حكومة الإطار التنسيقي تخاطر بحياة النازحين بذريعة الإنجاز المزيف
استمرار ملف النزوح أسقط كل ذرائع الحكومة، فإعمار المدن المنكوبة ما زال عالقًا، وسيطرة الميليشيات على مناطق النازحين تمثل واقعًا يناقض كل الوعود بإنهاء الأزمة.
بغداد ــ الرافدين
أثارت التصريحات الحكومية الأخيرة بشأن ملف النازحين وإعادتهم إلى مناطقهم المدمرة مخاوف الكثير من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان في العراق.
وتواجه التصريحات الحكومية المتكررة حول انتهاء ملف النزوح وعودة المهجرين إلى مناطقهم انتقادات واسعة من قبل العائلات المهجرة وجهات حقوقية وإنسانية مختلفة، والتي تؤكد أن “الكلام لا يطابق الواقع”، داعية إلى إنصاف النازحين خاصة في المناطق التي أحدثت فيها الميليشيات المسلحة تغييرًا ديمغرافيًا وفرضت سيطرتها عليها.
وحددت وزارة الهجرة والمهجرين العاشر من شهر أيلول المقبل موعدًا جديدا لإغلاق مخيمات النزوح في عموم البلاد، مبررة إجراءها بأن العائلات غير العائدة ستعتبر مندمجة في المناطق التي لجأت إليها، فيما استثنت الوزارة مهجري جرف الصخر من القرار إلى حين حل ما سمتها الإشكاليات الخاصة بمناطقهم دون أن تجرؤ على الإفصاح علنًا بأن الإشكال سببه سيطرة ميليشيات تابعة للحشد على المنطقة وتمنع عودة العائلات المهجرة.
وعبر مختصون في مجال حقوق الإنسان عن استغرابهم من قرار وزارة الهجرة الحالية بإغلاق ملف النزوح ومحاولة إنهائه قسرًا من دون حلول منطقية وعدم الاكتراث لمصير النازحين.
وأكدوا على أن آلاف العائلات غير قادرة على العودة إما بسبب سيطرة الميليشيات على مناطقها، أو بسبب دمار منازلها وانهيار الخدمات والبنى التحتية في المدن المستعادة عسكريًا، مشددين على أن هذا الملف الإنساني لا يمكن إنهاؤه بهذه الطريقة التي ستزيد من معاناة العائلات النازحة.
وقالت الناشطة الحقوقية هالة العزاوي، إن القرار مستغرب جدًا خاصة أن الحكومة لم تقم بإعمار المناطق المهدمة التي تعرضت للقصف وأجبر أهلها على النزوح منها”، مؤكدة على أن “العائلات التي ما زالت نازحة ولا يمكنها العودة إما بسبب سيطرة الميليشيات، أو بسبب دمار منازلهم التي لا تصلح للعيش.
ويعد ملف النزوح في العراق واحدًا من الملفات المزمنة والمعقدة بعد عام 2003، والذي أثبت فشل الحكومات المتعاقبة في حله، وبقاء ملف إعمار المناطق المهدمة حبرًا على ورق بسبب هيمنة الأحزاب والميليشيات على هذا الملف.
ويرى مراقبون أن عودة النازحين والعيش بأمن وكرامة هو آخر هموم حكومة الإطار التنسيقي ومن سبقتها من الحكومات التي تسعى لتحقيق مصالحها بذريعة الإنجاز المزيف والذي يلحق الضرر بآلاف العراقيين.
وانتقد نازحون “الترويج السياسي” لإنهاء ملف النزوح، مؤكدين على أن أغلب العائلات النازحة لا تستطيع العودة إلى مناطقها، وأن الترويج لإنهاء الملف هو سياسي فقط.
وأجمعوا على أن الأطراف السياسية تتاجر بمعاناتهم، من أجل تحقق مكاسب إعلامية على حساب كرامتهم المهدورة، مطالبين بتدخل أممي دولي لإنهاء الأزمة.

وقالت مستشارة المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب الدكتورة فاطمة العاني، إن الحكومة الحالية تحاول أن تغلق ملف النزوح من خلال إعادة المهجرين بشكل قسري إلى مناطقهم المنكوبة التي تفتقد الأمن وغير صالحة للمعيشة.
وأضافت العاني في تصريح لقناة “الرافدين”، أن الحكومة تستثنى عودة النازحين من أهالي منطقة جرف الصخر لأنها تحت السيطرة الإيرانية والحكومة عاجزة عن مواجة الميليشيات التي تسيطر عليها.
وأشارت إلى وجود مخطط يجري ضد النازحين تحت غطاء إغلاق مخيمات النزوح والإعادة القسرية لمناطقهم مما يهدد حياتهم للخطر.
ويعد ملف إعمار المناطق المستعادة في العراق بين الملفات الشائكة التي تتداخل فيها المصالح السياسية والاقتصادية والأجندات الحزبية، ما جعل الحلول تراوح مكانها مع عدم تحقيق أي تقدم، وأصاب النازحين بيأس من احتمال إعادة الحياة إلى المناطق التي أجبروا على الخروج منها.
وقال الناشط محمد أسعدي إن الحكومة لم تتخذ خطوات جادة لإعادة النازحين أو دعمهم لتخفيف معاناتهم.
وأضاف أن هذا الملف يحتاج إلى تحرك إنساني عاجل لدعم من فقدوا منازلهم ويسكنون في خيم، إذ لا يمكن استمرار هذه الحالة والاكتفاء بالتفرج على المعاناة كما يحصل الآن، موضحًا أن معاناة النازحين قد تستمر سنوات في ظل هذه الحكومات.
فيما أقرت لجنة الهجرة والمهجرين النيابية في شهر يوليو الماضي أن نحو 90 بالمائة من منازل النازحين الذين لم يتمكنوا للحظة من العودة إلى مناطقهم الأصلية غير صالحة للعيش، مؤكدة وجود أجندات سياسية وإقليمية تمنع العودة.
وحذر حقوقيون من قرار إغلاق ملف النزوح في العراق بهذه الطريقة التي لا يتناسب مع واقع المناطق الأصلية والتي لا تصلح للعيش، في ظل غياب البيئة الآمنة للنازحين.
وأكدوا على أن النازحين ما زالوا مبعدين عن مدنهم بقرار من الأحزاب وميليشياتها المسلحة.
وحذروا من تجاهل المخاطر الأمنية التي تهدد حياة المهجرين، خصوصًا بعد توالي التهديدات الصريحة من قبل قادة الميليشيات والتي كان أبرزها المسؤول الأمني لميليشيا حزب الله أبو علي العسكري، من أن عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية سواء في العوجة وتكريت وآمرلي وبلد وأبو غريب وجرف الصخر، ومناطق البو نمر، سنجار، ومثيلاتها هي حلم محال تحقيقه، في دليل يشي بوضوح إلى خضوع ملف النزوح للمساومات السياسية وابتزاز الميليشيات.
وأضاف الحقوقيون، أن استمرار ملف النزوح في العراق أسقط كل أعذار ومبررات الحكومات المتعاقبة، فإعمار المناطق المهدمة ما زال عالقًا، وسيطرة الميليشيات على مناطق النازحين تمثل واقعًا يناقض كل الوعود بإنهاء أزمة لطالما استخدمت للترويج الانتخابي والحزبي.
وتتذرع الحكومة على لسان مسؤوليها بحجج غير منطقية لتبرير موقف الميليشيات المسيطرة على تلك المناطق، وضمان عدم عودة أهلها، وتغيير ديمغرافيتها.
ولا يزال أكثر من 400 ألف عراقي ممنوعين من العودة إلى مدنهم بقرار من الفصائل المسلحة التي تستولي عليها، وأبرزها منطقة جرف الصخر شمالي بابل، وتسيطر على المنطقة ميليشيات “كتائب حزب الله” و”النجباء” و”عصائب أهل الحق” و”جند الإمام” منذ نهاية عام 2014.
وكشفت مفوضية حقوق الإنسان في العراق عن جود نحو مليون ومائتي ألف شخص في حالة نزوح دائمة في العراق موزعين ما بين مخيمات ومساكن عشوائية.
وقالت البعثة الطبية البولندية إن النازحين يتعرضون للاضطهاد من قبل السلطات الحكومية، وأن عودتهم إلى مناطقهم قد تعرض حياتهم للخطر من قبل الميليشيات المنتشرة في مناطقهم.
وتحدث موظفوا البعثة عن الظروف المعيشية للنازحين في مخيمات حسن شام وبحركة غربي الموصل واصفين إياها بالصعبة للغاية، حيث ما زال يكتظ بنحو 1250 عائلة مهجرة.
وأشاروا إلى أن المخيم يدار كسجن لا يحق لساكنيه أخذ إجازة من أجل العمل، أو التحاق أطفالهم بالمدارس بسبب افتقادهم للوثائق الثبوتية في ظل تعنت الحكومة في منحهم إياها بتهم واهية.
وتستمر حكومة الإطار التنسيقي ممثلة بوزيرة الهجرة إيفان جابرو في إشاعة التناقضات بخصوص ملف النزوح، فرغم أنها وعدت في أكثر من مناسبة بإنهاء ملف النازحين وإعادتهم إلى ديارهم خلال ستة أشهر، أقرت لاحقًا بصعوبة ذلك وعجز الحكومة عن إنهاء الملف.
وسبق أن أعلنت وزيرة الهجرة، عن إغلاق جميع مخيمات النازحين في المحافظات باستثناء التي أقيمت في كردستان العراق، فيما أكدت العام الجاري أن الملف سينتهي بشكل كامل خلال 6 أشهر ضمن البرنامج الحكومي، إلا أن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع.

وأكد مسؤول في وزارة الهجرة والمهجرين رفض الكشف عن اسمه، أن ملف النزوح لم ينته بشكل كامل في أي محافظة من محافظات العراق، والنسب متفاوتة، حيث إن هناك مناطق في كل محافظة ومنها ديالى، تخضع لسيطرة الفصائل المسلحة، وجرى فيها تغيير ديمغرافي وتمنع الفصائل العائلات من العودة إليها،
مشيرًا إلى فشل محاولات الوزارة في حسم الملف خلال لقاءات مع قيادات في الحشد الشعبي لتسهيل عودة النازحين إلى تلك المناطق، إلا أن تلك المحاولات لم تنجح.
وشدد على أن الحديث عن حسم للملف في أي محافظة هو مغاير للحقائق على الأرض، مؤكدًا أن هذا الملف لا يمكن حسمه من دون تدخل حازم من قبل الحكومة وإخراج الميليشيات المسلحة من المناطق الخاضعة لسيطرتها.
واتهم حقوقيون وزيرة الهجرة والمهجرين في حكومة الإطار التنسيقي، بالتنصل من واجباتها تجاه النازحين والتعمد بإهمال ملفهم، وخضوعها لسلطة الميليشيات التي تحتل مناطقهم.
وأشاروا إلى أن أغلب العائلات النازحة لا تستطيع العودة بسبب المخاوف من بطش الميليشيات الولائية، فضلًا عن أن تلك الميليشيات تمنع عودة النازحين لبعض مناطق المناطق بدعوى التدقيق الأمني ووجود المخلفات الحربية.
وقال المتحدث باسم مرصد أفاد الحقوقي حسين دلي، إن وزيرة الهجرة إيفان جابرو ليس لها دور حقيقي في إنقاذ النازحين أو توفير احتياجاتهم.
وأضاف في تصريح لقناة “الرافدين” أن هناك تنصل واضح من الحكومة الحالية ووزارة الهجرة والمهجرين وهي المسؤولة المباشرة عن وضع النازحين ومعاناتهم.
وسبق وأن أشار قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق، إلى أن بعض المحافظات المنكوبة تشهد هجرة عكسية بسبب سيطرة ميليشيات الحشد واستمرار افتعالها عمليات أو أحداثًا أمنية لتبرير بقائها، وأبرز تلك الميليشيات هي كتائب حزب الله والعصائب وكتائب الإمام علي، إضافة إلى حشد الشبك، وبابليون.
وأكد القسم في تقريره السنوي على أن وزارة الهجرة لا تعترف بمسؤوليتها تجاه النازحين، في ظل سعي السلطات إلى فرض الإغلاق القسري على المخيمات دون توفير بدائل معتبرة.
وأضاف أن القوات الحكومية والميليشيات الولائية تمنع سكان بعض المناطق في المحافظات المنكوبة من العودة إليها على الرغم من توقف العمليات العسكرية منذ سنوات، بحجج كاذبة وبصمت وتواطؤ حكومي، فيما تستغل الأحزاب السياسية ملف النازحين لتحصيل مكاسب من غير الاكتراث بمعاناتهم في انعكاس لحالة الفساد السياسي والأخلاقي للسلطات الحاكمة في البلاد.
