عبد اللطيف رشيد يعترف بنصف الحقيقة أمام مسؤول دولي بشأن النازحين
هيئة علماء المسلمين في العراق: وزارة الهجرة في حكومة بغداد لا تعترف بمسؤوليتها تجاه النازحين، في ظل سعي السلطات إلى فرض الإغلاق القسري على المخيّمات دون توفير بدائل معتبرة.
بغداد- الرافدين
اعترف رئيس الجمهورية الحالي عبد اللطيف جمال رشيد، بنصف الحقيقة عندما قال أمام مساعد الأمين العام للأمم المتحدة مدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبد الله عبد الرزاق الدردري، بأنه يوجد أكثر من نصف مليون نازح داخل العراق يعيشون أوضاعا صعبة جراء عدم عودتهم إلى ديارهم.
ولا تغير تصريحات الرئيس الحالي من حقيقة وجود أكثر من 1.5 مليون نازح في رحلة شتات داخلية، بسبب سيطرة ميليشيات على أراضيهم ودمار منازلهم ومناطقهم الأمر يحول دون عودتهم.
وأشار الرئيس الحالي إلى وجود ما يقارب من 600 ألف نازح يعيشون أوضاعا بالغة التعقيد والصعوبة ولم يقدم لهم شيء على أرض الواقع ويجب إنهاء هذا الملف بإعادتهم لمناطق سكناهم.
ويأتي لقاء المسؤول الأممي بالرئيس العراقي الحالي بعد أسابيع من تعبير الأمم المتحدة عن قلقها من إغلاق السلطات الحكومية لمخيم كان يأوي أكثر من 300 عائلة نازحة في بلدة القيارة بمدينة الموصل.
وقال مكتب الأمم المتحدة في بغداد في بيان إن إغلاق المخيم في بلدة القيارة جنوب محافظة الموصل تم “دون إخطار او تحضير كافيين”.
ووصف عاملون في منظمات الإغاثة الدولية عملية الإغلاق بالمتسرعة والفوضوية، وإن السلطات أبلغت سكان المخيم بضرورة المغادرة.
وذكر تقرير لوكالة “أسوشيتد برس” أن وزارة الهجرة والمهجرين سبق أن حددت موعدًا نهائيًا للإغلاق في أيار المقبل للمخيمات التي تؤوي نحو 1.2 مليون شخص نزحوا داخلياً بعد سنوات من الصراع والتهجير القسري من المدن المنكوبة.
وقال علي عباس المتحدث باسم الوزارة، إن كل أسرة أعطيت 1500000 دينار عراقي (حوالي 1030 دولارًا) للعثور على سكن جديد. من دون أن يذكر سبب تغيير موعد الإغلاق الذي سبق أن حددته الوزارة.
وعبر سكان المخيم عن خشيتهم من العودة إلى مناطقهم حيث تتربص بهم الميليشيات الطائفية التي استولت على منازلهم. فيما المبلغ الذي أعطي لهم لا يمكن أن يتم فيه استئجار غرفة بمنزل صغير.
وعبر مكتب الأمم المتحدة في بغداد عن القلق الإنساني إزاء تأثير إغلاق المخيم، وأكد دعم الأمم المتحدة الطويل والمبدئي لعودة “طوعية وآمنة وكريمة لجميع” النازحين داخليًا.
وبدأت السلطات الحكومية في أواخر عام 2020 حملة فوضوية لإغلاق جميع مخيمات النزوح في المدن العراقية، من دون أن توفر الظروف الملائمة لعودة النازحين المدمرة بيوتهم أو التي تستولي عليها الميليشيات الطائفية وتمنع عودتهم.
وسبق وأن أكد قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق على أن وزارة الهجرة في حكومة بغداد لا تعترف بمسؤوليتها تجاه النازحين، في ظل سعي السلطات إلى فرض الإغلاق القسري على المخيّمات دون توفير بدائل معتبرة.
وأشار إلى أن محافظة نينوى تشهد هجرة عكسية بسبب سيطرة ميليشيات الحشد واستمرار افتعالها عمليات أو أحداثا أمنية لتبرير بقائها، وأبرز تلك الميليشيات هي كتائب حزب الله والعصائب وكتائب الإمام علي، إضافة إلى حشد الشبك، وبابليون.
وقامت وزارة الهجرة والمهجرين بإغلاق مخيمات في مدينة العامرية وطرد 220 عائلة من ناحية جرف الصخر ولا تستطيع هذه العائلات العودة إلى ديارهم بسبب سيطرة الميليشيات على مناطقهم.
وذكر قسم حقوق الإنسان في الهيئة في تقرير صدر بعد دعوة سابقة للرئيس الحالي عبد اللطيف رشيد لإنهاء ملف النازحين بأسرع وقت ممكن “تأتي دعوة الرئيس الحالي في سياق النهج الحكومي المعلن في العراق ومنذ 2020، عندما بدأت السلطات المعنية حملة واسعة لإنهاء ملف النزوح في البلاد، عبر إغلاق غير مدروس لمخيمات النزوح ومن دون تهيئة لأسباب عيش النازحين العائدين قسرًا إلى مناطقهم، التي لا تزال مدمرة على الرغم من مرور سنين عديدة على استعادتها من تنظيم الدولة، والتي لم تتخذ الجهات الحكومية فيها أي خطوات ملموسة باتجاه إعادة إعمار بنيتها التحتية وتأهيل مرافقها العامة وتوفير الخدمات الأساسية، وقد تم إغلاق معظم المخيمات في كل المحافظات العراقية، باستثناء محافظات كردستان، وسط استمرار غياب الحلول الناجعة لقضية النازحين وضمان عودتهم الكريمة إلى ديارهم، التي تبدو وفق المعطيات أنها حلم بعيد المنال.”

وأضاف التقرير “رغم توقف أعمال العنف في المحافظات المنكوبة منذ سنين، ما تزال القوات الحكومية والميليشيات الولائية تمنع أهالي تلك المحافظات من الرجوع لمنازلهم بحجج عدة، ودخلت أزمة النزوح الكبرى الشتاء التاسع وسط تواصل الإهمال الرسمي وتراجع الجهد الإغاثي، وما يزال نحو مليون و300 ألف نازح يعيشون أوضاعا مأساوية صعبة في المخيمات”.
ورصد قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين خلال 2022 وفاة ثمانية أطفال في تلك المخيمات من شدة البرد والجوع.
ويوجد في العراق أكثر من 400 موقع غير رسمي تضم أكثـر من 14 ألف عائلة نازحة غير مسجلة. كما يوجد 2.5 مليون عراقي عائد من المخيمات لا يزالون يعيشون في حالة نزوح شبه دائم وباتوا بحاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة، نصفهم لا يجدون مأوى لهم، وهذا ما أكدته منظمة الهجرة الدولية.
ويظل الاستخفاف الرسمي بهذه القضية الإنسانية سيد الموقف، فمن جراء الحملة الواسعة لإعادة المهجرين قسرًا، ينتشر حاليًا نحو 200 ألف نازح في مخيمات عشوائية موزعة في عموم العراق، حيث لا تعترف وزارة الهجرة والمهجرين بمسؤوليتها تجاههم، ويقتصر الاهتمام الحكومي ذو الخلفيات الطائفية على تقديم الخدمات العامة في مناطق بعينها لا يتجاوز عدد سكانها 1 بالمائة من أعداد النازحين من المحافظات المنكوبة.
ويعيش النازحون العراقيون للعام التاسع على التوالي في المخيمات، والذين تزيد أعدادهم على مليون وثلاثمائة ألف شخص، في ظروف إنسانية صعبة للغاية، ومع كل شتاء تتجدد معاناتهم وهم يواجهون مخاطر البرد القارس وهطول الأمطار وتشكل السيول والفيضانات، خاصة أن أغلب هذه المخيمات بعيدة عن المدن وتقع في مناطق تنخفض فيها درجات الحرارة بشكل كبير، فضلاً عن وجود خيم متهالكة لا تقي ساكنيها من البرد الشديد، يزاد على ذلك النقص الحاد في الغذاء والدواء والوقود ومستلزمات ضرورية أخرى، وسط انتشار الأمراض والأوبئة.
وكشفت منظمة الهجرة الدولية، أن نسبة كبيرة من النازحين يمتلكون بيوتا في مناطق سكانهم، لكن تعرض بيوتهم لأضرار بنسب متفاوتة من جراء القصف يحول دون عودتهم إلى مناطقهم الأصلية.
وذكر تقرير للمنظمة بشأن النازحين في العراق، أن العائلات النازحة والعائدة تكون معرضة لمصاعب جمة وتواجه تحديات كبيرة ولا يمكنها تحقيق حلول مستدامة للمشاكل التي تواجهها.
ويعيش مئات آلاف النازحين ظروفاً قاسية في مخيمات النزوح، وسط غياب المساعدات الحكومية لهم، وندرة فرص العمل المتاحة لهم، ما دفع الأسر النازحة إلى تقليل عدد وجبات الطعام وتناول كميات أقل بعد نفاذ مدخراتهم، فيما يكافحون لتلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية وحماية أطفالهم من موجة البرد الشديدة بعد الأمطار التي أغرقت مخيماتهم. وكذلك الحال بالنسبة للنازحين العائدين الذين بات أغلبهم يسكنون في تجمعات عشوائية وهياكل قيد الإنشاء وهي باردة جداً ولا تصلح للسكن، وسببت لهم أمراضاً مختلفة كنزلات البرد الشديدة والتهابات المفاصل، خاصةً بالنسبة للأطفال.
وإلى جانب تدهور الوضع الإنساني للنازحين والعائدين في العراق، تضطر معظم العائلات النازحة إلى التنقل عدة مرات وتغيير محل سكنها داخل محافظات كردستان من جراء نقص الموارد المحدودة أصلاً في المجتمعات المضيفة، وهم الآن يواجهون الجوع والتشرد بسبب صعوبات العثور على عمل.
