أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

ارتفاع أسعار مواد البناء ينهي حلم ملايين العراقيين في امتلاك المساكن

الارتفاع غير المسبوق لأسعار مواد البناء في العراق نتيجة تذبذب سعر صرف الدولار يكبد التجار خسائر كبيرة، ويفاقم أزمة السكن على المواطنين.

بغداد – الرافدين
تشهد أسواق الحديد ومواد البناء في العراق ارتفاعًا كبيرًا في أسعارها نتيجة استمرار أزمة سعر صرف الدولار وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن وعجز حكومة السوداني من الحد من عمليات المضاربة وتهريب العملة خارج البلاد لا سيما لإيران.
وارتفعت أسعار مواد البناء مثل الحديد والإسمنت بشكل كبير ما كبد تجار المواد الإنشائية خسائر كبيرة مع سيطرة ميليشيات وجهات نافذة على أسواق الإنشاءات، في ظل غياب المشاريع الاستثمارية التي تخدم المواطن والرقابة الحكومية.
وعاد سعر صرف الدولار في الأسواق الموازية بالعراق للارتفاع مرة أخرى، حيث تسجل الأسواق السوداء 1480 دينارا للدولار الواحد رغم أن البنك المركزي العراقي يبيعه بـ1320 دينارا.
وشكا تجار حديد من توقف حركة البيع التام لأيام عديدة، بسبب عجز الحكومة عن السيطرة على أسعار صرف الدولار وما نتج عنه من ارتفاع كبير في المواد الإنشائية.
وأضافوا أن ارتفاع الدولار انعكس على الأسعار المحلية وعمليات البيع، ما سبب توقفًا لحركة البيع مع قلة البناء وندرة المشاريع الاستثمارية التي توقفت منذ سنوات بسبب الخلافات السياسية.
وأكدوا أن الحصول على الدولار صعب مع سيطرة المتنفذين على سوق العملة ومنافذ شرائها لدى البنك المركزي، مما يضطرهم إلى شراء الدولار من السوق الموازي بأسعار وصلت أخيراً إلى 148 ألف دينار لكل 100 دولار، في حين أن السعر الرسمي المحدد من قبل الدولة هو 132 ألف دينار.
وقال أحد التجار العاملين في قطاع استيراد مواد البناء، كريم الكناني، إن الخسائر التي تعرضوا لها كبيرة جدًا بسبب أزمة العملة التي طرأت على السوق بعد تغيير سعر الصرف، وقلة منافذ بيع الدولار بالسعر الرسمي، وسيطرة السوق السوداء على مفاصل كبيرة من السوق.
وأضاف الكناني أن القدرة الشرائية للمواد الإنشائية انخفضت بنسبة كبيرة، مما دفعهم إلى تسريح عدد كبير من العمال العاملين، فضلاً عن إغلاق عدد من فروعهم بمناطق أخرى.
وكشف الكناني، عن وجود شركات عقارية تابعة لجهات نافذة في الدولة، تسيطر على الإنشاءات الحكومية والمجمعات السكنية التي يتم استحداثها في المحافظات، وتقوم مكاتبها بعمليات استيراد المواد الإنشائية من الخارج، بسعر الدولار الرسمي، مما ألحق الضرر الكبير بالتجار وأصحاب المحال.
وارتفعت الأسعار بشكل كبير حيث كان سعر طن حديد التسليح 750 ألف دينار، بينما تجاوز سعره اليوم مليونا و200 ألف دينار.
وسجل سعر طن الإسمنت في ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بالعام الماضي، حيث بلغ ما يقارب 118 ألف دينار عراقي.
وكذلك ارتفع سعر الطابوق المستخدم في البناء إذ وصل سعر 4000 طابوقة أو ما يسمى بدبل الطابوق إلى 400000 ألف دينار.
وتمثل إيران المصدر الرئيس لمواد البناء المستوردة مثل الإسمنت والسيراميك والحديد، حيث يستورد العراق كميات كبيرة بأسعار مرتفعة، بسبب غياب الإنتاج الوطني أو السعر المرتفع للمنتج الوطني الذي تنتجه بعض المصانع المحلية.
وعزا اقتصاديون ارتفاع سعر الحديد ومواد البناء إلى اختلاف سعر صرف الدولار والاستيراد العشوائي مع تعطيل الإنتاج المحلي والفساد الحكومي.
قال الباحث الاقتصادي، حمزة الحردان، إن “أسعار الحديد ومواد البناء تعتمد على التغير الحاصل في سعر صرف الدولار، إذ شهدت جميع البضائع والمواد المستوردة ارتفاعا كبيراً في مستويات الأسعار، بسبب فرق سعر الصرف”.
وأضاف الحردان أن قطاع إنتاج الحديد ومواد البناء معطل تماما والنظام الصناعي الوطني متخلف جدا قياسا بالتطور الصناعي والتكنولوجي الذي يشهده الكثير من الدول، بينما يعتمد العراق على الاستيراد”.
وبين أن الاستيراد العشوائي ترك آثارًا وانعكاسات سلبية خطيرة على نشاط اقتصاد البلاد، وأدى إلى تزايد مستويات البطالة وتراجع إيرادات الصناعة والزراعة والتجارة.
وسبق أن بين وزير الصناعة والمعادن في حكومة الإطار خالد بتال أن الصناعة المحلية لا تغطي إلا جزءًا قليلا من حاجة العراق السنوية من الحديد.
قال بتال، إن “حاجة العراق من الحديد المسلح تصل إلى أكثر من 6 مليون طن سنويا وهناك 4 معامل تنتج مليونين ونصف سنويًا أي أنها تغطي 20 بالمائة فقط من حاجة السوق.
وانعكس اعتماد العراق على استيراد مواد البناء على أسعارها داخل البلاد في ظل أزمة السكن وتوقف عمليات البناء وعجز كثير من المواطنين من امتلاك بيوت خاصة بهم.
وتمثل أزمة السكن تحديًا كبيرًا مع الفشل الحكومي المستمر في ظل زيادة السكان وضعف في الإجراءات التي تهتم بتوسعة المدن وإنشاء أخرى في المناطق البعيدة عن الكثافة السكانية، الأمر الذي دفع العديد من المواطنين إلى تقسيم بيوتهم لوحدات سكنية صغيرة ما انعكس على الواقع الخدمي وشوه جمالية المدن.
ويرى مراقبون أن من أبرز أسباب أزمة السكن غياب التخطيط وتعطيل الكثير من المشاريع السكنية المقررة وانتشار مشاريع البناء الوهمية وبروز ظاهرة غسيل الأموال عن طريق بناء المجمعات السكنية.
وكان السوداني قد وعد بحل أزمة السكن التي تشهدها البلاد من خلال إطلاق مبادرة اسماها “أجر وتملك”.
وأشار السوداني إلى أن “الحكومة الحالية وضعت أزمة السكن كأولوية في ظل سكن 9 بالمائة من العراقيين في العشوائيات وفقًا لوزارة التخطيط”.
ووصلت أسعار العقارات إلى أرقام خيالية تفوق قدرة العراقيين الشرائية في بلد يتراوح فيه متوسط الدخل بين 400 إلى 500 دولار في الشهر للفرد، بحسب مسح نشر عام 2022 لمنظمة العمل الدولية.
ويشكك مراقبون بالمبادرات الحكومية وغياب الحلول الناجعة على الأرض لتدارك أزمة السكن لا سيما مع ارتفاع نسب التضخم المالي وزيادة أسعار الوحدات السكنية.
ويرى مراقبون أن العراق يشهد أزمة سكن حقيقية، وبناء المجمعات السكنية الفاخرة لا يغطي ما يحتاج إليه البلد من وحدات، حيث إن الحاجة الفعلية للوحدات السكنية في العراق تصل إلى 3 ملايين وحدة سكنية، إلا أن الجمعيات السكنية لا تتعدى إنشاءاتها 10 آلاف وحدة سكنية سنويا فقط.
يقول رئيس شبكة النهرين لدعم النزاهة والشفافية محمد رحيم الربيعي، إن “أسعار العقارات تخضع لمزاج مافيات الفساد التي تستخدم العقارات في بغداد بهدف غسل الأموال من خلال استهداف الأحياء الراقية فيها”.
وأوضح الربيعي أن الشقق السكنية التي بنيت مؤخرًا من قبل مستثمرين كانت هيئة الاستثمارات الوطنية طرفًا بالفساد فيها، بحيث لم تقم بتحديد أسعار الوحدات السكنية، ومنحت الأراضي مجانًا في قلب بغداد للمستثمرين الذين بنوا عليها عقارات بأسعار باهظة، حسب قوله.
وأكد أن كبار الفاسدين خصوصًا من السياسيين تقاسموا المناطق الراقية في بغداد وأصبح لكل منهم نفوذًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى