعددة في بغداد والمحافظات أصبح مشهدًا مألوفًا في البلاد.

عمالة الأطفال مشهد شائع في الشوارع بحثًا عن لقمة العيش

ومن جهتها حذرت عضو هيئة رعاية الطفولة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية شيرين الخزاعي، من أن البلاد أمام منعطف خطير يهدد مستقبل جيل بأكمله، مشيرة إلى افتقار الطفل للبيئة التربوية السليمة، ووقوعه ضحية أخطاء مجتمعية وأسرية بحتة.
وأضافت الخزاعي، بأن هذه المشاكل تنعكس بشكل مباشر على نفسية الطفل، وتجعله عرضة للانزلاق نحو الانحطاط والتدني الخلقي، بل تدفع بالأطفال للاتجاه نحو أساليب منها تعاطي المخدرات والسرقة وإلى غير ذلك.
وتشير الأرقام حول ظاهرة عمالة الأطفال إلى مستقبل قاتم بحسب مراقبين خصوصًا وأن الأطفال يشكلون مستقبل البلد ويعكسون صورته وموقعه بين بلدان العالم.
وتؤكد منظمات معنية بحقوق الطفل أن عمالة الأطفال لا يمكن مواجهتها إلا بتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية وتعزيز المساواة والتركيز على التعليم والصحة وحماية الطفل وهو أمر بعيد المنال لدى حكومات المحاصصة الطائفية وتقاسم الغنائم.
وتتسع ظاهرة عمالة الأطفال في العراق لتصل إلى حد “الأسوأ” في تاريخ العراق بحسب ما وصفته وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الحالية في ظل القوانين المشلولة وضعف عمل لجان الرقابة لمكافحة هذه الظاهرة، والظروف الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تسود البلاد.
وحذرت لجنة الإنقاذ الدولية من ارتفاع معدلات عمالة الأطفال بشكل مقلق في البلاد، بسبب تعطيل تعليم الأطفال وحرمانهم من طفولتهم ونيل حقوقهم الأساسية، إلى جانب تعرضهم لظروف غير آمنة، فالحكومة مطالبة برعايتهم وحمايتهم.
وقالت مديرة مكتب لجنة الإنقاذ الدولية في العراق “IRC” سمر عبود، إن ظاهرة عمالة الأطفال في العراق تنسف براءة الأطفال، وتضع عبئًا ثقيلًا عليهم، وتعرض حياتهم للأذى والخطر.
وطالبت المجتمع الدولي إلى الاهتمام بقضية عمالة الأطفال في العراق، ومواجهتها بكافة السبل المتاحة.
وأضافت أن العائلات عندما لا تتمكن من تلبية احتياجاتها الأساسية، لذا يكون الملاذ الأخير لها في بعض الأحيان هو إرسال أطفالها للعمل، مضيفة أن اللجنة الدولية تعلم أن عمالة الأطفال تعرضهم للأذى، وتحرمهم من التمتع بطفولة طبيعية وآمنة، وتؤدي إلى آثار طويلة المدى على صحتهم الجسدية والنفسية.
ويعاني أطفال العراق من مشاكل معقدة، نتيجة العنف وغياب البنى التحتية والأزمات المتلاحقة التي مرت بها البلاد خلال سنوات ما بعد الاحتلال وعدم جدية الحكومات بإيجاد حلول حقيقية.
وحذر قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في تقريره السنوي مطلع العام الجاري، من تزايد معاناة الطفل في ظل الفوضى وضياع الحقوق السائدة في العراق، حيث يتعدى انتهاك الحقوق بشتى أشكاله بحقهم إلى الحد الذي نتج عنه انحراف كبير في مسار المجتمع.

الدكتورة فاطمة العاني: الحكومات المتعاقبة أهملت واقع الأطفال ولم تطبق أي معيار من معايير الحقوق تجاههم

وقالت مستشارة المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب الدكتورة فاطمة العاني، إن الواقع المؤلم الذي يعيشه أطفال العراق نابع من تأثير العمليات العسكرية وسيطرة الميليشيات وغياب حكومة وطنية تساهم بتطوير البلاد والحفاظ على حقوق الأطفال.
وأضافت العاني في تصريح لقناة “الرافدين” أن الحكومات المتعاقبة أهملت الأطفال بصورة كبيرة ولم تطبق أي معيار من معايير حقوق الأطفال في كافة المجالات.
وأكدت أن الظروف المعيشية الصعبة هي التي أجبرت الأطفال على ترك الدراسة والتوجه نحو سوق العمل من أجل إعالة ذويهم للحصول على لقمة العيش.
وأجمع مراقبون على تقصير حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في حماية الطفولة في العراق، رغم توفر جميع الإمكانيات المادية والبشرية لديها.
وأكدوا على أن تدهور أوضاع الطفولة في العراق هو جزء مهم وخطير ضمن الانهيار الشامل في البلاد، والذي انعكس عبر ظواهر خطيرة على المجتمع، بالوقت الذي تتجاهل فيه أحزاب السلطة هذا الموضوع رغم أهميته وخطورته بدليل عرقلتها تمرير قانون العنف الأسري وحقوق الأطفال في البرلمان منذ سنوات.
وقالت الناشطة في مجال حقوق الإنسان هدى البدراني إن “الأرقام التي يتم تسجيلها لعمالة الأطفال في العراق خطيرة جدًا، وهي تجعل الأطفال عرضة للاستغلال من قبل عصابات الجريمة المنظمة، وهذا له انعكاسات خطيرة على المجتمع”،
وأضافت أن حملات حكومة السوداني للقضاء على الظاهرة لا تمثل معالجات حقيقية لها، وأن الحديث عن تعويضهم برواتب شبكة الحماية الاجتماعية لا يمثل شيئاً، فتلك المبالغ لا تسد حاجة العائلة العراقية إلا لمدة أيام بسيطة.
وشددت على ضرورة الوصول إلى حلول جذرية للأزمة، والتي تتمثل بمعالجة أسباب الظاهرة، بدءًا من حل أزمة العائلات النازحة التي أجبر أطفالها على العمل، وصولاً إلى معالجة نسب الفقر بالبلاد.
وأكدت أن المسؤولية في هذا الملف هي مسؤولية إنسانية إصلاحية، وإذا ما توفرت الحلول الصحيحة فإنها تكون خطوات إصلاحية للمجتمع.

واقع الأطفال ومعاناتهم خارج اهتمام الحكومات المتعاقبة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى