أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىحكومات الفساد في العراق

المدن العراقية تضيق ذرعا بالمهاجرين إليها من الأرياف

منظمة الهجرة الدولية: العائلات التي تخلت عن مزارعها وهاجرت إلى المناطق العشوائية على أطراف المدن العراقية، لن تعود أبدا.

بغداد- الرافدين
حذرت تقارير دولية من مغبة زيادة خطر التصادم الثقافي داخل المجتمع العراقي نتيجة تفاقم الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة.
وشددت على أن التراجع والفشل وانهيار التعليم وانحطاط الخطاب الإعلامي والثقافي الذي يكتنف بنية المجتمع العراقي منذ عام 2003 وغياب الحلول الحكومية، أعاد البلاد إلى عقود من التخلف عندما برز صراع مجتمعي ومشاكل كان قد تجاوزها العراق منذ عقود.
وتسببت الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة بسبب الجفاف والتصحر الى بروز طبقة مسحوقة تعيش في المناطق العشوائية على هامش المدن.
وتقول الأمم المتحدة إن العراق من أكثر خمس دول في العالم متضرر من تغير المناخ مع ازدياد درجات الحرارة سبع مرات أسرع من المتوسط العالمي. الأمر الذي يهدد 92 بالمائة من الأراضي بالتصحر.
ويجعل التغير المناخي الزراعة صعبة، إن لم تكن مستحيلة، ويؤدي إلى هجرة مئات الآلاف من الأسر الزراعية إلى المدن بحثًا عن العمل وفرص العيش.
ونقلت القناة التلفزيونية الألمانية في تقرير باللغة الإنجليزية عن جيمس مون مدير مجلس اللاجئين النرويجي في العراق، تأكيده على أن المدن الريفية في العراق تواجه بالفعل عددًا من المشاكل الوجودية.
وقال “بسبب فترات الصراع الطويلة في العراق، فإن المناطق الريفية تعاني من نقص الموارد، لذلك هناك عدد أقل من الوظائف، مع انهيار البنية التحتية، وعدد قليل من المدارس والمستشفيات. هذه هي الصورة لما يحدث الآن في المناطق الريفية. وكل ذلك يزيد من عدد نقاط الضعف ويجبر المزيد من الناس على الهجرة”.
وقال متحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة في العراق إنه بين عامي 2018 و2023، حددت المنظمة ما لا يقل عن 83000 شخص تركوا مناطقهم بسبب تغير المناخ والتدهور البيئي في وسط وجنوب العراق.
وأكد على أن هذه الهجرة على مسافات قصيرة، وهي في الغالب من الريف إلى المدينة، حيث ازدادت التوترات المجتمعية لصعوبة قبول المجتمع المدني للمهاجرين بثقافتهم الريفية.
ووفقًا لاستطلاعات منظمة الهجرة الدولية، فإن العديد من العائلات التي تخلت عن مزارعها وهاجرت الى المناطق العشوائية على أطراف المدن، لن تعود أبدا.
وينتهي المطاف بالعديد من النازحين بالعيش في المستوطنات العشوائية وأكواخ الطين والصفيح في ضواحي المدن الكبرى وحولها.
وقال المتحدث باسم منظمة الهجرة الدولية “يميل الوافدون الجدد إلى العيش على الهامش، في القبول بأعمال يومية منخفضة الأجر وفي المتاجر الصغيرة والورش، بسبب صعوبة الحصول على وظائف حكومية”.
ويتنافس القادمون الجدد مع المقيمين لفترات طويلة على البنية التحتية المتهالكة بالفعل وقد يجدون صعوبة في الوصول إلى النقل والرعاية الصحية والتعليم وخدمات مياه الشرب النظيفة، الأمر الذي يجعلهم بيئة خصبة لانتشار الأمراض العقلية وتعاطي المخدرات.
وأجمعت تقارير دولية مدعومة بتقارير ميدانية لوسائل اعلام ووكالات أنباء عالمية، على أن الكراهية بين الريف والمدينة آخذة في الازدياد في العراق.
ويتهم سكان المدينة القادمين الجدد بأنهم مصدر الجريمة وتجارة المخدرات وتستغلهم الميليشيات الطائفية المسلحة كعناصر لتنفيذ الجرائم.
وتحذر دراسات اجتماعية من تفاقم هذه المشكلة عندما يستحوذ سكان الريف على مصدر القرار في المدن، لتكون له تداعيات سياسية قادمة.
وتقول هوما غوبتا، أستاذ الهندسة المعمارية في إحاطة مكتوبة لمركز كراون لدراسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة. بأن الهجرة الريفية إلى بغداد “غيرت بشكل أساسي المسار السياسي للعراق”.
وحيال ذلك تتصاعد الأسئلة “ما الذي يمكن فعله للحفاظ على التماسك الاجتماعي العراقي في مواجهة النزوح المتزايد الناجم عن المناخ؟”.


جيمس مون: لا يوجد أي نظام دعم دائم لهؤلاء النازحين، أو حتى الاعتراف الحكومي بأنهم يشكلون مشكلة

وقدم خبراء حلولاً محتملة، حيث تقترح منظمة الدولية للهجرة التركز على البرامج المستقبلية ودعم جهود التماسك الاجتماعي في المناطق التي يتم فيها تسجيل عدد كبير من المهاجرين بسبب المناخ.
وتطالب بإجراء المزيد من الأبحاث حول التصورات بشأن انتقال النزاعات العشائرية إلى المدن وسطوتها على القانون المدني عبر السلاح المنفلت.
وتشير نصائح الخبراء الأخرى إلى أنه يمكن للسلطات المحلية إجراء حملات توعية، وبناء مساكن أفضل للقادمين الجدد، حيث يعاني العراق بالفعل من نقص في المساكن ويحتاج إلى 2.5 مليون وحدة سكنية إضافية، ومساعدة النازحين في التوظيف والوصول إلى خدمات الدولة.
إلا أن هذه المقترحات تتحول الى عبث أكاديمي بمجرد معرفة الفساد الذي يكتنف بنية الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 وانعدام الاستقرار السياسي.
وقال الناشط البيئي أحمد صالح نعمة “بالرغم من أن بعض الأجهزة تتحدث عن ذلك، إلا أن الحكومة ليست لديها خطة لهؤلاء الأشخاص”.
وأضاف “لا تزال الحكومة تنكر بعض الإحصائيات المتعلقة بالنزوح الداخلي. لذلك لا توجد خطة في هذا الصدد. أما بالنسبة للوكالات الدولية، فإن المنظمات مثل الأمم المتحدة لا تزال في طور البحث والعمل على كيفية تقديم المساعدة”.
ولا تقتصر المشكلة على النازحين إلى ضواحي المدن، بل أن التصحر والجفاف يفاقم النزاعات بين المزارعين على حصص المياه والأراضي الصالحة للزراعة، أو عندما يتم إقناع المزارعين الصغار بالانضمام إلى الميليشيات المتطرفة.
ويلاحظ مون من المجلس النرويجي للاجئين أن “موقف الحكومة الفعلي يبدو أنه بدلاً من الاعتراف بالنزوح المرتبط بالمناخ، من الأسهل الادعاء بأنهم مهاجرون لأسباب اقتصادية”. وأضاف “لكن ما يحدث هو أن أجزاء كبيرة من البلاد أصبحت غير صالحة للسكن خلال معظم أشهر الصيف، والتي تصادف أن تكون ضمن دورة المحاصيل للمزارعين. لكن أولئك الذين تشردوا يُتركون لتدبر أمورهم بأنفسهم.”
وشدد بقوله “نحن ندرك أنها مشكلة وتتبعها بأفضل ما لدينا من قدرات، لكن، بشكل عام، لا يوجد في الواقع أي نظام دعم دائم لهؤلاء النازحين، أو حتى الاعتراف الحكومي بأنهم يشكلون مشكلة.”

العيش على هامش المدن
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى