أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

الثقافة العراقية تعاني من أزمة وجودية في اليوم العربي للثقافة

تراجع الثقافة الوطنية في العراق، وتحول نسبة كبيرة من المثقفين إلى هوامش لتبرير فساد أحزاب طائفية، وتم الإجهاض على التعليم وتحولت وسائل إعلام إلى دكاكين ناطقة باسم الفاسدين.

بغداد- الرافدين
تتصاعد الأسئلة أمام المثقف العراقي عن المصير الذي آلت له الثقافة ومعاييرها بعد عشرين عاما على احتلال العراق، بالتزامن مع الاحتفال باليوم العربي للثقافة الذي أعلنته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الألكسو” سنويا.
ويأتي الاحتفاء الذي تهتم به “الألكسو” للتأكيد على أهمية الثقافة ودورها المحوري في توحيد الجهود العربية ودعوة إلى الوحدة والتكاتف من أجل النهوض بالمجتمعات العربية وبثقافتها، باعتبار أن الثقافة تمثل الهوية لأي شعب من الشعوب والتي تتجسد في سلوكياته وأسلوب الحياة والسلوك.
بينما يتحول الحال في العراق إلى تراجع مريع في إنتاج ثقافة وطنية، وتحول نسبة كبيرة من المثقفين إلى هوامش لتبرير فساد أحزاب طائفية، والاكتفاء بدور لا يمكن أن نعمل شيئا.
وخضع المثقف العراقي لسطوة الخطاب الطائفي والرجعي الذي روجته الأحزاب والحكومات منذ عام 2003، في وقت تراجع منسوب التعليم في البلاد.
ويمثل العراق أنموذجا لعدم حماية التعليم، حيث فشلت الحكومات المتعاقبة بحماية التعليم في العراق منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وحتى اليوم.
وسبق وأن أعتبر البنك الدولي أن 90 بالمائة من الطلاب العراقيين لا يفهمون ما يقرءون، بسبب الصراع الذي عاشه العراق وأوجه القصور فيه، في فضيحة مدوية لم يستطع الساسة في الحكومة ولا مسؤولو وزارة التربية تلافيها.
وصنف البنك رأس المال البشري في العراق بأنه “يمثل 15 بالمائة فقط من إجمالي الثروة، وهو أحد أدنى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.
وانهارت القيم الإبداعية التي عرفت في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي، وانقاد المثقف العراقي لسطوة الرداءة في صناعة الخطاب السائد والرائج بين مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي.
واكتفي نسبة من المثقفين العراقيين بالصمت حيال تردي معايير الثقافية بينما تتراجع نوعية صناعة الثقافة في العراق كمعادل لخطاب سياسي وطائفي سائد.
ويتحمل المثقف العراقي نسبة كبيرة مما وصل إليه حال الثقافة في البلد، منذ اشتراكه في الترويج للاحتلال الأمريكي عام 2003، وعمل نسبة كبيرة من “المثقفين” العراقيين بوظيفة مستشارين عند الحاكم الأمريكي للاحتلال آنذاك بول بريمر.
واستمر الحال عندما تطوع عدد من الكتاب والصحافيين والأدباء العراقيين للعمل كأصوات دعائية في ماكنة الأحزاب الطائفية الحاكمة وتبرير فسادها.
فيما انساقت نسبة كبيرة منهم للترويج للخطاب الحكومي على حساب صناعة الثقافة الوطنية بينما يعيش العراق في أزمة وجودية لم يعش مثلها في تاريخه المعاصر، صنعها الاحتلال الأمريكي بعد أن دمر مفهوم الدولة وأجهض على جميع مؤسساتها.
وكان الحاكم الأمريكي بعد الاحتلال بول بريمر جلب معه ما يسمى “خبراء” بناء الدولة الجديدة، وفي النهاية أكتشف أنهم مجرد لصوص صغار ومجموعة من الانتهازيين كان هدفهم جمع أكبر قدر ممكن من المال والعودة إلى ما كان يطلقون عليه “جحيم المنفى”! بيد أن هذا الجحيم لم يكن سوى تعبير شعري واهن يعبر عن طبيعة المثقف العراقي الذي لا يكف عن ممارسة دور الضحية، وهو يمارس متعة زائفة لفرط شيوعها في الثقافة العراقية تكاد تكون المعادل التاريخي للمظلومية الطائفية.
وكشف ما سمي بمؤتمر المثقفين العراقيين الذي رعته القوات الأمريكية المحتلة ومولته وعقد في العاصمة الأردنية عمان عام 2007، قبول نسبة كبيرة من المثقفين والأدباء والصحافيين العراقيين ممارسة دور التابع للمحتل لتمرير أكاذيب بنيت عليها ذرائع احتلال العراق.
وفشل المؤتمر عندما اكتشف جميع المشاركين فيه بعد أيام من اختتامه بأن القائمين على تنظيمه، انتهزوا فرصة تمويله من قبل القوات الأمريكية للحصول على الأموال في صفقة سرقة مكشوفة باسم الثقافة العراقية.

 فاروق يوسف: لقد استنفد مثقفو الاحتلال أساليبهم من أجل فرض العراق الجديد غير أنهم لم يتمكنوا من الانتصار على الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها عن العراق المزيف

فاروق يوسف: لقد استنفد مثقفو الاحتلال أساليبهم من أجل فرض العراق الجديد غير أنهم لم يتمكنوا من الانتصار على الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها عن العراق المزيف
ولم ينته الحال بفضيحة “مؤتمر المثقفين العراقيين”، بل تحولت اتحادات ناطقة باسم الأدباء والصحافيين والكتاب العراقيين إلى مجرد أبواق فارغة وهي تغدق بالثناء على الحكومات التي مارست أكبر عملية سرقة للدولة في التاريخ المعاصر للبلاد.
ووصل الحال بتلك الاتحادات إلى إغداق أوصاف وألقاب وشهادات على رؤساء حكومات متعاقبة وزعماء أحزاب طائفية متهمين بسرقة الدولة والقيام بعمليات قتل على الهوية وتقسيم المجتمع العراقي وإشاعة خطاب الكراهية.
ومن السهولة بمكان العودة إلى جرد أسماء مثقفي الاحتلال، مع أنهم تواروا اليوم خلف مصالحهم الأنانية، بينما كانت مزاعم العراق الوطن أسوأ هامش في تجربتهم برغم كل الضجيج والافتعال الشعري والتنظيري، إلا أن الواقع الحالي بعد عشرين عاما على احتلال العراق يفاقم المسؤولية على المثقف العراقي ودوره بما وصل إليه الحال في البلاد.
ولم يجد “مثقف الاحتلال القادم مع القوات الأمريكية” غير أن يعود إلى أدراجه في البلدان الأوربية مثل غيره عندما فشل الخونة في تطبيع خيانتهم، أما صندوق أكاذيب الديمقراطية والحرية المتوخاة من الاحتلال، فقط أقفل، وتوارى مثقفو الاحتلال، واحدا بعد الآخر.
وكتب الشاعر فاروق يوسف “لقد استنفد مثقفو الاحتلال أساليبهم من أجل فرض العراق الجديد غير أنهم لم يتمكنوا من الانتصار على الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها. فالعراق الجديد هو عراق الفقر والبطالة والتمييز والعزل والطائفية والقهر والكراهية. هو عراق يظل مقيما على القشرة ولا يمد جذوره في الأرض التي ترك الأجداد في أعماقها أنهارا من العاطفة. تلك عاطفة لا يمكن اللعب بمفردات أبجديتها. كل مفردة هي حكاية مثلما كل درب من دروب بغداد هو نهر يكشف عن وجوه الأقرباء الذين تركوا آثار أقدامهم ماثلة كما الأغنيات”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى