أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

إرث احتلال العراق وراء انعدام الثقة والانقسام العالمي

كريس باتن آخر حاكم بريطاني لهونغ كونغ: احتلال العراق أحد أكثر الصراعات ضررًا في القرن الحادي والعشرين، عندما كشف الأزمة الكامنة في القيادة الأمريكية.

بغداد- الرافدين
قال كريس باتن آخر حاكم بريطاني لهونغ كونغ ومفوض الاتحاد الأوروبي السابق للشؤون الخارجية، إن الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، أحد أكثر الصراعات ضررًا في القرن الحادي والعشرين.
وكتب باتن المستشار الحالي في جامعة أكسفورد عن “أزمة القيادة الأمريكية” بعد عشرين عامًا من الإرث الخطير لاحتلال العراق “تحاول الديمقراطيات الليبرالية مواجهة التحديات الهائلة لهذا القرن، لكن عليها أيضًا مواجهة إرث حرب العراق المتمثل في انعدام الثقة والانقسام”.
وأضاف “لقد أوضحت النزعة العسكرية الكارثية للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش بشكل صارخ أهمية المعايير والمؤسسات الدولية، فضلًا عن عواقب تجاهلها”.
وأوضح باتن في مقال بموقع منظمة “بروجيكت سنديكيت” المهتمة بالدراسات الدولية “نشأت العديد من الانقسامات السياسية في الولايات المتحدة منذ احتلال العراق. عندما فند بوش الفكرة التاريخية التي كان ينادي بها الرؤساء فرانكلين روزفلت وهاري ترومان ودوايت أيزنهاور بأن القادة الفعالين يمكنهم جعل العالم مكانًا أفضل وأكثر أمانًا، حتى في مواجهة الشدائد الكبيرة”.
وأظهر بوش بغطرسته بعد تدمير بلد بذرائع كاذبة وملفقة أن العالم لا يهتم للمعايير والمؤسسات الدولية عندما تم احتلال العراق.
ووفقًا لتحليل كريس باتن لا تزال حرب احتلال العراق تطارد السياسة العالمية وتهدد التعاون الدولي العابر للحدود.
ومثلت حرب احتلال العراق هجومًا مباشرًا على النظام الدولي القائم على القواعد من قبل بوش مهندس الحرب الرئيسي. عندما شن حربًا لم يقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وازدرت إدارة بوش بدعم من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير إطار عمل الأمم المتحدة المصمم لمنع الحرب بين الدول.
وقوضت المعايير الأوسع لسيادة الدولة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة وتغيير الأنظمة الوطنية بالقوة.
وأثبت احتلال العراق صحة الشكوك بأن النظام الدولي الحالي يعمل كأداة لفرض السياسة الغربية على الدول الأخرى، وليس كإطار محايد للتعاون العالمي.
وقال المحلل السياسي الصيني شو ينغ في تعليق على مقال كريس باتن “لم تنتهك حرب احتلال العراق القانون الدولي فحسب، بل إن الولايات المتحدة فشلت في العثور على أسلحة دمار شامل، بعد التذرع بوجودها كسبب للحرب، الأمر الذي عرى آخر رداء للمصداقية الأمريكية”.
وأضاف في مقال في صحيفة “ساوث جاينا مورنيغ” “عندما تستخدم دول أخرى ذرائع كاذبة مماثلة لاحتلال أراضٍ أجنبية، فإن المعايير الأخلاقية والقانونية الآسنة التي أحاطت بغزو العراق تركت الولايات المتحدة دون أي رصيد لإدانة أي انتهاك مماثل، كما يحدث حاليًا بعدم وجود رد عالمي موحد على العدوان الروسي على أوكرانيا أحد أخطر موروثات حرب العراق”.
وأدى قرار احتلال العراق إلى تسميم آفاق تعاون القوى العظمى، وانعدام الثقة بين الدول المتقدمة والنامية، الأمر الذي أعاق التقدم في قضايا مثل تغير المناخ التي تتطلب حلًا وسطًا وتقاسم الأعباء”.
ومع انخفاض العلاقات الأمريكية الصينية الروسية إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، تمنع أشباح حرب العراق التقدم في حل التوترات التجارية والأمنية والتكنولوجية.
ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الخلل السياسي للولايات المتحدة الذي يعتبره باتن إرثًا لحرب العراق يشكل مخاطر جسيمة على الاستقرار العالمي. وسط تصاعد حدة الحزبية المفرطة والمعلومات المضللة وغيرها من الاتجاهات المقلقة، فإن احتمال انزلاق الولايات المتحدة إلى خلل مؤسسي أو حتى صراع أهلي سيكون أمرًا مخيفًا.


كريس باتن: الديمقراطيات الليبرالية عليها مواجهة إرث حرب العراق المتمثل في انعدام الثقة والانقسام
وقال شو ينغ “مع استمرار الصين في السعي وراء نهوض سلمي في عالم متعدد الأطراف، فإن إرث احتلال العراق سيؤثر على حساباتها وفرصها”.
وأضاف “يمكن أن يساعد التفكير الرصين في دروس تدمير العراق في بناء تفاهم بين الصين والأصوات الواعية في الغرب، من خلال الحوار المفتوح والالتزام بالمعايير العالمية، قد يكون من الممكن طي صفحة الحرب الكارثية، لكن يجب الاعتراف بأخطاء الماضي وعواقبها التي طال أمدها”.
ولم يكن مقال كريس باتن الأول من نوع في الاعتراف المتأخر بأن احتلال العراق كسر المعايير الأخلاقية والدولية، بعد عشرين عامًا من ترك العراق ليكون مثالًا للفشل والفساد السياسي.
وسبق أن دفع مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز باتجاه تعلم الدرس التاريخي من خطيئة احتلال العراق عام 2003 أمام كبار المسؤولين في “سي آي أي” أثناء مؤتمر عقد في التاسع عشر من آذار الماضي لمناسبة مرور عشرين عامًا على احتلال العراق.
وأثناء مخاطبته حوالي 100 من مسؤولي وكالة المخابرات المركزية، أقر بيرنز، الذي شغل آنذاك نائب وزير الخارجية الأمريكي في إدارة جورج بوش، كيف أخطأت الوكالة بشكل كارثي في تقييمها بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل.
ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن مصدرين حضرا اللقاء الخاص، بأن بيرنز كال اللوم على الجناة في البيت الأبيض في إدارة جورج بوش الذين كانوا غارقين في الغطرسة بكل ما يتعلق باجتياح العراق بغض النظر عن وهن الأسباب وعدم صحتها.
وأعترف مدير وكالة المخابرات المركزية الذي كان الرجل الثاني آنذاك في وزارة الخارجية، بأن الوزارة لم تقم بما يكفي لعرقلة الحرب.
وطالب كبار ضباط “سي آي أي” تعلم الدرس الصعب من المعلومات الخاطئة التي بني عليها احتلال العراق، خصوصًا ما يتعلق اليوم بالمعلومات التي تساعد الأوكرانيين في الدفاع عن أنفسهم أمام الهجوم الروسي وتعزيز تحالف قوي يدعم الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
ولا يمثل كلام بيرنز، وفق الخبراء في الشؤون السياسية، تغييرًا جذريًا في التراجع عن الغطرسة الأمريكية، بقدر ما هو تحليل استخباراتي داخلي، ومسعى شخصي من مدير وكالة المخابرات المركزية لتبرئة نفسه من جريمة تاريخية ستلاحق إدارة بوش.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى