إيران تضخم صادراتها للعراق للتغطية على تورطها بتهريب العملة
4500 سلعة إيرانية تغزو الأسواق العراقية مقابل تكاليف باهظة تخطت عتبة 10 مليارات دولار سنويًا في أكبر عملية تهريب للعملة الصعبة تحت غطاء الاستيراد.
بغداد – الرافدين
أثار إعلان الملحقية التجارية في السفارة الإيرانية في بغداد تخطي صادرات إيران إلى العراق عتبة الـ 10 مليارات دولار في السنة المالية المنتهية في 20 آذار 2023 -وفق التقويم الفارسي- جملة تساؤلات حول الحجم الحقيقي لهذه التجارة وعلاقتها بتهريب العملة الصعبة من العراق.
وكشف الملحق التجاري بالسفارة الإيرانية في بغداد عبد الأمير ربيهاوي الأربعاء عن إحصائيات تشير إلى “تصدير حوالي 4500 سلعة من إيران إلى العراق سنويًا فيما بلغ حجم التصدير في العام الماضي 10 مليارات و236 مليون دولار وهو أمر غير مسبوق”.
وتحتاج إيران إلى عملة الدولار من أجل استقرار اقتصادها المتدهور، الذي تضرر بشدة من العقوبات الأمريكية المفروضة منذ 2018 بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترمب، الانسحاب من اتفاق طهران النووي مع القوى العالمية الست.
وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك قد أقر ضوابط أكثر صرامة على المعاملات الدولية بالدولار للبنوك التجارية العراقية في تشرين الثاني الماضي بهدف “وقف تهريب العملة الأجنبية إلى إيران”.
وسلط أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية في الجامعة العراقية، عبد الرحمن نجم المشهداني، الضوء على أساليب “تهريب العملة الأجنبية من العراق”، ومنها السيناريو الأكثر شيوعًا المرتبط في “استيراد بضائع من إيران ودول مجاورة، بفواتير إما لصفقات سلع وهمية، أو بفواتير مزورة يتم تضخيم الأسعار فيها بمستويات كبيرة”.
وأضاف المشهداني أن بعض التجار والمستوردين يخفون أسماءهم من تعاملاتهم التجارية حتى لا تظهر ضمن قوائم “البنك المركزي، أو الضريبة والجمارك”، وبعضهم لا يمتلك شهادة مستورد تتيح له بالأصل إجراءات تبادلات تجارية.
وأعاد أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية التذكير بما كشفت عنه الأرقام الرسمية، والتي تشير إلى أن العراق استورد “طماطم بنحو 4.25 مليار دولار وبطيخ بنحو 1.78 مليار دولار من إيران خلال العام الذي سبق جائحة كورونا”.
وأكد على أن هذه الكميات المستوردة لا تكفي احتياجات العراق فقط من الطماطم والبطيخ، إنما تكفي “قارة بأكملها”، وهو ما يعد مؤشرًا على أن الأرقام غير حقيقية، والتي قد تكون “نافذة لتهريب الأموال من العراق إلى إيران”.

ويعزز الاعتراف الإيراني الأخير ببلوغ حجم التجارة مع العراق أرقامًا غير مسبوقة من الشبهات المثارة حول دور السفارة الإيرانية في بغداد بعمليات تهريب العملة الصعبة والإضرار في الاقتصاد العراقي.
وسبق أن كشفت مصادر إيرانية معارضة أن فيلق القدس التابع للحرس الإيراني قام بتهريب ملايين الدولارات من العراق إلى حسابات الحرس في إيران، بالتعاون مع السفارة الإيرانية في بغداد.
وذكرت قناة “إيران إنترناشونال”، التي تبث من العاصمة البريطانية لندن، أنها حصلت على المعلومات عن شبكة تهريب العملة من مصدر في فيلق القدس، المكلف بالعمليات الاستخباراتية والعسكرية العابرة للحدود الإيرانية.
ويستخدم الحرس الإيراني عناصر في السفارة الإيرانية في بغداد وعدد من المساعدين من عناصر الميليشيات الولائية المنضوية في الحشد الشعبي، للاحتيال على النظام المصرفي العراقي.
وبالعودة لبيانات صادرات إيران إلى العراق خلال العام الماضي والذي يبدأ العام الإيراني في الحادي والعشرين من آذار من كل عام، فقد بلغت الصادرات السلعية الإيرانية من آذار 2021 وحتى الشهر نفسه من العام 2022، ماقيمته 8.9 مليار دولار.
بالمقابل، بلغت صادرات إيران من آذار 2022 وحتى تشرين الثاني 2022 أي خلال 8 أشهر، 4.3 مليار دولار.
وتظهر الإحصائيات أن معدل الصادرات الإيرانية شهريًا تبلغ نحو 538 مليون دولار منذ آذار 2022 حتى تشرين الثاني 2022، أما منذ آذار 2021 وحتى آذار 2022 كان معدل الصادرات الشهري يبلغ 741 مليون دولار.
ويبلغ معدل الصادرات الإيرانية إلى العراق خلال 2022 538 مليون دولار شهريًا، مايعني أنه خلال 11 شهرًا بلغت مجمل صادرات إيران إلى العراق 5.9 مليار دولار وهو أقل من الرقم الذي أعلنته الملحقية التجارية في السفارة الإيرانية المتهمة بتضخيم الأرقام للتغطية على تهريب العملة.
وبذلك فإن الداخل من نصف المنافذ الحدودية بين إيران والعراق “المنافذ الثلاثة” والبالغة 2.5 مليار دولار تعادل 42 بالمائة من مجمل مادخل إلى العراق من صادرات إيرانية خلال 11 شهرا “من اذار 2022 وحتى شباط 2023”.
وبلغ التبادل التجاري خلال عام 2021، بين العراق وإيران 9.27 مليار دولار، صدرت إيران منها إلى العراق بقيمة 8.2 مليار دولار، وصدر العراق لإيران بمليار دولار فقط.
ووفق ذلك، فإنّ من أصل 9.2 مليار دولار حجم تبادل التجاري بين العراق وإيران، كانت 6 مليارات دولار منها قد تمت عبر كردستان العراق، والتي تنتقل من خلالها إلى باقي المحافظات العراقية، فإنّ نحو 70 بالمائة من التبادل التجاري بين إيران والعراق يتمّ عبر “منافذ غير شرعية” بالنسبة لبغداد، ولا تعلم عنها السلطات شيئًا.
وتتوافق هذه النسبة مع حجم التفاوت بين مبيعات البنك المركزي من العملة الصعبة المخصصة لغرض الاستيراد، وبين نسبة السلع الداخلة فعلًا عبر المنافذ الرسمية وهو ما يعزز من كفة الاتهامات الموجهة لإيران باستغلال نافذة تصدير السلع في تهريب العملة.
ومن أشهر هذه النسب، ما حدث في 2019 حيث حوّل البنك المركزي 44 مليار دولار إلى الخارج لغرض الاستيراد، فيما بلغت مجمل الاستيرادات عبر المنافذ الحدودية الرسمية 18 مليار دولار فقط، ما يشير إلى أنّ البضائع الداخلة عبر المنافذ الرسمية تعادل أقل من 40 بالمائة من مجمل البضائع الداخلة للعراق في ذلك العام، فيما دخلت أكثر من 60 بالمائة من البضائع عبر منافذ غير رسمية، بينما تصعد النسبة إلى 70 بالمائة فيما يخص التجارة الإيرانية تحديدًا مع العراق.

وكان رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني قد رفض اتهام إيران في عملية تهريب الدولار من العراق بما فيها سيناريو تضخيم الصادرات من السلع.
ولم يذكر السوداني إيران في إجابته على سؤال لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية التي تصدر من لندن، “عما إذا كانت وجهة الدولار المهرب من العراق تنتهي في إيران”، واكتفى بالقول إن “تهريب العملات مستمر في كل دول العالم، والعراق حاله حال هذه الدول وهناك دول كثيرة في المنطقة تتعرَّض عملتها الرسمية للانهيار، لا أريد أن أدخلَ في الاسم، وبالتأكيد يحتاجون إلى الدولار، وهذا الأمر مستمر.
وأكد السوداني بأن هناك 300 مليون دولار يبيعها البنك المركزي يوميا للمصارف والشركات تحت بند الاستيراد، وليس من المعقول أن هناك بلدًا يستورد في اليوم الواحد بهذا المبلغ إلا إذا كان يستورد الهواء ويبيعه للمواطنين”.
وأجرى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، لقاءًا مع نظيره عبد اللطيف رشيد في طهران أواخر شهر نيسان الماضي أكد فيه أن حجم التبادل التجاري الاقتصادي بين إيران والعراق أكثر من 10 مليارات دولار، وهذا الرقم يمكن أن يرتقي إلى مستويات أعلى في إشارة إلى توجه إيران إلى رفع الرقم إلى الضعف لضمان حصولها على نسبة أكبر من العملة المهربة من العراق.
وتأتي التصريحات الإيرانية حول ضرورة تعزيز العلاقات التجارية مع العراق فيما يحتل الأخير مكانة مهمة في التجارة الخارجية الإيرانية في ظروف العقوبات القاسية التي تواجهه إيران، إذ يشكل العراق منفذًا اقتصاديًا للالتفاف على العقوبات ودعم الاقتصاد الإيراني.
وتسعى إيران فعليًا إلى ترجمة تصريحات مسؤوليها الرسمية عبر زيادة حجم صادراتها من السلع التي توصف بالرديئة عبر عدة خطط من بينها مشروع الربط السككي المثير للجدل.
ويرى الباحث السياسي، هيثم الهيتي أن “الربط السككي يعد أرخص السبل وأسهلها وأكبرها حجما وأكثرها قدرة، ويوفر لطهران اتصال من جانب واحد”.
وقال إن “طهران ستضخ البضائع الرديئة من خلال المشروع في دول هامشية وضعيفة صناعيًا، بسبب نخب سياسية سيئة وغير قادرة على إنجاح مشاريع في دولها، وهمشت المؤسسة العسكرية والصناعية والزراعية”.
وأضاف الهيتي أن “إيران ستستفيد من الربط السككي من خلال ضخ ملايين البضائع لهذه الدول بمعنى جانب اقتصادي لحديقة خلفية تشمل سوريا والعراق، كما أنه مشروع اقتصادي لإيران، من خلال وصل ميناء الخميني باللاذقية، وبالتالي ستكون مطلة على المتوسط وأوروبا”.
وأوضح “الخط أيضًا يعزز موقع إيران الجغرافي في مشروع طريق الحرير الصيني، وبالتالي ستكون طهران اللاعب الأساسي في الشرق الأوسط، فيما ستتمكن من تهميش الدور السوري والعراقي وتبتلعه من خلال السكك”.