أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

العنف الأسري يهدد بنية المجتمع العراقي دون حلول حكومية ناجعة للحد منه

باحثون اجتماعيون يؤكدون تقاعس الجهات المختصة عن أداء واجباتها وتقديم الحماية للشرائح المتضررة من العنف الأسري.

بغداد – الرافدين

حذر باحثون اجتماعيون من التبعات الخطيرة لظاهرة العنف الأسري على المجتمع العراقي وبنيته الاجتماعية والأسرية عقب إعلان “الشرطة المجتمعية” تسجيل 724 حالة عنف أسري خلال أسبوع واحد فقط من شهر آب الجاري في بغداد والمحافظات تزامنًا مع تسجيل 5808 حالة طلاق في العراق خلال شهر تموز الماضي.
وتسجل مختلف المحافظات معدلات غير مسبوقة من العنف الأسري في وقت يعزو فيه خبراء الأمر إلى الظروف المجتمعية نتيجة عدم استقرار البلاد سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، عقب حقبة سوداوية في تاريخ العراق الحديث خلفها الاحتلال وحكوماته المتعاقبة انعكست سلبًا على الوضع العام للعراقيين وتسببت في ارتفاع نسبة الاضطرابات النفسية.
ويرجع مدير الشرطة المجتمعية في العراق العميد غالب العطية، الزيادة المطردة لحالات العنف الأسري لارتفاع درجات الحرارة، مشيرًا إلى أن “الشرطة المجتمعية لها دور مهم في الحد من حالات التعنيف الأسري والمجتمعي المتزايدة”.
وقال “رصدنا زيادة في حالات التعنيف في الأجواء الحارة، وفي فصل الصيف أكثر من باقي فصول السنة، لاسيما حالات تعنيف النساء للأطفال ومنها زوجة الأب”.
ويرى ناشطون في حقوق المرأة والطفل أن السلطات الحكومية تقفز على الحقائق عبر تقديم أسباب ثانوية تتعلق بتفشي ظاهرة العنف الأسري دون تشخيص واقعي للمشكلة.
وتشير شهادات صادمة لمعنفات إلى تقاعس الشرطة المجتمعية عن أداء واجباتها في تقديم الحماية اللازمة لهن عند التواصل وطلب النجدة.
وتقول معلمة من منطقة الكرادة في بغداد، رفضت الكشف عن هويتها إن “أخاها كاد أن ينهي حياتها خنقًا وآثار يديه لا تزال على عنقها، إثر مجادلة كلامية بينهما”.
وأكدت على أنها اتصلت مرارًا بالشرطة المجتمعية خلال شهر رمضان الماضي لتبلغهم عن تعرضها لسوء المعاملة، وبأنها لا تحتمل أن ترى أخاها أمامها بعد اليوم جراء التعنيف الذي تتعرض له، وقد تلقت الرد حينها بهذه الطريقة “إحنا صائمين منو إله خلك إلج؟” (نحن صائمون ولسنا في وارد الاستماع إلى شكواك).
بدورها قالت أستاذة في جامعة البصرة، رفضت هي الأخرى الإفصاح عن هويتها إنها اتصلت على الخط المخصص للشرطة المجتمعية مرات عدة بعد سماعها صراخ جارتها، وتلقت الرد التالي “شنو إحنا ما عدنا غيرج؟”، ثم أُغلق الخط.
وتابعت “بعد يومين وفي المنطقة نفسها في محافظة البصرة، عُلّقت لافتة تنعى جارتها التي تبلغ من العمر عشرين عاما والتي كانت تقابلها عند رجوعها من الجامعة عن طريق الصدفة أحيانا ولم يتكلم أحد عن موتها ولم نعلم السبب”.

الشرطة المجتمعية تسجل 724 حالة عنف أسري خلال أسبوع واحد فقط من شهر آب الجاري في بغداد والمحافظات

وتتصدر النساء قائمة حالات التعنيف في العراق، يليها الأطفال، وثم كبار السن في الدرجة الثالثة وفقًا لمنظمات معنية بالدفاع عن حقوق المرأة والطفل.
وكانت دائرة العلاقات العامة في مجلس القضاء الأعلى قد نشرت إحصائية عن معدلات العنف الأسري، فيما يخص الأطفال والنساء وكبار السن خلال عامي 2021 و2022 بينت تسجيل 1141 دعوى عنف أسري ضد الأطفال، وكان لمحكمة استئناف بغداد الكرخ النصيب الأكبر بواقع 267 دعوى.
ويرى مراقبون أن الرقم الحقيقي أكبر بكثير لأن قضايا مثل هذه تبقى غالبيتها في البيوت ولا تصل إلى مراكز الشرطة أو القضاء أو الجهات المعنية، ولا تسجلها المحاكم بسبب ضعف الوعي القانوني وسيطرة الأعراف الاجتماعية.
في غضون ذلك، أشارت المدافعة عن حقوق الإنسان سارة جاسم، إلى “وجود عادات وأعراف تسيء للإنسان وتُساهم في ارتفاع حالات العنف الأسري في البلاد، يرافق ذلك عدم قدرة الزوج على تلبية متطلبات الحياة، مع الإنجاب غير المدروس، وقلّة مفاهيم التربية والاحترام بين أفراد الأسرة”.
وقالت “فضلًا على الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي، والجهل الرقمي للوقوع في مشكلات أسرية، وكذلك تعاطي المخدرات التي ازدادت في السنوات الأخيرة”.
وأضافت أنَّ “حلول العنف الأسري فيها متطلبات عديدة منها تشريعي ومنها توعوي، وتبدأ بدعوة الأسر العراقية بجميع أفرادها للتّراحم في ما بينهم وأهمية المودة والرحمة التي غرست فيهم من خلال الدين”.
ونبهت إلى أنه يجب أن تطبق فعلاً لا قولاً فقط، من خلال التوعية المستمرة بواسطة وسائل الإعلام وعرض أثر العنف في الأسر والمجتمعات.
وأوضحت “نحتاج إلى توفير دور الرعاية والإصلاح لمن عانوا من العنف الأسري، ومُحاولة تعويض الضحايا عما لاقوه وعمّا افتقدوه في بيئة أُسرهم، وتشريع قانون رادع لمن يُمارس العُنف الأسري”، وأوضحت أنه “إذا كان الأطفال عرضة للتعنيف من الأب والأم أو زوجة الأب وزوج الأم، فيجب نزع الولاية من الأب والأم ممن لا يُؤدون واجباتهم بشكلٍ مُلائم للأطفال، ومنحها للكفوء والأولى من أقرباء الطفل”، داعية إلى “علاج أفراد الأسرة المصابين بأمراض نفسية وإجبارهم ضمن تعليمات وعرضهم على المختصين”.
ودعت جاسم إلى تغيير النظرة السائدة تجاه العنف ضد الأطفال التي ترى أن الأمر طبيعي، ولا سيما قبول العنف الجسدي، وذلك عبر وضع برامج مكثفة من قبل الحكومة تفرض على المقبلين على الزواج والمُعلّمين لتوعيتهم بهذا الأمر.
ولفتت إلى ضرورة تعليمهم الأسس الصحيحة للتربية وأشكال التّأديب غير المؤذية، كما يجب السعي لتوعية المجتمع إعلاميًا ومن المنابر الدينية بشأن قيمة المرأة في المجتمع وأهميتها وعدم التقليل من شأنها، وأنّه من غير المسموح أن يُمارس عليها أفعال جائرة من العنف بصفتها إنساناً لها ما للرجل من حقوق، وعليها ما عليه من واجبات”، منبهة على ضرورة “بيان نظرة الأديان للمرأة واحترامهم وتقديرهم لها.

المحاكم العراقية تسجل 5808 حالة طلاق في العراق خلال شهر تموز الماضي

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد حذرت من تبعات العنف المتمادي ضد الأطفال العراقيين، والذي يبلغ مستويات خطيرة، حيث ذكرت المنظمة في تقاريرها أن أربعة من بين كل خمسة أطفال في العراق يتعرضون للعنف والضرب.
وأكدت المنظمة الأممية أنه ما من شيء يبرر العنف ضد طفل صغير، كما أن هذه الظاهرة لا بد من منعها ووقفها، مطالبة الحكومة العراقية بتكريس آليات رصد ومتابعة مرتكبي جرائم العنف والقتل بحق الأطفال وتقديمهم إلى المحاكمة.
بدورها قالت رئيسة “منظمة شمس بغداد الثقافية الطبية” بلقيس الزاملي، إن “العنف ضد الأطفال من المسائل الخطيرة جدًا، وقد تزايدت مظاهره بشكل كبير خلال السنوات الماضية لأسباب عدة، وأصبح بعضها يعرض على مواقع التواصل الاجتماعي ويتضمن بشاعة وقسوة لا تطاق”.
ولفتت إلى عدة أمور تشكل بيئة خصبة للعنف ضد الأطفال، منها عدم التفاهم بين الأزواج وهشاشة علاقاتهم الأسرية. وهذه الاضطرابات المنزلية لطالما انعكست على السلامة النفسية والجسدية للكثير من الأطفال، فضلا عن تردي الوضع الاقتصادي.
وشددت على عدم وجود أي سياسة لدى العراق للقضاء على هذه الظاهرة، وإنْ وجدت بعض القوانين أو النصوص فهي لا تدخل حيز التنفيذ وهذا ما جعلنا نرى حالات عنف كثيرة جدا ومأساوية ويفلت الجناة غالبا من العقاب.
وترى الباحثة، أن مسؤولية سلامة الطفل هي مسؤولية مشتركة وإلزامية على أطراف عديدة كالأسرة والمدرسة ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية والأمنية والحكومية ولا بدّ من وجود سياسة وطنية شاملة تنظر إلى هذا المحور وتجعله عاملا مشتركا بينها لحماية الأطفال”.
ويعد العنف تجاه الأطفال والنساء من أبرز أسباب التفكك الأسري الممهدة لحالات الطلاق التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في معدلاتها خلال النصف الأول من العام 2023، عقب تسجيل المحاكم العراقية 5808 حالة طلاق في العراق خلال شهر تموز الماضي وبعد شهرين على تسجيل 10 حالات طلاق في الساعة الواحدة خلال شهر أيار الماضي.
وقال نائب رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، المحامي حازم الرديني “سبق وأن حذرنا من تفاقم ظاهرة الطلاق بشكل كبير خلال السنوات الخمس الماضية وقدمنا عدة مقترحات لعلاجها، إلا أنه ليس هناك أي استجابة من قبل الحكومة”.
وأضاف “من خلال رصدنا لهذه الظاهرة خلال النصف الأول من 2023 وجدنا أنها سجلت أعلى الحالات في شهر أيار حيث وصلت إلى 6728 حالة طلاق، أي بواقع عشر حالات في الساعة الواحدة، و224 حالة في اليوم الواحد”.
وتابع “كانت قرابة الثلاث آلاف حالة فقط في بغداد والبصرة، وهي تشكل 45 بالمائة من حالات الطلاق، علما بأن هذه الاحصائيات لا تشمل محافظات كردستان العراق”.
وطالب الحكومة بـ”التصدي لهذه الظاهرة من خلال القضاء على البطالة والفقر عبر دعم القطاعين الصناعي والزراعي، لأن الأسباب الاقتصادية تشكل قرابة 50 بالمائة من أسباب تفشي ظاهرة الطلاق، إضافة إلى زواج القاصرات والاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي وتفشي المخدرات بشكل كبير وأزمة السكن التي تتفاقم يوما بعد آخر خلال السنوات الخمسة الماضية”.
ودعا إلى “تشكيل لجنة عليا من وزارات مختلفة لدراسة الظاهرة ووضع خطة استراتيجية لإيجاد الحلول، وإلا فإن الآتي سيكون أسوأ”.
وسبق أن أطلق ناشطون حقوقيون تحركات تهدف إلى الدفع في اتجاه طرح مشروع قانون أمام البرلمان لمكافحة العنف الأسري للحد من هذه الظاهرة وما تسببه من ارتفاع في حالات الطلاق.
وأقر في عام 2020، مشروع قانون لمناهضة العنف الأسري، وجرى إرساله إلى البرلمان الذي لم يمرره بسبب تجاذبات وعراقيل وضعتها كتل سياسية عدت القانون مقترحًا يقلّد قوانين غربية، ويمنح المرأة الحق في الحصول على رعاية حكومية، “ما قد يشجعها على التمرد”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى