العراقيون ينتظرون من السفير البريطاني أكثر من تقديم نفسه كمراسل سياحي للأطعمة
لم يرسل السفير البريطاني ستيفن تشارلز هيتشن أي رسالة أمل للعراقيين الذي يعانون من وطأة ظروف حياتية واقتصادية تفتقر للكرامة الإنسانية، بينما كانت بريطانيا مع الولايات المتحدة السبب الرئيسي فيها عند احتلال العراق منذ عام 2003 والدفع بحكومات فاشلة.
بغداد- الرافدين
أثار السفير البريطاني الجديد في العراق ستيفن تشارلز هيتشن، استهجان العراقيين عندما قدم نفسه أكثر من مرة أشبه بمراسل سياحي للأماكن والأطعمة العراقية.
وركز السفير بعد أسابيع من تسلم منصبه الجديد على عرض احتفاله المبالغ فيه بالأطعمة العراقية وكتابة تعليقات باللهجة العراقية الدارجة والتحدث فيها في خطاب شعبوي يفتقد للمعايير الدبلوماسية.
وظهر السفير في آخر فيديو مصور مع كادر السفارة وهم يتناولون إفطارا عراقيا، في احتفال مبالغ فيه وكأن هذه الأطعمة لا توجد في الأسواق البريطانية.
وفي فيديو آخر ظهر السفير يلعب كرة الطاولة مع فريق السفارة.
ولم يرسل السفير أي رسالة أمل للعراقيين الذي يعانون من وطأة ظروف حياتية واقتصادية تفتقر للكرامة الإنسانية، بينما كانت بريطانيا مع الولايات المتحدة السبب الرئيسي فيها عند احتلال العراق منذ عام 2003 والدفع بحكومات فاشلة وتسهيل استحواذ ميليشيات ولائية على السلطة في البلاد.
وأجمعت مصادر سياسية عراقية على أن العراقيين ينتظرون أكثر من عرض السفير لتناوله “القيمر والكاهي” فهناك ما يشغل الشارع العراقي تحت سطوة الميليشيات والفساد والفشل الحكومي وانعدام الخدمات.
وأكدوا على أن عرض كادر السفارة البريطانية يوحي وكأن العراق تحول إلى “مطعم دبلوماسي” بينما لازال مئات الآلاف من العراقيين المهجرين يعيشون في مخيمات تفتقر الى الكرامة الإنسانية.
واستهجن الكاتب كرم نعمة العرض الغذائي لكادر السفارة البريطانية في بغداد برعاية السفير هيتشن.
وكتب “تحويل الطعام العراقي إلى مفاجأة مدهشة بالنسبة للدبلوماسيين الغربيين في العراق، هو أكثر من سخف دبلوماسي لأن مثل هذا الطعام متاح بكثرة في بلدانهم”.
وأضاف “العراقيون ينتظرون من هؤلاء السفراء أكثر من تذوق طعام بلد مخطوف من قبل لصوص الدولة والميليشيات”.
وتسائل “هل اطلع السيد السفير على ما كتبه ماثيو باريس أشهر كتاب أعمدة صحيفة التايمز البريطانية عن الفشل الغربي في العراق؟”.
وكتب باريس في صحيفة التايمز “حان الوقت كي نعترف بأننا ضللنا الطريق في الشرق الأوسط. أسفل سياسات الخارجية والدفاع البريطانيتين تقبع أكبر كذبة استمر تداولها منذ حرب الخليج الأولى، وهي أننا نعرف ماذا نفعل هناك”.
وأضاف “الحقيقة هي أنه ليس لدى البريطانيين ولا الأميركيين أدنى فكرة عما يحدث هناك، رغم محاولات إقناع أنفسنا أنه دائما هناك الشيء الصحيح الذي يتعين علينا القيام به (…) ماذا لو لم يوجد أصلا هذا الشيء الصحيح؟”.
وقال “على مدار ما يقرب من عقدين من الزمن عززنا الفشل الواضح، حيث افتقرنا إلى العقل”.
كرم نعمة: تحويل الطعام العراقي إلى مفاجأة مدهشة بالنسبة للدبلوماسيين الغربيين في العراق، هو أكثر من سخف دبلوماسي لأن مثل هذا الطعام متاح بكثرة في بلدانهم
وكتب ماثيو باريس “نحن مدينون للأحياء في العراق وأفغانستان، ولتقليل خسائرك يتطلب الأمر رباطة جأش أكثر من مضاعفة هذه الخسائر”.
فيما أعتبر المحلل السياسي جاسم الشمري الأساليب الدبلوماسيّة البريطانيّة المُصطنعة لا تنطلي حتّى على البسطاء.
وقال “الجهد الدبلوماسيّ ينبغي أن يركّز على إعادة المياه لمجاريها عبر الطرق العمليّة الفاعلة والمؤدّية لجبر خواطر الناس وإعادة الهيبة للعراق، وليس عبر منشورات تتغنّى بالأكلات العراقيّة الشهيرة”.
وأضاف “المنطق الدبلوماسيّ والعقليّ والتاريخيّ يَفرض على البريطانيّين تقديم اعتذار تاريخيّ للعراقيّين لمساهمتهم في تدمير دولتهم، وكذلك ضرورة مساهمتهم الجادّة لترميم البيت العراقيّ، وتقديم تعويضات ماليّة مُجْزية للأفراد والبلاد نتيجة الجرائم والأضرار الجسديّة والفكريّة والنفسيّة والمادّيّة التي ارتكبتها قوّاتهم المحتلة حينها”.
ويأتي ممارسة السفير الجديد لمهام عمله بالتزامن مع تحذير وزارة الخارجية البريطانية بعدم السفر إلى جميع محافظات العراق، لضمان سلامة البريطانيين في بلد يعاني من الأوضاع الأمنية والسياسية القلقة.
وحذرت الوزارة في بيان نشر على موقع الحكومة الرسمي، من أن العراق لا يزال عرضة للتوترات السياسية والاحتجاجات الشعبية والتصعيد الإقليمي.
وأشارت إلى تعرض مدن شمال العراق في إقليم كردستان إلى هجمات متقطعة بالمدفعية والطائرات دون طيار والصواريخ من دول جوار العراق. الأمر الذي يعرض حياة البريطانيين للخطر.
وطالبت أي بريطاني يتطلب عمله السفر إلى إقليم كردستان العراق أن يظل يقظًا، وأن تكون لديه ترتيبات أمنية وخطط طوارئ تبقى على قيد المراجعة، مع مواكبة آخر التطورات، بما في ذلك عبر وسائل الإعلام.
وأكدت على أن العراق معرض لاحتجاجات شعبية ضد الحكومة سواء في العاصمة بغداد أو المحافظات الأخرى، ويتوقع أن تشهد تلك الاحتجاجات أعمال عنف.
ماثيو باريس: على مدار ما يقرب من عقدين من الزمن عززنا الفشل الواضح في العراق، حيث افتقرنا إلى العقل
وأكدت على أن الدعم القنصلي في العراق محدود للغاية. وإنه لا يجب أن يفترض أنه في حالة حدوث مزيد من التدهور في الوضع الأمني العراقي، ستكون المساعدة لمغادرة العراق متاحة.
وحذرت من تهديد كبير للرعايا البريطانيين بالاختطاف في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك من الجماعات الإرهابية والمتشددة، والتي يمكن أن تكون مدفوعة بالأجرام أو الإرهاب.
ولا تتوفر معلومات كثيرة عن السفير الجديد ستيفن تشارلز هيتشن باستثناء سنوات عمله في وزارة الخارجية والدفاع البريطانيتين.
وشغل السفير الجديد منصب مدير الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في وزارة الخارجية، ثم عمل كمستشار للشؤون الإقليمية في العاصمة الأردنية عمان.
وعين بعدها رئيس إدارة إعداد التقارير عن الشرق الأوسط في وزارة الخارجية، وأدار الفريق السياسي البريطاني في ملف العلاقات مع إيران والكويت والعراق، قبل أن ينتقل إلى القاهرة كسكرتير أول للشؤون السياسية في السفارة البريطانية.
وكان هيتشن قد دخل دورة في وزارة الدفاع البريطانية لمدة عامين في تعلم اللغة العربية وصار يتقنها بالحديث بطريقة جيدة.