هل اقترب موعد التفاوض الروسي الأوكراني؟
يسود الانشغال بالهجوم الأوكراني المضاد ونتائج مرحلته الأولى، وتطرح تساؤلات وتخمينات حول مسار وقوته في مرحلته الثانية، غير أن معركة أخرى تجرى الآن في اتجاه آخر، ليست أقل أهمية، بل قد تكون المعركة التي ستتحكم في مسار الحرب، وستمثل تطوراتها تغييرا في قواعد اللعبة الجارية منذ بداية الحرب، حتى بدء تلك المعركة.
والقصد تلك المعركة الجارية في جنوب غرب مقاطعة لوهانسك، صعودا إلى الشمال الأوكراني في مقاطعة خاركيف، لتأمين مقاطعة بيلجورود الروسية من تكرار الهجمات الأوكرانية، والتمدد في الشمال الأوكراني حتى مدينة لفيف على الحدود الأوكرانية البولندية، لتشكيل منطقة عازلة بين الأراضي التي ضمتها روسيا في شرق أوكرانيا وما تبقى من أراضي هذا البلد، وللسيطرة على أهم طرق إمداد أوكرانيا بالأسلحة الغربية. وهناك قرب مدينة لفيف سيصبح الجنود الروس وجنود حلف الناتو على مرمى حجر من بعضهما البعض، بما يمثل تغييرا إستراتيجيا خطيرا، إذ كانت أوكرانيا من تقوم بدور المنطقة العازلة بين الطرفين، قبل اندلاع الحرب.
وفي الانشغال الجاري، فقد خف الحديث عن انتصارات أوكرانية خلال الهجوم المضاد، وباتت ثلاثة أمور واضحة، أولها، أن ما جرى كان هجوما افتتاحيا شاركت فيه 3 ألوية أوكرانية من بين أكثر من 15 لواء قام الناتو بتدريبهم وتسليحهم، وهو ما يعنى أن لدى أوكرانيا احتياطا قادرا على تنفيذ الهجوم الرئيسي. وثانيها، أن هذا الهجوم سيجرى للوصول إلى بحر آزوف، ولذلك جرى قصف الجسر الواصل بين زباروجيا والقرم، وأن مرحلته الأولى ستكون باتجاه السيطرة على زباروجيا.
وثالثها، أن الهجوم سيأخذ مساحة زمنية طويلة ولن يكون هجوما خاطفا، وستكون بدايته ما أطلق عليه بالضربة الكبرى.
ويلاحظ المتابع، أن روسيا رفعت سقف تهديداتها خلال مواجهة الهجوم.
لقد هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه سيتم ضرب جزء من طائرات إف 16 الأمريكية قبل وصولها لأوكرانيا، والتلميح واضح بإسقاطها في أجواء دول الناتو.
كما تحدث وزير دفاعه عن أن استخدام صواريخ هيمارس الأمريكية وشادول البريطانية، يعنى مشاركة واشنطن ولندن في الحرب.
وبذلك تتحرك احتمالات الصدام، خطوة تلو الأخرى. وهو ما يعنى نجاح خطة أوكرانيا في إدخال الناتو في المواجهة مع روسيا.
فنحن أمام تحرك لتشكيل منطقة عازلة، تجعل القوات الروسية على الأراضي الأوكرانية وقوات الناتو على الأراضي البولندية في مواجهة بعضهما البعض في ظل أجواء حربية خطره. ونحن أمام تهديد بنقل الحرب من شرق أوكرانيا إلى أجواء البلدان التي تصدر السلاح لها، وقبل هذا وذاك فالتهديد الروسي واضح بقصف مراكز صناعة القرار في أوكرانيا بما يعنى قصف مقرات الرئاسة الأوكرانية ووزارة الدفاع بما يحدث تغيير سياسي بشأن الحرب.
ويزيد من خطورة التهاب الموقف، تلك التصريحات الروسية المتلاحقة حول السلاح النووي وميلها للتهديد العملي، سواء ما تقوله موسكو عن أن أوكرانيا في طريقها لإنتاج قنبلة قذرة لاستخدامها ضد قواتها، أو تهديداتها باستخدام قذائف اليورانيوم المنضب في حال استخدام القوات الأوكرانية تلك القنابل التي يمكن تحميلها على دبابات ليوبارد الألمانية.
وتزيد المخاطر مع ما يقال في الهمس حتى الآن، بأن الضربة الأوكرانية الكبرى التي يجرى الحديث عنها، ستكون باتجاه السيطرة على المفاعلات النووية في زابوروجيا وإطلاق تهديدات تثير رعب روسيا والحلفاء الأوروبيين معا.
لكن هناك من يرى أن كل هذا التصعيد، ليس إلا مقدمة لبدء مفاوضات للتسوية. وإن الهجوم الأوكراني من جهة والهجوم الروسي باتجاه تشكيل منطقة عازلة والتهديدات النووية، ليس إلا حالة تصعيد للمخاطر لزيادة الضغط للوصول إلى وقف إطلاق للنار، وبدء التفاوض.
وهناك أنباء متداولة عن أن الأوروبيين تحدثوا بصراحة مع أوكرانيا عن أن الفرصة متاحة الآن ولن تتكرر للدخول في مفاوضات مع روسيا، وأن عدم تحقيق الهجوم المضاد الافتتاحي لأهدافه يمكن تعويضها عبر بدايات إطلاق الهجوم الرئيسي، مع إعلان القبول بالتفاوض.
وهناك من ينصح أوكرانيا بعدم التأخير، إذ لم يعد الوقت في صالحها بسبب الانشغال الأمريكي بالانتخابات الرئاسية، ولأن الدعم لأوكرانيا سيكون أبرز أوراق المزايدة بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي، إذ أطلق بعض المرشحين للرئاسة الامريكية من الحزبين، مواقف تدعو لوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات، وهو ما سيضعف موقف جو بايدن وإدارته خلال الأشهر القادمة.
وليس بعيدا عن ذلك، أن طالبت شخصية في وزن ريتشارد هاس، صاحب النفوذ الكبير في الدوائر السياسية والدبلوماسية الأمريكية، إدارة بايدن، باعتماد إستراتيجية جديدة تستهدف وقف إطلاق النار في أوكرانيا. وإن بعض الصحف المؤثرة بدعمها المطلق لأوكرانيا والحرب باتت تتحدث عن فشل الهجوم الأوكراني المضاد وعن فداحة خسائر أوكرانيا في الأفراد، وأنها بلغت 10 أوكرانيين في مقابل روسي واحد.
وهكذا، يمكن قراءة المشهد كالتالي: أوكرانيا تهاجم في المناطق التي فقدتها فيما روسيا في وضع المدافع. وفي الغرب والشمال روسيا في موضع الهجوم فيما أوكرانيا في موقع الدفاع.
فهل نحن أمام حالة توازن بين الهجوم والدفاع على الأرض الأوكرانية؟
وهل تصلح تلك الحالة لبدء التفاوض اتقاء لشرور المواجهة المباشرة بين الناتو وروسيا؟
