أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

العراق.. عام دراسي آخر مثقل بمشاكل نقص المدرسين والمدارس

منظمات دولية تدعو السلطات الحكومية إلى انتشال التعليم من واقعه المأساوي ورفع سقف الإنفاق على وجه السرعة لتحسين المخرجات التعليمية.

بغداد – الرافدين

فتح التحاق الملاكات التعليمية بمدارسهم ومباشرتهم دوامهم الرسمي يوم الأحد الثالث من أيلول الجاري الباب للحديث عن نقص أعداد المدرسين والمعلمين في ظل حاجة البلاد إلى نحو 90 ألف مدرس ومعلم موزعين بين رياض الأطفال والمدارس الابتدائية والثانوية وفقًا لوزارة التخطيط.
ووجهت وزارة التربية الحالية ملاكاتها التعليمية في بيان إلى “وضع الخطط الكفيلة لتطوير النشاط التربوي واتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان انتظام الدراسة في موعدها المقرر الشهر القادم”.
ولم يقدم بيان التربية الجديد إجابات عن التساؤلات المتعلقة بمصير العام الجديد في ظل النقص الكبير في الملاكات التعليمية إلى جانب النقص في أعداد الأبنية المدرسية كما تفيد بيانات وزارة التخطيط.
وقال الناطق الإعلامي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي إنَّ “هناك فجوة تراكمية للملاكات التربوية المتنوعة تقدر حسب إحصائيات الوزارة بـ 87 ألفًا و743 من الملاكات التربوية”.
وبين أنَّ “الحاجة الفعلية للملاكات التربوية تتوزع بواقع 3 آلاف و199 معلمة لرياض الأطفال، في وقت يبلغ احتياج المدارس الابتدائية 66 ألفًا و353 معلمًا ومدرسًا، في حين تحتاج المدارس الثانوية والمتوسطة والإعدادية إلى 18 ألفًا و191 مدرسًا ومدرسة”.
وتسجل البلاد نقصًا في الملاكات التربوية على الرغم من التعيينات التي أطلقها مجلس الخدمة الاتحادي للمحاضرين المجانيين بآلاف الدرجات الوظيفية ومختلف التخصصات هذا العام، لاسيما في المناطق الريفية والنائية.
وكان نقيب المعلمين عباس كاظم السوداني، قد انتقد نقص الملاكات التعليمية والتدريسية في مدارس المناطق الريفية والنائية، بسبب “المحسوبية والوساطات”.
وأكد السوداني في لقاء متلفز تدخل الأحزاب في التعيينات واستخدامها لغايات انتخابية ما تسبب بـ “نقل أو إلغاء أوامر إدارية أو مداورة الملاكات حسب النقص الحاصل” على حد قوله.

الفساد يبدد الأموال المخصصة لبناء المدارس وسط حاجة ماسة لتشييد 8000 مدرسة في عموم البلاد

ويعاني القطاع التعليمي في العراق منذ سنوات طويلة، من إهمال حكومي وضعف كبير في استحداث مدارس جديدة وترميم تلك القديمة، إلى جانب النقص في الملاكات التعليمية ما يؤثر سلبًا في مسيرة التعليم بالبلاد.
وفيما جرى افتتاح 400 مدرسة جديدة خلال العام الجاري وفقًا لبيانات رسمية، تفيد تقارير دولية بأنّ نحو 50 بالمائة من المدارس الحالية بحاجة إلى عمليات إعادة تأهيل للتخفيف من الاكتظاظ الحاصل في الصفوف التي يتجاوز عدد الطلاب في أغلبها أكثر من 50 تلميذًا.
وعلى الرغم من إعلان بناء وترميم بعض المدارس إلا أن الحاجة الفعلية لنحو 8000 مدرسة مازالت قائمة لتفادي النقص الكبير في عدد المدارس عقب الاضطرار إلى اعتماد نظام دوام مزدوج فيها، وعدم تجهيزها بمستلزمات الكتب والمقاعد وغيرها، ما اضطر الكثير من الأهالي إلى تحمّل هذه الأعباء.
ويشير البنك الدولي في تقرير حديث إلى أن بناء المدارس لوحده لن ينهض بالتعليم في العراق في بلد لا ينفق على التعليم سوى نحو 1 بالمائة من نفقاته للبنية التحتية التعليمية، وهي نسبة منخفضة بكل المقاييس في ظل حاجة ملحة وعلى وجه السرعة لإنفاق أكبر على البنية التحتية لقطاع التعليم.
ويشدد البنك الدولي في تقريره على وجوب أن تقترن الاستثمارات في البنية التحتية للمدارس، باستثمارات كبيرة في التعلم ومنها “تدريب المُعلمين، وتوفير المواد واللوازم الدراسية، وتكنولوجيا التعليم، وغيرها من مدخلات جودة التعليم. لأن مسؤولية المعلمين تتعلق بضمان أن يتعلم كل الطلاب لكن المعلمين بحاجة إلى الوسائل والدعم للقيام بذلك”.
وينقل التقرير عن معلمين القول إنهم “بحاجة إلى المزيد من المواد التعليمية، والأهم من ذلك، المزيد من التدريب” ويخلص التقرير إلى أن إعادة بناء المدارس لايعد إلا جزءًا واحدًا من الحل، فكثير من الأطفال يذهبون إلى المدرسة لكنهم لا يتعلمون”.

حجم الإنفاق على التعليم في الموازنات الانفجارية لا يتجاوز الـ 1 بالمائة وفقًا لمنظمات دولية

ويتراجع مستوى التعليم في العراق بشكل لافت، في ظلّ نقص حاد في إمكانات المؤسسات التعليمية، وصعوبات في معالجة المشاكل من دون خطط طويلة الأمد لسد النقص وتطوير المؤسسات كما يرى مختصون.
وفي هذا السياق، يشير المستشار الأسبق لوزير التربية والتعليم العراقي وأستاذ السياسات التعليمية في جامعة بغداد، إحسان الحديثي، إلى أن حاجة العراق إلى هذا العدد من المدرسّين سببه توقف التعيينات لمدة طويلة بحكم ما فرضته سياسة البنك الدولي على البلاد.
ويتحدث الحديثي، عن التعاقد أو التعامل مع المعلمين بقضية المحاضرين المجانيين من قبل وزارة التربية وحتى التعليم العالي بعد ذلك لافتًا بأن “هؤلاء كانت لهم الأولوية بالتعيينات بعدما عيّن المجلس الاتحادي مطلع العام حملة الشهادات العليا والأوائل على الكليات والجامعات.
ويؤكد أن الحاجة ما زالت قائمة لأعداد أخرى من المعلمين بسبب ازدياد الطلب على التعليم، لافتًا إلى أن الالتحاق بالصف الأول الابتدائي سجّل العام الماضي نحو مليون ونصف المليون تلميذ.
ويتفق مدير الإشراف في تربية الرصافة الأولى محمد الركابي مع ما ذهب إليه الحديثي بالقول أن وزارة التربية “تستقبل مليون ونصف مليون طفل في الابتدائية سنويًا، وتوجد بعض الاختصاصات النادرة التي نعاني من قلتها مثل الرياضيات واللغة الإنجليزية والفيزياء والتربية الفنية والرياضة”.
وأكد الركابي الحاجة لعدد من التخصصات بينها النقص الحاد في موظفي الخدمة، مشيرًا إلى الحاجة لنحو 3 آلاف موظف خدمة.
وأوضح، أنه “لدينا 25 ألف مدرسة، كلٌ منها تحتاج إلى ما بين 15 ـ 20 معلمًا أو مدرسًا، بالإضافة لذلك نحتاج إلى ما يقارب 15 ألف مدرسة على المدى البعيد، سيتم إنجاز 8 آلاف منها بحسب العقد الصيني”.

السوداني يعزو في سردية مكررة تردي الواقع التعليمي إلى النظام السابق بعد عشرين عامًا من احتلال العراق

وكان رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني، قد حمل “النظام السابق” خلال افتتاحه مؤتمرًا في بغداد، منتصف شهر أيار الماضي، مسؤولية التدهور في التعليم خلال إطلاقه “الإستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم للسنوات (2022-2031)” في خطوة أثارت جدلًا بين أوساط الأكاديميين.
ووصف خبراء تربويون مزاعم السوداني التي عزا فيها تردي الواقع التعليمي في البلاد، إلى النظام السابق وبعد عشرين عامًا من احتلال العراق، بأنها سردية مقيتة ومحاولة سافرة لتشويه الواقع وليس التاريخ القريب فحسب.
وقالوا إن السوداني تغاضى بعمى سياسي ودوافع مكشوفة عن حقيقة الفشل والسياسات الطائفية التي سادت في قطاع التعليم، لدرجة صار فيها فتح الجامعات أشبه بدكاكين تجارية، في وقت يتحدث فيه عن نظام غير موجود منذ عشرين عامًا.
بدوره قال الناشط المدني أيوب الحسن، إن الرؤية والقراءة الإستراتيجية التي توضع منذ 2022 إلى 2031 هي “غير واقعية”.
وتابع أن “من يضع الإستراتيجية يجب أن يكون لديه تعليم على أقل تقدير 80 بالمائة متكامل، ليضع إستراتيجية لتطويره، ولكن واقع التعليم في العراق لا يتعدى مستوى 5 أو 10 بالمائة فقط”.
وتساءل “كيف توضع إستراتيجية تطوير التعليم وهناك نقص بواقع أكثر من 10 آلاف مدرسة؟”، مؤكدًا حاجة العراق إلى “مدة زمنية تتراوح بين 5 و6 سنوات بحسب تقديرات مبدئية لسد النقص في المدارس”.
وقال “نحن لا نحتاج إستراتيجية لتطوير التربية والتعليم، بل إلى خطة لإعادة تأهيل القطاع التربوي والتعليمي”.
وأضاف أن “إعادة تأهيل المعلمين والمدرسين من خلال دورات تطويرية أو تشريع قانون اختبار خاص بالمعلمين والمدرسين قبل دخولهم للوظيفة، والاهتمام بالبنية التحتية التي تحتاج إلى سنوات طويلة لتأهيلها كبنية تحتية موجودة وإضافة مدارس بأعداد كبيرة”، خطوات رئيسة في سبيل وقوف البلد على قدميه في كافة المجالات خاصة في مجال التربية والتعليم.
ويستشري الفساد في العراق في كافة القطاعات، ومنها القطاع التعليمي، وقد ظهر منذ فترة شبهات فساد كبيرة في طباعة الكتب المدرسية.
وتسبب حجم الفساد في تردّي الواقع التعليمي في البلاد، باستبعاد معهد (ليجاتوم – the Legatum Institute)، العراق من تصنيفه لقائمة الدول الأقوى في مجال التعليم على المستوى العالمي للعام الحالي 2023، لعدم مطابقته لجودة التعليم الرصين.
وسبق أن خرج العراق من مؤشر دافوس لجودة التعليم عام 2021، ما أثار ردود فعل غاضبة في البلاد، حينما وصف عراقيون التصنيف بالانتكاسة الكبيرة للبلاد والخيبة التي تتحمل السلطات الحكومية عقب الاحتلال كافة تبعاتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى