أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

هل تحد العقوبات على مصارف عراقية من غسيل الأموال لصالح إيران؟

اتهامات لمصارف خاصة وشركات صيرفة تتبع أحزابًا وميليشيات تعمل كواجهات لصالح الحرس الإيراني في إدارة عملية تهريب العملة الصعبة لصالح طهران اعتمادًا على بيانات المواطنين الشخصية.

بغداد – الرافدين
ارتفعت أسعار صرف الدولار، الخميس، في الأسواق المحلية بالعاصمة بغداد، لتتجاوز حاجز الـ 150 الف دينار مقابل كل 100 دولار عقب الإعلان عن توجيه واشنطن عقوبات بحق 14 مصرفًا في العراق لتورطها في عمليات تهريب العملة لصالح إيران.
وقال أصحاب محال صيرفة إن “بورصتي الكفاح والحارثية المركزيتين في بغداد، سجلتا سعر صرف بلغ 149.750 ديناراً مقابل كل 100 دولار”.
وأضاف أصحاب محال الصيرفة أن “اسعار البيع والشراء ارتفعت كذلك في محال الصيرفة بالأسواق المحلية في بغداد، حيث بلغ سعر البيع 152.000 دينارا لكل 100 دولار، بينما بلغت أسعار الشراء 150,000 دينارا”.
وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية، الأربعاء، عقوبات على 14 مصرفًا عراقيا في حملة على تعاملات إيران بالدولار.
ودافع البنك المركزي العراقي الخميس عن البنوك المتهمة بغسيل الأموال لصالح إيران، متذرعًا بأن العقوبات جاءت على خلفية تدقيق الحوالات المصرفية في 2022.
وأضاف البنك المركزي في بيان أن البنوك وعددها 14 تتمتع بكامل الحرية ”في التعامل بالدينار العراقي بمختلف الخدمات ضمن النظام المصرفي العراقي والتعامل الدولي بالعملات الأخرى غير الدولار”.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أمريكيين القول إن “الخطوة جاءت بعد الكشف عن معلومات تفيد بأن البنوك المستهدفة متورطة في عمليات غسيل أموال ومعاملات احتيالية”.
وأضافت الصحيفة أن “بعض هذه العمليات ربما تتعلق بأفراد خاضعين للعقوبات، مما يزيد المخاوف من إيران ستكون مستفيدة منها”.
وقال مسؤول أمريكي كبير للصحيفة “لدينا سبب قوي للشك في أن بعض عمليات غسيل الأموال هذه قد تعود بالفائدة، إما لأفراد مشمولين بالعقوبات الأمريكية، أو لأشخاص يمكن أن تشملهم العقوبات”.
وأضاف أن “الخطر الأساسي للعقوبات في العراق يتعلق بإيران بالتأكيد”.
وطالت العقوبات وفقًا لمصادر مطلعة “مصارف المستشار الإسلامي للاستثمار والتمويل والقرطاس الاسلامي للاستثمار والتمويل وكذلك الطيف الاسلامي ومصرف إيلاف ومصرف اربيل للاستثمار والتمويل والبنك الاسلامي الدولي ومصرف عبر العراق ومصرف الموصل للتنمية والاستثمار ومصرف الراجح ومصرف سومر التجاري ومصرف الثقة الدولي الاسلامي ومصرف أور الإسلامي ومصرف العالم الإسلامي للاستثمار والتمويل ومصرف زين العراق الاسلامي للاستثمار والتمويل”.

مافيات متنفذة تستغل بيانات المواطنين الشخصية للحصول على الدولار بالسعر الرسمي

وتتهم المصارف التي شملتها العقوبات الأمريكية فضلًا عن مكاتب صيرفة أخرى تعمل كواجهات للميليشيات والأحزاب الولائية باستغلال نظام المنصة لبيع الدولار وبيانات المواطنين الشخصية في الحصول على الدولار بالسعر الرسمي من البنك المركزي بهدف تحويله إلى إيران.
وكانت لجنة النزاهة النيابية، قد تلقت عشرات الشكاوى من مواطنين حول تعرضهم إلى عملية نصب واحتيال نفذتها جهات متنفذة في الشركات المالية والمصارف بحق مئات وربما آلاف المواطنين من دون علمهم.
وقال عضو هيئة النزاهة النيابية، أحمد طه الربيعي، تلقينا عشرات الشكاوى من مواطنين يؤكدون وجود أسمائهم في “المنصة” التي أطلقها البنك المركزي العراقي لبيع العملة الأجنبية “الدولار” وتسلمّهم مبالغ مخصصة للسفر وهم لم يسافروا نهائيًا.
وأوضح الربيعي، أن “الموضوع يقع ضمن دائرة عمليات النصب والاحتيال، وقد تكون نفذت على مستويات واسعة بالتنسيق مع جهات متنفذة، وربما تكون هذه الجهات قد تسلمت المبالغ بدلاً من عشرات الآلاف من المواطنين أو مئات الآلاف، خاصة أن المنصة مغلقة، وأغلب المواطنين لا يعرفون عنها شيئاً، ومن حالفه الحظ بمعرفة ذلك تحمل طائلة الاتهام والاستغلال”.
وأكد على أن “المصارف (الحكومية والأهلية) هي الجهة الوحيدة المخولة بإصدار (البطاقات الائتمانية – فيزا أو ماستر كارد)، وعليه فإن عمليات النصب والاحتيال، نفذت من قبل أشخاص داخل تلك المصارف وشركات التحويل المالي المدارة من قبل متنفذين”.
ونوّه عضو لجنة النزاهة النيابية، إلى أن هذا الموضوع خطير جدًا، فربما لا يكون الملف أو الهدف ماليًا فقط بل تترتب عليه أمور أخرى كاستخدام وثائق الشخص في الاستيراد، وقد تترتب عليه أمور قانونية يقع ضحيتها المواطن الذي يحتاج إلى فترة ليست قليلة لإثبات براءته.
وطالب الربيعي بتشكيل لجان مختصة للكشف عن المتورطين والمتواطئين بهذه العمليات، موجهًا السؤال للبنك المركزي عن مسؤوليته وإجراءاته أمام هذه الخروقات الواضحة والتلاعب الصريح من قبل الشركات والمصارف التي هي الجهة الوحيدة القادرة على إصدار (البطاقات الائتمانية).
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية منعت أربعة بنوك عراقية أخرى من الوصول إلى الدولار في شهر تشرين الثاني الماضي، وكذلك فرضت بالتعاون مع البنك المركزي العراقي ضوابط أكثر صرامة على التحويلات المالية في البلاد بشكل عام.
وكان البنك المركزي العراقي قد استبعد في الأسابيع الماضية 4 مصارف عراقية أهلية من مزاد بيع العملة وهي: الأنصاري، والشرق الأوسط، والقابض، وآسيا، إثر توجيهات وتحذيرات من وزارة الخزانة الأمريكية من هذه المصارف المتهمة بتهريب العملة وسط تحذيرات من ارتدادات مباشرة على سعر الصرف عقب العقوبات الجديدة التي جاءت مكملة لسلسلة العقوبات السابقة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن نجم المشهداني أن مثل هذه العقوبات ستؤثر كثيرًا على أسعار صرف الدولار في العراق، مشيرا إلى أن الأسعار كانت قد تأثرت في تشرين الثاني الماضي عندما حظرت واشنطن مشاركة أربعة بنوك في مزادات بيع العملة، بالتأكيد عقوبات على 14 مصرف ستؤثر على ما يحدث في السوق المحلية.
وأوضح المشهداني أن “المصارف التي فرضت عليها العقوبات تتراوح في أهميتها، ومحدودية رأسمالها، لكنها بالمجمل تستحوذ على حصة كبيرة من التحويلات المالية التي تتم بالعملات الأجنبية، وبعضها يتبع لجهات دينية في العراق”.
ورجح توجه المتعاملين مع هذه البنوك إلى الأسواق الموازية للحصول على “الدولارات التي يريدونها، أكان من أجل تمويل عملياتهم التجارية أو لتهريبها للخارج”، ناهيك عما قد نشهده من “تحالف ضمني بين هذه البنوك الـ14 والبنوك الأربعة الماضية، أي 18 مصرفًا من بين 72 مصرف قد يتخذون إجراءات تؤثر على أسعار الصرف خاصة في السوق الموازية ما سيسبب ضغطًا على ما يتم بيعه من قبل البنك المركزي العراقي”.
وأوضح “عادة ما يشترك في مزادات العملة 38 مصرفًا عراقيًا، وبمنع 18 منها من التعامل بالدولار، سيؤثر هذا أيضًا على سوق العملة الأجنبية وأن أربعة بنوك تستأثر حاليا بالجزء الأكبر من الحوالات الدولية”.

البنك المركزي العراقي يبيع يوميًا أكثر من 200 مليون دولار في مزاد العملة يذهب الجزء الأكبر منها لصالح إيران

ويبيع البنك المركزي أكثر من 200 مليون دولار يوميًا من العملة الصعبة من خلال مزاد العملة إلى البنوك أو محلات الصيرفة وتتحرّك هذه الأموال على شكل كتلة نقدية “cash money” بين أيدي المواطنين والبنوك أو مراكز الصيرفة والتحويل المالي بسبب ضعف النشاط المصرفي، وعدم ارتباط المصارف العراقية بالعالم الرقمي.
وفتح هذا التخلف الرقمي شهية العصابات المنظّمة والفاسدين على عمليات غسيل الأموال أو تهريب العملة لأهداف متعدّدة من أبرزها عمليات إنعاش العملة الإيرانية المنهارة من قبل الحرس الإيراني وواجهاته في العراق وهو ما أدى إلى عدم السيطرة على هذه الكتلة النقدية الكبيرة داخل العراق.
وتتوقع الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم أن يستمر ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، جراء اعتماد آلية خاطئة في إدارة السياسة النقدية في البلاد، مبينة أن مزاد بيع العملة مستمر في بيع مئات ملايين الدولارات أسبوعيًا، وهو ما يطرح عديدًا من التساؤلات عن المستفيد النهائي من كميات الدولار المباعة.
وأضافت سميسم أن ما يتم بيعه في مزاد بيع الدولار في البنك المركزي لا يذهب للمواطنين العراقيين، بما يؤدي لفجوة كبيرة بين مبيعات المركزي العراقي والطلب الحقيقي الذي يؤدي بالمحصلة إلى فرق كبير بين سعر الصرف الرسمي والموازي، وهو ما ينعكس على أسعار السلع في الأسواق.
وتابعت أن أزمة الدولار في العراق لم تصل إلى مستوى الحل النهائي، إذ أن “الحلول والإجراءات التي وضعت كانت شكلية، ولم تعالج الخلل على المستوى الهيكلي في الاقتصاد العراقي”.
وتخوفت الخبيرة المالية من “تعمق مشكلة أسعار الصرف خاصة بعد حصر امتلاك الدولار بيد فئة أو جهات معينة، والتي يمارس بعضها أدوارا تغذي خفض سعر العملة المحلية مقابل الدولار”.
وكانت السلطات الحكومية في العراق قد اعترفت بأن نظام التحويل القديم يسمح بالعديد من التجاوزات، إذ حصل بعض المستخدمين على دولارات من البنك المركزي عبر القنوات الرسمية، للقيام بعمليات غسل أموال في الخارج أو هروب رؤوس الأموال.
وبسبب حرمانهم من القنوات الرسمية، عاد هؤلاء المستخدمون إلى السوق الموازية، مما تسبب في زيادة الطلب.
وأكد رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني مرارًا أن سعر الصرف سيتراجع فور إقرار الموازنة العامة للبلاد، وهو ما أكده عديد من المسؤولين الحكوميين طيلة الأشهر الماضية، غير أن ذلك لم يحدث حتى الآن.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى