أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

أحزاب سياسية تملك إمبراطوريات مالية تتهرب من كشف ذممها المالية

المفوضية العليا للانتخابات تقر بصعوبة السيطرة على الجريمة الانتخابية المتمثلة باستغلال موارد الدولة في الحملات الدعائية للمرشحين.

بغداد – الرافدين

سلط ملف كشف الذمم المالية للمسؤولين وقادة الأحزاب في العراق الضوء على طبيعة التنافس السياسي القائم في البلاد، والمخاوف من استخدام المال العام لصالح الدعايات الحزبية والشخصية.
وقال نشطاء عراقيون إن العديد من قادة الأحزاب يمتلكون إمبراطوريات مالية، لا تعرف مصادرها، وجزء كبير من هذه الأموال مودعة في بنوك ومصارف بالخارج.
ولفت النشطاء إلى أن جزءًا من هذه الأموال يظهر مع موسم الانتخابات، حيث يجري توظيفها في التأثير على العملية الانتخابية، عن طريق شراء الأصوات أو السيطرة على الدعاية الإعلامية.
وأشاروا إلى أن قادة الأحزاب يستغلون غياب التشريعات من أجل التنصل من أي التزامات بالكشف عن مصادرهم المالية، خشية الوقوع تحت طائلة القانون لارتكاب مخالفات اقتصادية.
وأعلنت هيئة النزاهة مفاتحة الجهات المُختصَّة؛ من أجل تزويدها بأسماء المشمولين بواجب الإفصاح عن الذمة الماليَّة من رؤساء الأحزاب وأعضاء الهيئات الُمؤسّسة؛ وأسماء رؤساء مُنظَّمات المجتمع المدنيّ، في إطار تحضيرات انتخابات مجالس المحافظات.
وأكدت الهيئة على أن استجابة رؤساء الأحزاب متدنية جدًا، بالمقارنة مع الجهات الأخرى المشمولة بإجراءات كشف الذمم.
وتقر المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بصعوبة السيطرة على “الجريمة الانتخابية” المتمثلة باستغلال موارد الدولة في الحملات الدعائية للمرشحين، ومع أن المفوضية تؤكد تطبيقها لقانون الأحزاب الهادف للحد من تلك الخروق، غير أن مراقبين سياسيين وقانونيين أشاروا إلى أن هذا القانون ما زال حبرًا على ورق، مؤكدين أن تطبيقه يعني حرمان نصف الأحزاب من المشاركة في الانتخابات.
وقال عضو الفريق الإعلامي للمفوضية العليا للانتخابات عماد جميل، إن “استغلال واستثمار موارد وأموال الدولة في الدعاية الانتخابية مشكلة أزلية لم نستطع معالجتها، إذ إن هناك الكثير من المرشحين ممن يمتلكون مناصب يستغلون موارد الدولة لحملتهم الدعائية، فغالبا ما يقف هؤلاء أمام مشاريع خدمية وينسبونها لأنفسهم بغرض الدعاية قبيل الانتخابات”.
ويرى مراقبون للشأن العراقي، أن غياب التشريعات التي تحاسب الأحزاب بشأن مصادر التمويل مكّنتها من تأسيس إمبراطوريات مالية تؤثر في سير الانتخابات، سواء عن طريق شراء الذمم والسيطرة على الدعاية الإعلامية، أو السلاح المنفلت، الذي يموّل بالمال السياسي لتأثيره في العملية السياسية والانتخابية.
ويعبرون عن توقعهم بأن المال السياسي سيكون حاضرًا وبقوة في انتخابات مجالس المحافظات المؤمل إجراؤها نهاية العام الحالي.
وسيبلغ الصراع في انتخابات مجلس المحافظات ذروته مع دخول ما يوصف بالمافيات المالية التي تسعى للحفاظ على مصالحها ووجودها في أعلى مستويات السلطة.
وينوي خوض الصراع على الانتخابات أشقاء وأقارب نواب متنفذين في الأحزاب والميليشيات الذين يهيمنون أصلاً على مشاريع خدمية واقتصادية حساسة داخل المحافظات.
وكان رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني، حدد الثامن عشر من شهر كانون الأول المقبل موعدًا لإجراء انتخابات مجالس المحافظات لعام 2023.
ويرى مراقبون سياسيون أن استغلال موارد الدولة من قبل الأحزاب أصبح عرفًا لدى حكومات ما بعد الاحتلال الأمريكي ولا يوجد من يعترض عليه أو يوقفه.
وقال الكاتب فلاح المشعل إن “استغلال الإمكانيات المادية واللوجستية للدولة لصالح مرشحين أو أحزاب هي عادة سيئة جرت وتجري منذ 14 سنة إلى الآن، وهذه الممارسة تتم من قبل الجميع بلا استثناء، إذ تكاد هذه الظاهرة أن تكون متجذرة بالجسد السياسي في الحكومات المتعاقبة، ولأن الجميع يمارسها فإن لا أحد يستخدم الفيتو ضدها، سواء من الأحزاب الشيعية أو السنية والكردية، فهي تشكل جزءًا من السلوك السلبي للعملية السياسية في استغلال المنصب والمال العام وتوظيف إمكانات الدولة لخدمة الحزب أو الدائرة”.
وأضاف أن “المؤسسات الرقابية لا تستطيع أن تمنع هذه السلوكيات، فهي الأخرى تخضع للأحزاب، إذ إن العراق لا يملك هيئة مستقلة بشكل تام، فالسلطات توزع بين الأحزاب التي تستحوذ على الأغلبية البرلمانية”.

عدنان الشريفي: قانون الأحزاب لو طبق بشكل دقيق لحرمت نصف الأحزاب من المشاركة أو الترشيح للانتخابات

ويرى الخبير القانوني عدنان الشريفي، أن “قانون الأحزاب لو طبق بشكل دقيق لحرمت نصف الأحزاب من المشاركة أو الترشيح للانتخابات، فالماكنة الإعلامية الحزبية تنفق مليارات الدنانير من دون معرفة مصادر هذه الأموال، بينما رؤساء دول عظمى تتم مساءلتهم أمام البرلمانات والمجالس النيابية عن تبرع طفيف لدعاياتهم”.
وقال إن “القوانين وجدت حبرًا على ورق، فعلى الرغم من وجود نصوص تمنع مشاركة أحزاب تمتلك أجنحة وميلشيات مسلحة، وكذلك تمنع مشاركة الضابط في قوى الأمن الداخلي أو الدفاع ما لم يقدم استقالته، لكن هذا غير مطبق”.
وعبر عن اعتقاده بأن المشكلة تكمن في أن من يشرع القانون وهو البرلمان، يطلب منه تطبيقه، وهذا أمر بعيد المنال”، لافتا إلى أن “قانون الأحزاب شكلي لإضفاء الشرعية على النظام الديمقراطي الذي استوجب وجود مثل هذه القوانين، غير أنه نص على تطبيقها، لا من أجل تكون هذه القوانين شكلية”.
وعدت لجنة النزاهة في مجلس النواب، عدم كشف الذمم المالية للمسؤولين في الأحزاب السياسية أو الحكومة والبرلمان بأنها تعرقل جهود مكافحة الفساد.
وقال عضو اللجنة محمد الدليمي، إن “من المفترض على كل مسؤول في الدولة وحتى الأحزاب السياسية أن يتم الكشف عن الذمم المالية بشكل سنوي وعدم الكشف عنها يؤثر على جهود مكافحة الفساد”.
وأضاف “لجنة النزاهة البرلمانية وهيئة النزاهة المستقلة حققت خطوات كبيرة في إطار مكافحة الفساد من خلال تقديم وفتح عشرات الملفات واتخاذ الإجراءات القانونية بشأنها”.
وأشار إلى أن “هناك تعديلا لقانون هيئة النزاهة سيتم تشريعه خلال جلسات البرلمان المقبلة وسيعطي مساحة وصلاحيات أوسع للهيئة بشأن مكافحة الفساد”.
وعزا عضو مجلس النواب محمد الشمري سبب عدم كشف المسؤولين عن ذممهم المالية إلى غياب الرادع القانوني.
وقال إن “سبب عدم كشف الذمم المالية للمسؤولين والأحزاب السياسية هو ضعف العقوبة وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية في هذا الجانب”.
وأضاف أن “هناك تقصيرًا واضحًا فيما يتعلق بقضية العقوبة تجاه الفاسدين والمتورطين بقضايا الفساد، فإن المتورط بالفساد يتم إحالته إلى التقاعد مما يعطي ذريعة للآخرين في الاستمرار على ذات النهج”، مشيرًا إلى أن “الجميع ما زال يتذكر حادثة الحكم على طفل سرق علبة مناديل، في الوقت الذي تتم محاباة الفاسدين والسارقين ويتم مكافأتهم بالإقالة فقط”.
ويرى المختص في الشأن الانتخابي أحمد العبيدي، أن “المال السياسي بالفعل كان حاضرًا خلال الانتخابات السابقة، عبر تجيير المشاريع الخدمية لصالح بعض المناطق، وفي اللحظات الأخيرة، وهذا وإن كان عملاً حكوميًا فإنه واقعًا يمثل وجهًا آخر للفساد، والتلاعب بالمال العام لصالح الفئوية والجهوية”.
وأضاف أن “الوجه الآخر للفساد والمال السياسي، هو استخدام الأموال الحكومية في إنشاء المشاريع بشكل مباشر من قبل المرشحين، أو المسؤولين، وهو ما يعني التورط في ملفات فساد، باعتبار أن تلك المشاريع لم تُدرج ضمن القوائم، وربما ليس لديها مخصصات، لكن الكثير من المرشحين يعمد إلى ذلك تحت ضغط الوقت، وبالترتيب مع جهات نافذة أخرى”.
ومنذ سنوات يبرز ملف المال السياسي مع المواسم الانتخابية، فمستوى الإعمار أو حتى المشاريع المدشّنة في محافظة دون أخرى في العراق، يكشف عن المال السياسي، فالمدينة أو المحافظة التي ينحدر منها مسؤول حكومي أو وزير، نالت أكثر من جارتها التي لم يسعفها الحظ بأن يكون أحد أبنائها مسؤولاً، وهو ما يصفه مراقبون بأنه استغلال للمال العام في الترويج من قبل سياسيين ومسؤولين لأنفسهم، بإنجازات على الأرض تضمن فوزهم مجددًا.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى