استمرار سياسة محو “صنع في العراق” في حكومة السوداني
حكومة الإطار التنسيقي تهدم مصنع كربلاء لإنتاج السكر أحد أكبر المصانع في الشرق الأوسط الذي افتتح عام 1975 بذريعة بناء دور سكنية.
بغداد ــ الرافدين
حذر ناشطون واقتصاديون عراقيون من استمرار السياسات الخاطئة التي تتبعها حكومات ما بعد 2003 بشأن القطاع الصناعي في البلاد.
وطالب الناشطون بضرورة دعم المنتج المحلي والعاملين في هذا المجال من خلال اتخاذ خطوات حقيقية لانتشال واقع الصناعة المتدهور بعيدًا عن التصريحات والوعود الزائفة.
ويثير مراقبون جملة من التساؤلات حول الغايات التي تسعى إليها الحكومات المتعاقبة من خلال إهمال المصانع المحلية ومحو “صنع في العراق”.
ويواجه قطاع الصناعة في العراق مشاكل كبيرة وقاسية منذ عام 2003 بعد أن كانت البلاد قد نجحت في تأسيس قطاع صناعي ضخم حقق اكتفاءًا ذاتيًا في العديد من السلع.
وتعاني الصناعة العراقية اليوم من توقف آلاف المشاريع والمصانع الحكومية بسبب سياسة التخريب والإهمال وسوء التخطيط.
وعلى الرغم من المبالغ الطائلة التي تخصص لهذا القطاع إلا أنها لم تعالج المشاكل المزمنة في إحياء الصناعة نتيجة الدوافع السياسية التي تقف وراء استمرار تعطيل الإنتاج المحلي خدمة للأجندات الخارجية.
ونشر الناشط حيدر الحمداني مقطعًا مصورًا على مواقع التواصل الاجتماعي أكد فيه عزم حكومة السوداني هدم أحد أكبر المعامل والخطوط الاستراتيجية في الشرق الأوسط لإنتاج السكر في قضاء طويريج بمحافظة كربلاء والذي افتتح عام 1975.
وأضاف الحمداني أن وزارة التجارة تسعى إلى هدم المعمل بذريعة توزيع قطع أراضي للموظفين.
وصور الناشط حجم الدمار الذي لحق بالمصنع بسبب سوء التخطيط والإهمال الممنهج للمشاريع الصناعية بالبلاد.
وردت الجهات الخارجة عن القانون على مناشدات الناشطين بحماية مصنع السكر في كربلاء ولكن بطريقتها الخاصة، حيث انتشر مقطعًا مصورًا آخر يوثق اقتحام أشخاص مجهولين للمصنع، وقيامهم بنهب المعدات والمكائن أمام أنظار القوات الحكومية المكلفة بالحماية.
فيما قالت وزارة التجارة إن هناك مساعي حكومية لتشغيل هذا المعمل المتوقف عن العمل منذ سنوات طويلة، في تعليقها على المقطع المصور الذي أثار جدلًا واسعًا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي إزاء إهمال السلطات الحكومية للقطاع الصناعي المتداعي.
وبحسب المصادر الحكومية فإن الفساد المستشري في وزارة الصناعة والمعادن وسوء الإدارات المتعاقبة، حولت عشرات الشركات والمصانع والمعامل الحكومية إلى مؤسسات خاسرة.
وأوضحت المصادر أن هناك 83 مصنعًا ومعملًا كمصانع الأسمنت والحديد الصلب والكبريت والجلود والنسيج والأدوية والسيارات وغيرها، تحولت إلى مؤسسات خاسرة تقترض رواتبها على شكل سلف من وزارة المالية.
وأكدت المصادر الحكومية على أن الفساد في الوزارة تحول إلى فساد مركب ومنظم، ووصل إلى مراحل متقدمة.

وأكد رئيس اتحاد العمال في ديالى ثائر عبد المعين، على فقدان 90 بالمائة من المعامل الحكومية أو الخاصة في المحافظة.
وقال إن المعامل أغلقت أبوابها منذ سنوات طويلة وتحولت أغلبها إلى حطام لأسباب متعددة أبرزها غياب الدعم الحكومي وإغراق الأسواق بالبضائع المستوردة وعدم جود خطة وطنية للنهوض بالصناعة يرافقها الاضطرابات الأمنية والأزمات الاقتصادية والفساد الذي زاد من ضبابية المشهد العام.
وأضاف أن المخاطر تواجه آلاف العمال وعائلاتهم في ظل غياب القوانين الى تحمي حقوقهم مع محدودية الأجور والتعامل السيء في بعض الأحيان معهم في اتجاهات متعددة.
وأشار إلى ضرورة توفير الضمان الاجتماعي للعمال في ديالى وبقية المحافظات من أجل تحقيق الحد الأدنى من أبسط حقوق شريحة تمثل جوهر النهضة في أي جهود لإعمار البلاد ودفع اقتصاده للأمام.
وكشف وزير الصناعة والمعادن الحالي خالد بتال في وقت سابق، عن وجود نحو 40 ألف موظف فائض عن الخدمة وأن الوزارة عاجزة عن تأمين رواتب موظفيها.
وقال إن واقع الصناعة مر جدًا وهناك تركة ثقيلة جدًا من تراكمات السنوات السابقة، وأن وزارة الصناعة مدينة بمئات المليارات من الدنانير لوزارة المالية بسبب آلاف الموظفين الفائضين.
وأقرت وزارة الصناعة الحالية أن الصناعة بعد عام 2003، مرت بظروف صعبة أدت إلى هجرة الكثير من أصحاب القطاع الخاص معاملهم، مبينة أن الكثير من المعامل أغلقت لأسباب من بينها قدمها وعدم قدرتها على مواكبة ما ينتج عبر المكائن الحديثة، فضلًا عن الظروف الأمنية التي مر بها العراق طوال السنوات الماضية والتي أدت إلى توقف المعامل.
ويلقي خبراء في مجال الاقتصاد اللوم على السياسات الفوضوية للحكومات في العراق، التي أدت إلى استشراء الفساد والتسبب في إغلاق آلاف المعامل والمصانع وتحويلها إلى مؤسسات غير منتجة، لافتين ترك عشرات الآلاف من العاملين في تلك المصانع بدون مصادر دخل.
وقال الخبير الاقتصادي سناء عبد القادر، إن 40 بالمائة من الأيدي العاملة في العراق بدون عمل والمشكلة تتفاقم بسبب بيع مصانع القطاع العام.
وأضاف في تصريح لقناة “الرافدين”، أن الكثير من المصانع بحاجة إلى الدعم الحكومي في توفير المواد الخام لاستمرار إنتاجها.
وحذر سناء من استمرار سياسة تعطيل المصانع التي تهدد بزيادة أعداد العاطلين عن العمل.
ووثق الناشط أنعم المشرفاوي حالة الإهمال التي تخيم على معمل المنسوجات الصناعية في محافظة ذي قار بسبب الفساد وعدم دعم المنتج المحلي.
وعرض برنامج صوتكم الذي تبثه قناة “الرافدين” حديث أحد العاملين في معمل المنسوجات عن عدم جدية الحكومة في دعم منتوجات المعمل.
وأكد قدرتهم على توفير جميع احتياجات وزارة الصحة من الأقمشة الطبية، لكن الجهات المعنية تلجأ إلى الاستيراد الخارجي بهدف تحقيق مكاسب مالية.
وأكد عاملون آخرون في معمل نسيج الكوت بمحافظة واسط، وجود إهمال متعمد للمعمل من خلال عدم تزويدهم بكمية القطن اللازمة لاستمرار الإنتاج، بالإضافة إلى التقصير في صيانة آلاته وتطويرها.
وقال رئيس نقابة الميكانيك في اتحاد نقابات العمال في واسط عبد الرضا محسن، إن هناك جهات متنفذة تعمل على تعطيل الصناعة المحلية، مشيرًا إلى صراع الأحزاب على إدارة المعامل الأمر الذي لعب دورًا كبيرًا في تراجع الإنتاج المحلي.

ويجمع نواب في البرلمان الحالي على أن غياب الإرادة السياسية يحول دون تشغيل المصانع، كما أن الأحزاب الحاكمة لا تكترث بالتبعات الاقتصادية الخطيرة لتردي الواقع الصناعي.
وقال النائب هادي السلامي، إن جميع الحكومات المتعاقبة مقصرة في تأهيل المصانع والمعامل في العراق.
وأكد اعلى وجود إرادة سياسية موالية لدول الجوار لا تريد للعراق أن يستقر اقتصاديًا، أو أن يصل إلى حالة جيدة من الإنتاج الصناعي.
وقالت النائبة ابتسام الهلالي إلى أن الكثير من المعامل والمصانع أغلقت بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسة التي تشهدها البلاد.
وأضافت أن فتح الحدود الاستيراد البضائع والمواد الغذائية عبر إزالة التعريفة الكمركية على البضائع المستوردة تسبب في إفشال المئات من المشاريع الاقتصادية والزراعية وإغلاق آلاف المعامل والمصانع وخسارة الملايين من الدولارات.
وتسببت السياسات الفوضوية للحكومات المتعاقبة في العراق، واستشراء الفساد فيها، بإغلاق آلاف المعامل والمصانع في البلاد.
وتورط مسؤولون حكوميون بينهم وزراء ووكلاء وزراء، في ملفات فساد تتعلق بـالإيقاف المتعمد للمصانع، لضمان استمرار صفقات الاستيراد التي تخدم الأجندات الخارجية.
وأشارت مصادر صحفية إلى أن الضغوط السياسية والفساد الإداري عطل إعادة تأهيل تلك المصانع التي بسببها ما يزال العراق يستورد أغلب احتياجات المواطن العراقي.
وتشير التقارير الاقتصادية إلى أن إيران تحكم قبضتها على السوق العراقية منذ 2003 عن طريق إغراق السوق بالمنتجات الإيرانية وتوجيه وكلائها بعرقلة وإيقاف الصناعة المحلية العراقية.
وتصنف المنتجات الإيرانية بالأردأ بين دول المنطقة ولا تعتمد المواصفات القياسية العالمية، إلا أنها تجد لها سوقًا واسعة في العراق بسبب الصفقات التي تبرمها جهات حكومية نافذة مع الشركات الإيرانية.
وكان العراق من دول العالم المزدهرة صناعيًا، ويلبي حجم إنتاج القطاع الصناعي حاجة السوق المحلية، فضلاً عن التصدير إلى الخارج.
وتشير الأرقام إلى أن مساهمة الصناعة العراقية في الناتج الإجمالي كانت نحو 23 بالمائة قبل الاحتلال عام 2003، أما اليوم فأن هذه المساهمة تساوي صفرًا.
ولعب العامل السياسي دورًا مهمًا في تهديم الصناعة العراقية نتيجة عدم وجود جدية من قبل القوى السياسية المهيمنة على مؤسسات الدولة في توحيد الجهود والاتفاق على النهوض بواقع الصناعة المحلية، وحل الإشكالات التي تحول دون التقدم الصناعي للبلد.
ووصف مراقبون وضع الحكومات المتعاقبة تجاه قطاع الصناعة “بالشلل المتوارث” نتيجة تراكمات الإدارات الفاسدة التي عملت على إضعاف البلاد ومحاربة أي محاولة لانتشال الصناعة المحلية.
وطالبوا بضرورة وجود طبقة سياسية تدرك أن لا مناص من إعادة العراق إلى الاستقرار الاقتصادي إلا من خلال الاهتمام بالمصانع وحماية المنتج المحلي، بالإضافة إلى مكافحة الفساد ووضع استراتيجية وطنية اقتصادية من قبل مختصين مدعومة بإرادة سياسية حازمة للنهوض بالاقتصاد العراقي من جديد وإنقاذ الوطن، ومن دون ذلك فإن جميع التحركات السياسية أو البرلمانية لن تصل إلى نتائج حقيقية.