رز العنبر آخر خسائر العراق جراء فشل السياسات الاقتصادية
تقليص مساحة زراعة رز العنبر من 300 ألف دونم زراعي إلى 3 آلاف فقط للموسم الحالي في نكسة لأهم محاصيل العراق الزراعية.
بغداد – الرافدين
حذر مختصون في مجال الزراعة من استمرار تقليص المساحات المزروعة لرز العنبر العراقي والذي يعد الأفضل من بين أنواع في العالم واتخاذ ذريعة شحة المياه سببًا للقضاء على أحد أفضل أنواع الرز على مستوى العالم الذي اشتهر العراق بزراعته وتصديره منذ قرون.
وأشاروا إلى أن التخبط الحكومي والسياسات الزراعية غير المدروسة وغياب الخطط طويلة الأمد، فضلًا عن غياب الدوافع الوطنية تجاه الزراعة المحلية، جعلت هذا النوع من الرز المتميز بنكهته على وشك الانقراض.
وأصبحت أكثر من 600 ألف عائلة كانت تعيش على زراعة الرز بلا مورد مالي بسبب منع الوزارة زراعة أراضيهم.
وقال مسؤول بوزارة الزراعة إن زراعة الرز في العراق تم تقييدها هذا الموسم في وسط وجنوب البلاد بسبب نقص إمدادات المياه.
وأوضح أن “الأرقام التي ستعلن لن يكون فيها توسع في الأراضي الزراعية، وأن الموسم الصيفي الحالي سيكون أقل مقارنة بموسم العام الماضي”.
وكشف وزير الموارد المائية عون ذياب عن تراجع الخزين الاستراتيجي للماء في عموم البلاد بمقدار 7 مليارات متر مكعب مقارنة بصيف 2022.
وأكد أن السنة الحالية ستكون الزراعة فيها محددة وخصوصًا لمحصول الرز للانخفاض الحاد بكميات الخزين المائي.
وأوضح أن مساحة زراعة الرز تم تقليصها من 300 ألف دونم زراعي إلى 3 آلاف فقط وهي مساحة ضئيلة مقارنة بالأعوام السابقة.
وفي تصريحات لاحقة قال وزير الموارد المائية الحالي عون ذياب، إن العراق أوقف زراعة الرز هذا العام بالكامل.
ويعد محصول الرز من المحاصيل الصيفية العراقية التي تحتاج في زراعتها إلى أكثر من 12 مليار متر مكعب من المياه في كل موسم.
وتتصدر محافظتا القادسية والنجف إنتاج الشلب بنسبة 70 بالمائة من الإنتاج المحلي، إلا أن تقليص الخطة الزراعية حسب توجيهات وزارة الزراعة حالت دون استمرار إنتاج المحصول.
وقال مدير زراعة محافظة القادسية صفاء الجنابي إن “مساحات زراعة الرز انخفضت بشكل كبير ليس في القادسية فقط، بل محافظة النجف خسرت بتخفيض مساحتها من 250 ألف دونم للعنبر إلى نحو 3 آلاف دونم تحاول الحصول عليها”.
ولفت الجنابي إلى أن هناك “أكثر من 600 ألف عائلة يعيشون على زراعة الرز بنوعيه وأصبح الكثير منهم بلا مورد مالي بسبب منع الوزارة زراعة مساحاتهم”.
وأشار إلى أن الخسارة المالية التي لحقت بمزارعي الرز في محافظة القادسية فقط، تقدر بأكثر من 50 مليار دينار عراقي.
وتساءل المزارع هشام حامد الذي يسكن قضاء المشخاب في محافظة النجف ويحصد سنويًا الأطنان من زراعة الرز ماذا يفعل بعشرات الدونمات التي استأجرها لزراعة الشلب، وبسبب عدم وجود الماء لا يظن أنه سيستطيع زراعتها وستبقى الأرض بوارًا هذا العام ويتكبد خسائر فادحة.
وانتقدوا عدم وضع الوزارة خطة طويلة الأمد لمواجهة خطر شح المياه بهدف معالجتها، بدلاً من الاتجاه لمنع زراعة الشلب وتدمير مصادر رزق عائلات بأكملها.
وأشاروا أن السياسات الحكومية تمنعهم من زراعة الرز لتلبية حاجات البلد وعدم اللجوء لاستيراده من الخارج مشيرًا إلى ابتعاد هذه السياسات عن البحث عن الحلول كاستخدام التقنيات الحديثة في الري.
ويتفق الخبير في مجال الاقتصاد الزراعي عادل المختار إلى ما ذهب إليه المزراعون قائلا “الأسباب التي أدت إلى انخفاض المساحات المزروعة لا تتعلق بأزمة المياه فقط وإنما هناك الكثير من الأسباب ترتبط بالتطور والحداثة في استخدام الموارد واستثمارها بالشكل الأمثل، واتباع الوسائل الحديثة في منظومات الري المتطورة”.
وشدد المختار على ضرورة وضع آليات ودراسة جدوى للمنظومة الزراعية وإعادة النظر في السياسيات الحكومية لحل أزمة الجفاف.
وتتصاعد المناشدات لوضع حد لأساليب الري القديمة التي “تهدر” كميات المياه المتناقصة، خصوصًا محصول رز “العنبر” الشهير الذي يكاد يختفي من الأسواق المحلية، إلا أنها لم تجد أي اهتمام من قبل الجهات المعنية.
ويرى مراقبون أن هناك دوافع سياسية وراء استمرار نهج تقليص المساحات المزروعة تتلخص في تدمير الإنتاج الوطني والدفع نحو استيراد المنتجات الإيرانية تحديدًا.
وأجمعوا على أن الحكومة بعيدة كل البعد عن الزراعة عندما جعلت من العراق سوقًا لمنتجات الدول المجاورة.
وأجمع مزارعون في قضاء الزوراء شرقي بغداد على أن السلطات تتعمد إهمال الزراعة في البلاد عبر الاستيلاء على أراضي زراعية مسجلة منذ عشرات السنين وتحويلها إلى مناطق سكينة لتحقيق مصالح أنانينة لمتنفذين في ميليشيات معروفة.
وقال مزارع في بث حي في برنامج “مع الناس” على شاشة قناة “الرافدين” إن أرضه الزراعية التي زرعها جده الرابع وتوارثها من آبائه وتحوي محاصيل زراعية وفيرة، مهددة للاستيلاء عليها من قبل جهات متنفذة.
وانتقد مزارعو قضاء الزوراء غياب الدور الحكومي في مواجهة الجهات المتنفذة التي تريد الاستيلاء على أراضيهم بقوة السلاح.
ويهدد تعطيل الأراضي الزراعية مهنًا أخرى، مثل العشرات من المصانع المحلية الصغيرة التي تعرف بـ”المجارش”، وتكون مهمتها تنقية محصول الرز وتنظيفه قبل طرحه في الأسواق.
وتوقعت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” في وقت سابق أن يكون معدل استهلاك الفرد الواحد من الرز يبلغ 37 كيلو غرام سنويًا خلال العامين 2022-2023، فيما كان معدل استهلاك الفرد الواحد من الرز خلال العامين 2021-2022 مقدار 36.8 كيلو غرام سنويا و34.1 كيلو غرام سنويا في العامين 2021-2020.
