عراقيون: من المعيب أن نعيش جوار بحيرة الحبانية ولا نجد مياهًا للشرب
يجسد الوضع المحزن لأهالي قرى ومناطق "العنكور" و "الحبانية" في محافظة الأنبار التي تفتقد إلى المياه، أبرز صور السياسة المتعمدة التي تنتهجها الحكومة لإشاعة اليأس وفقدان الأمل بين الناس.
الرمادي – الرافدين
تمثل منطقة “العنكور” في محافظة الأنبار غرب العراق، صورة مصغرة عن الأزمة الوجودية التي تعاني منها مدن يحاصرها الجفاف والتصحر، مقابل فشل حكومي مستمر في إيجاد حلول أو بدائل تساعد الأهالي.
فقرى “العنكور” لا يصلها الماء منذ سنوات وسط إهمال ولا أبالية حكومية، وبينما يفكر سكان هذه المنطقة البالغ عددهم 13 ألف نسمة بالهجرة، لكن لا يجدون إلى أين يذهبون!
ويجسد الوضع المحزن لأهالي هذه القرى والمناطق في محافظة الأنبار، أبرز صور السياسة المتعمدة التي تنتهجها الحكومة لإشاعة اليأس وفقدان الأمل بين الأهالي.
ويعاني العراق من أزمة جفاف حادة تهدد موارده المائية، حيث باتت الهجرة إلى المدن العنوان الأبرز لسكان تلك المناطق، نتيجة سوء الإدارة الحكومية لملف المياه.
ويرغب العديد من سكان قرى ومناطق العنكور والحبانية جنوبي مدينة الرمادي غرب العراق، والبالغ عددهم 13.000 نسمة في الهجرة نحو المدن، نتيجة أزمة الجفاف التي يمرون بها بعد أن صار الماء أغلى حاجة فيها، إلا أن ضيق الحال وضعف القدرة المادية يحول دون ذلك.
وأظهرت صور لبرنامج “مع الناس” والذي تبثه قناة “الرافدين” الفضائية مستويات الجفاف في قرى العنكور والمجر جنوب الرمادي، نتيجة أزمة الجفاف التي تضرب بحيرة الحبانية.
وكان أهالي القرى المحيطة بالبحيرة قد لاحظوا خروج أثر للنفايات السامة من حافة البحيرة، ورائحة كريهة لمياه فاسدة في بعض أجزاء قراهم، وسط محاولاتهم التكيف مع أزمة الجفاف، في ظل غياب الحلول الحكومية لإنقاذ المواطنين من خطر الأزمة وتداعياتها.
واستعرض مواطنون في البرنامج معاناتهم جراء أزمة الجفاف التي ضربت مناطقهم، وانتشار الأمراض الجلدية بين الأطفال.
وقال أحد المواطنين من أهالي منطقة المجر، إن هناك أكثر من 1500 طفل مصابين بأمراض جلدية بحاجة ماسة للعلاج، فضلًا عن توقف أعمال الصيد التي يمتهنها الأهالي، الأمر الذي أدى إلى تأثيرات اجتماعية واقتصادية وصحية في المنطقة.
وأشار إلى انتشار المشاكل الصحية كأمراض الكلى والأمراض المعوية، بسبب تلوث المياه وارتفاع نسب الملوحة فيه، وسط غياب واضح للإجراءات الحكومية لحل أزمة المياه.
ويلقي مواطن آخر باللائمة على الحكومة الحالية وغياب دورها في حل أزمة المياه، بقوله “من المعيب أن نكون في الحبانية ونعاني من نقص ولا نرى المياه”.
وبسبب انخفاض تدفق نهر الفرات من سوريا، بدأت الحكومة بإعادة توجيه المياه بعيدًا عن البحيرة باتجاه الفلوجة، لتترك سكان القرى تصارع مع الانخفاض الخطير في إمدادات المياه التي كانت تغذي قراهم في السابق.
وقدر مرصد العراق الأخضر، وهو منظمة بيئية محلية، في أيار 2023، أن 13.000 من سكان منطقتي العنكور والمجر تأثروا بنقص ناتج عن إعادة توجيه المياه.
ونقلت قناة “الجزيرة” في تقرير باللغة الإنجليزية عن فراس محمد أحد سكان منطقة العنكور الذي كان يعمل في صيد السمك، تساؤلًا حول طريقة العيش في المنطقة بعد تضرر قراهم من أزمة الجفاف، وسوء الإدارة المحلية والمركزية في تخصيص المياه لهم.
وقال فراس محمد “أدفع 50 ألف دينار عراقي (37 دولارًا) كل أسبوع مقابل المياه المعبأة لعائلتي للشرب والطبخ، فضلًا عن أنني اضطر للاستدانة من أجل تأمين مياه صالحة للاستخدام”.
ويصف مستوى الجفاف الذي أصاب مناطقهم بإشارته إلى الأرض الجافة والعطشة بالقول، “كان كل هذا بحيرة بعمق 5 أمتار على الأقل”.
وتابع “يسافر أبنائي إلى الرمادي لمحاولة إيجاد عمالة يدوية لإعالتنا، لكن لا يمكنهم دائمًا العثور على عمل، الوضع سيء للغاية”.
وأوضح أنه ليس لديه القدرة المالية للانتقال إلى الرمادي، وإذا ما قررت الحكومة نقلهم إلى مخيم توفر فيه مياه عذبة للتعامل مع هذه الأزمة، “فسنقبل حتى أن يتم نقلنا إلى أوكرانيا”.
ويضيف بيأس “على الرغم من رعب وقسوة الحرب، إلا أنها لا تزال أفضل من العيش في الجفاف وندرة المياه”.
وتتبع مستويات الأنهار والتلوث في الأرض وفي عينات المياه وكذلك الاستخدام غير الرسمي -في بعض الحالات- للمياه، مثل حفر آبار غير مصرح بها.
ويشارك تقاريره مع الهيئات الحكومية المحلية والوطنية لكنه أصيب بالإحباط بسبب عدم وجود استجابة ذات مغزى، محذرًا من أن مياه النهر أصبحت أكثر تلوثًا بست مرات من المستوى المتوسط.
ووفقًا للأمم المتحدة، فإن 90 بالمائة من أنهار البلاد ملوثة، ولن يلبي العراق سوى 15 بالمائة من احتياجاته المائية بحلول عام 2035.
وفي تنصل واضح عن المسؤولية، قال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية الدكتور خالد شمال، إن وزارته غير مسؤولة عن نقص المياه الصالحة للشرب في القرى.
وأوضح، بأن “البلديات والمؤسسات الخدمية الأخرى لم تعمل أو تطور طرقًا لتوصيل المياه الصالحة للشرب إلى القرى الريفية عبر نظام أنابيب فعال”.
وألقى باللوم على مؤسسات الدولة في تلوث المياه حيث يتم التخلص من النفايات الكيميائية والعضوية والطبية مباشرة في النهر.
وقال “من السخف أن تبلغ وزارة الصحة عن انتشار الأمراض بين سكان المناطق الريفية القريبة من النهر بسبب ندرة المياه”.
وفي هذا السياق قلل وزير الموارد المائية الحالي عون ذياب الذي سبق وأن أثار الجدل حول دعواته المتعلقة بترشيد استهلاك المياه من مخاطر انخفاض مناسيب الأنهار خلال فصل الصيف على الأمن المائي العراقي.
وقال الوزير إن “وزارته تعمل على زيادة مستويات التخزين في السدود، مما دفعها إلى إيقاف الإطلاقات المائية”.
وأضاف “لا وجود لكميات مياه كافية لإطلاقها في الوقت الحالي والعراق مقبل على فصل صيف حار وجاف، مما يتطلب العمل على توفير مياه الشرب بشكل دائم، خاصة أن سد حديثة على نهر الفرات يعاني من شح كبير في المياه”.
بدوره أكد الخبير في مجال المياه، تحسين الموسوي، أن العراق دخل في المحظور بمسألة تأمين المياه في ظل الجفاف الذي مرت به البلاد خلال السنوات المنصرمة، ما ينذر بارتفاع نسب المجاعة والهجرة وفقدان الثروة الحيوانية وظهور الأمراض وغيرها من التأثيرات السلبية الناجمة عن قلّة المياه.
وقال إن “ملف المياه وصل إلى مرحلة خطيرة في العراق، حيث جفّت خلال السنوات الماضية مسطحات مائية وأنهر كثيرة، وكان لنهر الفرات النصيب الأوفر من الضرر لعدم وجود روافد عليه”.
وبين أن “سكّان حوض الفرات الأشد تأثرًا بالجفاف كونه أعلى كثافة من حوض دجلة، ما سيفاقم معاناة قاطني تلك المناطق الذين قد يضطرون للهجرة منها، وكذلك الحال مع الأهوار التي لا تتجاوز نسبة مياهها عن 12 بالمائة، في حين أنها تحتاج إلى 15 مليار متر مكعب لمساحتها الشاسعة”.
وأشار إلى أن “مخزون المياه في العراق وصل حسب أرقام وزارة الموارد المائية إلى 9 مليارات متر مكعب، في وقت تستهلك البلاد نحو مليار متر مكعب سنويًا، للاستخدامات الداخلية غير الصحيحة للمياه وأن عدم الوصول لاتفاق مع دول المجرى لتأمين الحصص المائية أدخل العراق بالمحظور نتيجة تلك السياسات الخاطئة”.