أخبار الرافدين
طلعت رميح

انقلاب النيجر: هل انتهى آخر أمل للغرب؟

شهدت إفريقيا انقلابا عسكريا جديدا، كان موضعه هذه المرة، دولة النيجر. وهو الانقلاب الثالث في منطقة الساحل منذ عام 2020. وإذا نظرنا لما جرى في القارة، نجدها قد عادت إلى ما كان الحال عليه خلال مرحلة الحرب الباردة، إذ كانت الانقلابات العسكرية هي الأصل في الوصول للسلطة وإحداث التغيير.
فور إعلان خبر الانقلاب على الحاكم المنتخب محمد بلزوم، انطلق الحديث عن أن روسيا تتقدم في إفريقيا وتعزز نفوذها عبر الانقلابات على حساب الدور والنفوذ الاستعماري الفرنسي في أهم مناطق سيطرته تاريخيا.
لقد جرى الربط بين هذا الانقلاب ونجاح انقلابين عسكريين قبله، في كل من مالي وبوركينا فاسو المجاورتين، وقد جرى خلالهما ظهور شركة فاغنر الأمنية العسكرية الروسية على أراضي البلدين، كما رفعت الأعلام الروسية في الشوارع، خلال مظاهرات شعبية طالبت بطرد القوات الفرنسية من البلدين. وهو ما تم فعليا.
ولذلك كان أهم تعبير للصحف الغربية في التعليق على انقلاب النيجر هو: نهاية آخر أمل للغرب في إفريقيا.
والنيجر هي دولة ارتكاز للمستعمر الفرنسي في منطقة الساحل، وعلى أرضها خمس قواعد عسكرية فرنسية، زادت أهميتها بعد استقبالها للقوات الفرنسية المطرودة من مالي وبوركينا فاسو، وهي دولة ذات أهمية قصوى للاقتصاد الفرنسي، وللدلالة، فإذ تنتج المفاعلات النووية الفرنسية نحو 80 بالمائة من الطاقة، فهي تعتمد على اليورانيوم المنهوب من النيجر بنسبة 35 بالمائة، وفق عقد تسيطر بمقتضاه فرنسا على إنتاج اليورانيوم لمدة خمسين عامًا. كما للنيجر دور كبير في الإستراتيجية الأمريكية في إفريقيا، إذ مطاراتها هي نقطة الارتكاز للعمليات الخاصة لقوات “أفريكوم”. وهو ما أدى إلى منح الولايات المتحدة مساعدات أمنية للنيجر زادت عن 250 مليون دولار.
ولذلك ظهرت تحليلات غير مصدقة لما جرى في بداية الانقلاب، حتى أن هناك من قال إن فرنسا هي من تقف خلف الانقلاب، وأنها غيرت إستراتيجية وجودها واستبقت الأحداث، وقررت تغيير الجياد بيديها.
وزاد الترويج لهذا الاحتمال، بعد تصريح البيت الأبيض بأن لا دلائل على دور روسي في الانقلاب.
وهناك من ذهب إلى أن الولايات المتحدة تمارس لعبتها الإستراتيجية التقليدية، وأنها من فتحت مسرح الأحداث أمام طرف ثالث، ليتمكن من إخراج حليفها الفرنسي، وأنها ستعود وتخرج هذا الطرف، وتسيطر هي على النيجر.
جرى كل ذلك خلال الساعات الأولى بعد الانقلاب، لكن الوقائع أظهرت، أن النيجر شهدت انقلابا مكتملا، أطاح بالرئيس الموالي لفرنسا الذي طالما اشتكى من دور مناوئ تلعبه شركة فاغنر الروسية ضد حكمه. وإن الرئيس المطاح به كان على خلاف شديد مع روسيا، وصل إلى درجة رفض حضور القمة الإفريقية الروسية التي ترافق انعقادها مع وقوع الانقلاب. وأظهرت المجريات انطلاق حالة تعبئة سياسية وجماهيرية ضد فرنسا فور الانقلاب. وبذلك تأكد أن انقلاب النيجر يسير على خطى انقلاب مالي وبوركينا فاسو.
وجراء هذا التأكيد ولخطورة تأثير ما يجرى إستراتيجيا على المصالح الاستعمارية الفرنسية، ظهرت تسريبات عن إستعدادات فرنسية لتحرك عسكري ضد السلطة الجديدة.
وأيا كانت التوقعات والنتائج النهائية، فما صار واضحا هو أن قوى سياسية – عسكرية، في منطقة الساحل باتت في وضع الحركة لإنهاء السيطرة الاستعمارية الفرنسية.
كما صار واضحا أيضا، أن الانقلابات باتت تبتعد عن التصرفات الدموية التي كانت ترافقها من قبل، فرغم تعدد المراكز والأدوار العسكرية المتصارعة على السلطة، إلا أنها تمكنت من الوصول إلى حلول وسط فيما بينها.
لقد كان لافتا في أحداث النيجر، أن رفض الحرس الرئاسي في عام 2021 الانقلاب الذي قاده الجيش قبل يومين من تنصيب الرئيس المخلوع، وانتهى الأمر دون اشتباك خطير بين الطرفين. وإن حدثت نفس النتيجة في الانقلاب الحالي، الذي قامت به هذه المرة، قوات الحرس الرئاسي، فلم يحدث اشتباك بينهم والجيش الذي أصدر بيانًا أعلن فيه دعم الانقلاب تجنبا لزعزعة الاستقرار. كما بدا لافتا عدم إيذاء الانقلابيين للرئيس المحتجز، وعدم منعه من التواصل حتى مع المسئولين الدوليين.
ذلك يقودنا إلى أن فترة النهب الاستعماري لإفريقيا، قد طالت بأكثر مما يمكن احتماله وأن حركات التحرير التي شهدتها القارة خلال الحرب الباردة، قد ارتدت وتراجعت بما فتح الطريق لجيل جديد. وإن حالة الفقر والمرض لم يعد ممكنا استمرارها بعد انفتاح المجتمعات الأفريقية على العالم.
والأهم أن إفريقيا الآن تدور بين أربع إستراتيجيات مفروضة عليها. الأولى الفرنسية ممثلة في نمط الاستعمار التقليدي. والثانية الروسية التي ترتكز على دور شركات عسكرية خاصة، تتحرك لإيصال حلفائها للسلطة السياسية، وفي مؤتمر إفريقيا روسيا، بات واضحا إحلال الدور الكنسي الأرثوذكسي محل العمل الأيديولوجي في زمن الاتحاد السوفيتي. والثالثة هي الإستراتيجية الصينية التي تقوم على التعاون مع الحكومات القائمة لبناء مشروعات البنية الأساسية وعلى منح القروض وصولا لبناء قواعد عسكرية على أراضي الدول. والرابعة هي الإستراتيجية الأمريكية التي تعمل وفق آليات تضم كل ما سبق، وتضيف إليه إحداث تغيير عميق في المجتمعات.
فهل لإفريقيا نموذج مستقل؟ هذا هو السؤال!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى