نسب نجاح امتحانات السادس الإعدادي تكشف واقع التعليم المتردي
أكاديميون يحملون حكومات الاحتلال المتعاقبة مسؤولية انهيار التعليم ومخرجاته وتدني مستوياته ويعدون ما يحصل كارثة حقيقية بحق الأجيال القادمة.
بغداد – الرافدين
أعرب أكاديميون عن صدمتهم من نسب النجاح المتدنية لامتحان الدور الأول للصف السادس الإعدادي بعد نجاح 29 بالمائة فقط من الطلاب استنادًا إلى النتائج الرسمية المعلنة من قبل وزارة التربية في عموم العراق.
ودقت النتائج المعلنة من قبل التربية ناقوس الخطر حيال مستوى وجودة التعليم في ظل الحديث عن تراجعه وفشل المنظومة التعليمية ومخرجاتها بعد عقدين من الاحتلال.
وفي محاولة منها لتدارك هذه “الفضيحة التعليمية” كما وصفها أكاديميون سارعت وزارة التربية عقب تداول هذه النسبة إلى إصدار توضيح قالت فيه إن “ما يتم نشره في مواقع التواصل الاجتماعي حول نسب النجاح النهائية العامة للطلبة غير دقيق ومغلوط كونها ستحدد بعد إعلان نتائج الدور الثاني”.
وأشارت الوزارة إلى أن “الكثير من المؤجلين لدرس او درسين هم من الطلبة المتميزين وأن نتائجهم سيكون لها تأثير على النسب المعلنة حاليًا بعد انتهاء الدور الثاني، فضلًا عن الدرجات المضافة مثل درجة عدم الرسوب، ودرجة اللغة (الفرنسي وغيرها) إضافة الى درجات ذوي الشهداء وضحايا الإرهاب وهي درجات تضاف من قبل وزارة التعليم ولا علاقة لها بوزارة التربية”.
وقلل مختصون من أهمية هذا التوضيح الذي يتنافى مع تشخيص المنظمات الدولية المعنية بالتعليم للتدني الخطير بمستوياته خلال السنوات الأخيرة تزامنًا مع ظاهرة تسريب الأسئلة سنويًا والتي كانت آخر فصولها خلال هذه الامتحانات.
وانتقد ناشطون الإجراءات الحكومية التي رافقت الامتحانات والوعود بالمحافظة على الأسئلة والتي سرعان ما تلاشت بعد أن تداولوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي صورًا لإحدى المجموعات الموجودة على إحدى تطبيقات تلك الوسائل عقب نشرها أسئلة مادة الفيزياء قبل يوم من الامتحان.
وانتشر وسم “فضيحة تسريب الفيزياء” على منصة أكس (تويتر سابقًا) وحظي الوسم بتفاعل كبير بعدد تغريدات وصلت إلى نحو 200 ألف تغريدة، الأمر الذي دفع وزارة التربية إلى إصدار بيان تنفي فيه مزاعم تسريب أسئلة الامتحانات الخاصة بالصف السادس الإعدادي على غرار توضيحها المتعلق بتدني نسبة النجاح.
وقالت الوزارة في البيان، إنها “تهيب بالمواطنين إلى الانتباه وعدم الانصياع للإشاعات المغرضة التي تبثها بعض الصفحات الصفراء التي تحاول إثارة الفتن والأكاذيب حول سير العملية الامتحانية”.
واستغرب مراقبون من بيان الوزارة الذي يتوعد مواقع التواصل الاجتماعي التي تحدثت عن وجود تسريب بالأسئلة بملاحقتها قانونيًا، بدلًا من التحقق من الأمر ومحاسبة الفاعل.

وفي موازة ذلك أثار تفوق ابنة وزير التربية الحالي حنان إبراهيم النامس الجبوري، التي حققت نسبة بلغت 98.86 بالمائة، جدلاً واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي في ظل النسب المتدنية في عموم البلاد.
وشكك العديد من المدونين بمدى صحة هذه النتيجة، وسط تساؤلات عما إذا كانت قد استفادت من منصب والدها أم أن النتيجة هي جهد شخصي وتميز حقيقي.
وفي ظل هذه الشكوك سارعت وزارة التربية كعادتها في إصدار بيان أكدت فيه صحة نتائج الامتحان وأنها جاءت نتيجة للجهد والتميز الشخصي لابنة الوزير وأن الامتحانات تمت بشكل نزيه وشفاف.
وأكدت الوزارة في بيانها أن 231 طالبًا وطالبة حققوا المرتبة الأولى بمعدل 99.86 بالمائة، وكشفت الوزارة أن تربية الكرخ الأولى حصلت على المرتبة الأولى في القسم الأحيائي، تلتها تربية صلاح الدين والرصافة الأولى.

وتعقيبًا على بيان التربية قال الكاتب كريم فرمان إن “حنان إبراهيم النامس ابنة وزير التربية المشرف على إجراء اختبارات البكلوريا للدراسة الإعدادية وهي من أخطر مراحل التعليم، تحرز الدرجة الكاملة في البكلوريا ضمن أعلى نسبة طلبة أحرزوا الدرجة الكاملة 99 بالمائة ونصف وبلغ عددهم 231 طالبا وهذا الرقم ولا نصفه ولا ربعه حصل في تاريخ العراق”.
وتابع “في ظل وزارة النامس ومن قبله يحرز 231 طالبا الدرجة الكاملة وهو عدد يساوي ضعف المترشحين للقبول في كليتي الطب والهندسة في جامعة بغداد عام 1979”.
وأضاف “مذبحة للعلم والتربية تجري في العراق ولا استغراب إذا كان هذا حال البلد ووزير التربية فيه لا يحسن الإملاء ووزير سبقه يطلق الرصاص من مسدسه على التلاميذ”.
واستطرد “العراق بات في ذيل القائمة عالميًا في جودة التعليم بعد أن حصل عام 1977 على تكريم اليونسكو باعتباره حقق قفزة في مستوى التعليم وبات ينافس الدول الاسكندنافية، فيما شهادات العراق لا يعترف بها أحد لأنها ثمرة للجو الفاسد والانهيار”.
وسجل العراق خلال السنوات الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا في مستوى الأمية بنسبة تجاوزت 47 بالمائة من عدد السكان، بحسب التصنيف الأخير الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو)، بعد أن كان يتبوأ مراتب عالمية في جودة التعليم ومحو الأمية خلال سبعينات القرن الماضي.
ويرى المستشار الأسبق لوزير التربية والتعليم وأستاذ السياسات التعليمية في جامعة بغداد، إحسان الحديثي أن النسبة سواء أكانت حقيقية أم مبالغ فيها، فهي “لم تأت من عبث بل نتيجة لعقود من الزمن؛ سواء أكانت خلال حصار التسعينات وحتى احتلال العراق منذ عقدين”.
ولفت إلى أن كل البرامج الحكومية التي تم وضعها لم تضع التربية والتعليم على سلم أولوياتها، إذ كانت هناك اهتمامات أخرى مثل الأمن والدفع باتجاه محاولة فرض الاستقرار الأمني”.
وأشار إلى أن الفساد المالي واستشراءه في الكثير من مؤسسات الدولة كان أحد العوائق المهمة.

وكان رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني، قد حمل “النظام السابق” خلال افتتاحه مؤتمرًا في بغداد، منتصف شهر أيار الماضي، مسؤولية التدهور في التعليم خلال إطلاقه “الإستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم للسنوات (2022-2031)” في خطوة أثارت جدلًا بين أوساط الأكاديميين.
ووصف خبراء تربويون مزاعم السوداني التي عزا فيها تردي الواقع التعليمي في البلاد، إلى النظام السابق وبعد عشرين عامًا من احتلال العراق، بأنها سردية مقيتة ومحاولة سافرة لتشويه الواقع وليس التاريخ القريب فحسب.
وقالوا إن السوداني تغاضى بعمى سياسي ودوافع مكشوفة عن حقيقة الفشل والسياسات الطائفية التي سادت في قطاع التعليم، لدرجة صار فيها فتح الجامعات أشبه بدكاكين تجارية، في وقت يتحدث فيه عن نظام غير موجود منذ عشرين عامًا.
بدوره قال الناشط المدني أيوب الحسن، إن الرؤية والقراءة الإستراتيجية التي توضع منذ 2022 إلى 2031 هي “غير واقعية”.
وتابع أن “من يضع الإستراتيجية يجب أن يكون لديه تعليم على أقل تقدير 80 بالمائة متكامل، ليضع إستراتيجية لتطويره، ولكن واقع التعليم في العراق لا يتعدى مستوى 5 أو 10 بالمائة فقط”.
وتساءل “كيف توضع إستراتيجية تطوير التعليم وهناك نقص بواقع أكثر من 10 آلاف مدرسة؟”، مؤكدًا حاجة العراق إلى “مدة زمنية تتراوح بين 5 و6 سنوات بحسب تقديرات مبدئية لسد النقص في المدارس”.
وقال “نحن لا نحتاج إستراتيجية لتطوير التربية والتعليم، بل إلى خطة لإعادة تأهيل القطاع التربوي والتعليمي”.
وأضاف أن “إعادة تأهيل المعلمين والمدرسين من خلال دورات تطويرية أو تشريع قانون اختبار خاص بالمعلمين والمدرسين قبل دخولهم للوظيفة، والاهتمام بالبنية التحتية التي تحتاج إلى سنوات طويلة لتأهيلها كبنية تحتية موجودة وإضافة مدارس بأعداد كبيرة”، خطوات رئيسة في سبيل وقوف البلد على قدميه في كافة المجالات خاصة في مجال التربية والتعليم.

وكانت منظمة اليونيسيف قد أشارت إلى أن نحو 90 بالمائة من الأطفال في العراق لا تتاح لهم فرصة الحصول على تعليم مبكر، كما أن البنك الدولي أكد أن نحو 90 بالمائة من الطلاب المراحل الابتدائية في العراق لا يفهمون ما يقرأون.
ووصفت الناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل، إسراء السلمان، واقع التعليم في العراق بـ”المزري جدًا” وقالت إننا “كي ننهض بواقع التعليم نحتاج أولًا إلى مناهج تعليمية حقيقية وإلى مؤسسات تعليمية قادرة على إدارة هذه المناهج، بدءًا من تدريب الطواقم التربوية والتعليمية نفسيًا وعقليًا، ليكونوا قادرين على إعطاء هذه المناهج حقها”.
وأشارت السلمان إلى حاجة القطاع التربوي والتعليمي في العراق “لمناهج جديدة تضاف للرئيسة، كي تواكب التغييرات والتطورات التي يشهدها العالم”.
وسبق أن أفادت منظّمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو”، بأنّ انخفاض دعم الحكومات المتعاقبة لقطاع التعليم، أثّر في مخرجات العملية التربوية، مشيرةً إلى رداءة جودة التعليم في البلاد، وقلّة دخول الأطفال إلى المدارس.
وأوضحت المنظّمة، أنّ إنفاق السلطات الحكومية ما نسبته 6 بالمائة فقط من حجم الإنفاق السنوي على قطاع التعليم، والافتقار إلى الموارد الكافية، أدّى إلى ضعف نواتج التعليم التي تراجعت إلى مستويات غير مسبوقة، لافتةً إلى أنّ ضعف الإنفاق، مع حجم الفساد المستشري في القطاع، يعرّض الأطفال إلى خطر مؤكّد يسير بهم نحو التجهيل التربوي والثقافي.
وأكّدت على أنّ عقودًا من الصراع وغياب الاستثمارات في العراق دمرت نظامه التعليمي الذي كان يُعد فيما مضى أفضل الأنظمة التعليمية في المنطقة، وأنّ ذلك أعاق بشدة وصول الأطفال إلى التعليم الجيد.