حكومة الإطار تستعين بـ “الخزين الميت لبحيرة الثرثار” للتغطية على تداعيات الجفاف
كميات المياه المتبقية في منخفض الثرثار لا تتجاوز 35 مليار متر مكعب، وقد تنضب هذه الكمية خلال أشهر بسبب الاستخدام المفرط والتبخر الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة.
بغداد ــ الرافدين
انتقد مختصون ومراقبون في مجال البيئة الإجراءات الحكومية في معالجة مشاكل الجفاف وشح المياه بالعراق من خلال اللجوء إلى خزين بحيرة الثرثار لتعويض الانخفاض الخطير في مناسيب نهري دجلة والفرات في ظل استمرار تخاذل حكومة الإطار التنسيقي وعدم اكتراثها للأمن المائي العراقي.
ويعد استخدام الخزين المائي ظاهرة خطرة تؤشر إلى حجم الضرر الذي يواجهه العراق، فضلًا عن أزمة مرتقبة قد يواجهها البلد بسبب التصحر والجفاف وقلة الأمطار، وتقليص الإطلاقات المائية القادمة من منابع الأنهار لدى دول الجوار.
ولجأت وزارة الموارد المائية في العراق إلى ما يوصف بالخزين الميت في البحيرات والسدود، والوصول إلى آخر محطة خزنية المتمثلة في منخفض بحيرة الثرثار بسبب النقص الحاد في كميات المياه.
وأعلنت الوزارة أنها نصبت مضخات المياه للاستفادة من الكميات الخزنية الموجودة في بحيرة الثرثار بهدف تحويل جزء من مياه دجلة باتجاه الفرات الذي يشهد انخفاضًا كبيرًا بمستوى المياه.
وأوضح مدير ناظم الثرثار المائي منصور فخري، أن كميات من الخزين المائي في بحيرة الثرثار يجرى تحويلها من البحيرة إلى الأنهار والجداول المائية حسب الحاجة وبنسب متفاوتة، بواسطة المضخات التي نصبت عن طريق ناظم الثرثار الذي يصب في نهر الفرات، وناظم التقسيم الذي يصب باتجاه نهر دجلة.
وأضاف فخري أن نهر الفرات يعاني نقصًا حادًا في المياه كما هو الحال في نهر دجلة، مشيرًا إلى أن ضخ المياه باستخدام الخزين الميت الموجود في بحيرة الثرثار يأتي من أجل سد النقص الحاصل في مناطق مجرى النهر في وسط وجنوب البلاد.

وتعتبر بحيرة الثرثار أكبر منخفض خزني للمياه في العراق، بمساحة تقدر بـ 2500 كيلو متر مربع، وتزيد سعتها الخزنية عن 80 مليار متر مكعب من المياه التي يجرى تصريفها من نهر دجلة في مواسم الوفرة المائية.
وبحسب دراسة ميدانية لمختصين، فإن كميات المياه المتبقية في منخفض الثرثار لا تتجاوز 35 مليار متر مكعب فقط، وقد تنضب هذه الكمية خلال أشهر بسبب الاستخدام المفرط و التبخر الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى توقعات بعدم تساقط الأمطار بكميات كافية خلال موسم الشتاء المقبل.
وقال الباحث الاقتصادي علي الحياني، إن اللجوء إلى الخزين الميت لأول مرة منذ إنشاء البحيرة في خمسينيات القرن الماضي يعد مؤشرًا خطيرًا لما وصلت إليه أزمة شح المياه والجفاف في البلاد، وتوقع بتزايد الأزمة بسبب سوء الإدارة المائية في البلد.
وأضاف الحياني، أن الاعتماد على مخزون بحيرة الثرثار هو محاولة لتقليل تداعيات أزمة الجفاف، لكن هذا الإجراء سيتسبب بتراجع مستويات المياه بشكل أكبر خاصة أن مستويات المياه الآن منخفضة ولا تصل إلى مستويات قناة التصريف باتجاه نهر الفرات.
وقال خبير الزراعة والموارد المائية تحسين الموسوي، إن فشل السياسات الحكومية وعدم إعداد خطة لمواجهة أزمة الجفاف جعلت العراق يصل لمرحلة الإفلاس المائي.

وأضاف الموسوي في تصريح لقناة “الرافدين” أن المحاصصة والأزمات السياسية انعكست بشكل سلبي على ملف الموارد المائية وجعلت العراق يواجه موتًا تدريجيًا.
وأشار إلى أن البلاد وصلت حاليًا إلى آخر محطة لخزن المياه وهي بحيرة الثرثار، وما تبقى من هذه البحيرة هو لا يصلح للاستهلاك البشري ولا حتى للزراعة.
وأضاف أن المياه تشهد ارتفاعًا في نسب الملوثات خاصة في مناطق الوسط والجنوب، وتنتج عنها أمراض وبائية خطيرة منها السرطان بسبب تلوث المياه بسبب عدم وجود وحدات حكومية لمعالجة المياه.
وأكد على أن العراق بحاجة إلى إطلاقات مائية عاجلة بحدود 100 مليار لمعادلة خزانات المياه الجافة حاليًا، ودفع الضرر المحتمل والذي سيتسبب بكارثة إنسانية حقيقية.
وانتقد المختص في الشؤون المائية رمضان حمزة، إجراءات وزارة الموارد المائية باللجوء إلى خزين البحيرات، مؤكدًا “أن هذا الإجراء يعد مؤشرًا خطيرًا لأزمة المياه ويشكل تهديدًا للأمن المائي في العراق.
وأشار إلى أن هناك أضرارًا جسيمة سيخلفها استخدام الخزين المائي الميت لما فيه من كميات كبيرة من أملاح وجراثيم المياه الراكدة، ما سيؤدي إلى نفوق الأسماك والثروة الحيوانية وتضرر الزراعة.
وطالب بضرورة اللجوء إلى الحلول الدبلوماسية مع الدول المجاورة، ووضع الخطط الاستراتيجية وتشكيل اللجان المختصة بالتفاوض لحل الأزمة المائية.
وشدد على أهمية اتباع سبل اقتصادية ترتبط بالميزان التجاري مع دول الجوار حتى إعادة توازن الإطلاقات المائية إلى ما كانت عليه، من أجل سد النقص الكبير بالمياه.
وطالب بضرورة توفير وسائل الري الحديثة للحفاظ على كميات المياه وتوفير خزين استراتيجي يضمن عدم حدوث أزمة في مواسم الجفاف.

ويزحف العطش وقلة الموارد المائية بشكل متسارع إلى مناطق واسعة في العراق نتيجة النهج الحكومي والسياسات المتعسفة والفاشلة التي تسمح بهدر ثروات العراق المائية.
ويشهد العراق منذ سنوات انخفاضًا كبيرًا في مستوى مياه نهري دجلة والفرات ما أسفر عن جفاف بعض البحيرات والأنهر الفرعية، فيما ترجع وزارة الموارد المائية الأسباب إلى قطع دول المنبع الإمدادات المائية عن العراق.
ويعد العراق من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحر في العالم، خصوصًا بسبب تزايد الجفاف مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز لأيام من فصل الصيف 50 درجة مئوية.
ويقدر خبراء كمية مخزون المياه في العراق بأقل من 5 مليارات متر مكعب، منها 3 مليارات هي مخزون ميت لا يستفاد منه، والمخزون الحي المستخدم هو ملياران فقط، لكن العراق لجأ إلى استخدام المخزون الميت من بحيرة الثرثار، باستخدام مضخات عائمة تضخ هذه المياه وهي مياه مالحة وملوثة لا تصلح للزراعة.
ووفقًا لتوقعات “مؤشر الإجهاد المائي”، فإن العراق سيكون أرضًا بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن يصل النهران العظيمان إلى المصب النهائي في الخليج العربي.
وتضيف الدراسة أنه في عام 2025 ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جدا في عموم البلاد مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود الموارد.
وعزى مختصون في مجال البيئة، تفاقم أزمة نقص المياه إلى عجز وزارة الموارد المائية عن تقديم الحلول، وغياب الخطط للحيلولة دون استمرار الكارثة، مؤكدين على عدم وجود مساع حقيقية وخطة مدروسة من شأنها أن تنقذ مناطق العراق المتضررة بسبب الجفاف.
وأشاروا إلى أن حكومة الإطار التنسيقي لم تضع خطة خمسية أو عشرية لتجاوز الأزمة، لأنها جاءت من أجل مغانم مادية ووفق نظام المحاصصة، دون أن تعير أي أهمية للشعب والبلد لذلك تكون إدارتها لهذا الملف المهم فاشلة بامتياز.
ويرى المختصون أن البلد مقبل على كارثة بيئية وجفاف حقيقي يتطلب التحرك العاجل لإنقاذه.
وقالت مجلة “فورين بوليسي” إن الجفاف وشح المياه التهم العراق مهد الحضارات وأثر على جميع نواحي الحياة فيه.
وأضافت المجلة أن الأضرار المتراكمة لتغير المناخ والجفاف ألحق أضرارًا خطيرة، حيث أن العديد من الأنهار لم تعد تتدفق فضلًا عن أضرار أخرى على السكان في العراق.

وقال عضو لجنة الزراعة النيابية ثائر الجبوري، إن تسونامي الجفاف يهدد 14 محافظة عراقية.
وأكد على أن الجولات في المحافظات كشفت عن حجم مأساة الجفاف التي وصلت إلى مرحلة انحسار المياه المتوفرة لمحطات الإسالة وخروج بعضها خاصة مع استمرار انقطاع المياه من الأنهر المشتركة مع دول المنبع، مؤكدًا بأن ما يحدث الآن في بعض المدن وخصوصًا الجنوبية من أزمة جفاف خانقة مثيرة للقلق.
وألقى مواطنون اللائمة على حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني بسبب ضعف دورها في حل أزمة شح المياه خلال استطلاع لبرنامج “منبر الرافدين” الذي تبثه قناة “الرافدين” بشأن الجفاف وانعكاساته على مستقبل العراق.
ولوحوا بخطوات تصعيدية في حال عدم حل أزمة المياه التي باتت تهدد أراضيهم وأعمالهم.
وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف من تداعيات تزايد نقص المياه وتلوثها والعواقب الوخيمة على العائلات العراقية واقتصاد البلاد.
وذكرت المنظمة، أن الفشل في تخفيف مخاطر المياه يمكن أن يسهم في زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي والبطالة، ويؤدي في النهاية إلى مشاكل واسعة النطاق في العراق.
ودعت الجهات الحكومية إلى الاعتراف بأولوية إدارة الموارد المائية واتخاذ الإجراءات الصحيحة.
وتابعت المنظمة، أن من المهم إدارة الموارد المائية المتاحة بشكل أكثر كفاءة وفعالية بما في ذلك طبقات المياه الجوفية والأنهار وكذلك حصاد مياه الأمطار.