أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدين

مياه ملوثة تهدد أهالي البصرة بموجة تسمم جديدة

مخاوف من تسمم جماعي جراء تلوث المياه الواصلة لشبكات الإسالة في البصرة على غرار ما حصل عام 2018 حينما غصت المستشفيات بعشرات الآلاف من المواطنين نتيجة إصابتهم بأمراض تتعلق بتلوث المياه.

البصرة – الرافدين
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالعديد من المقاطع المصورة التي التقطها مواطنون لحال المياه الواصلة إلى منازلهم عبر شبكة الإسالة في مركز محافظة البصرة وأقضيتها لاسيما قضاء الزبير وسط مخاوف من تسمم جماعي يطال السكان.
وبينت المقاطع التي حظيت بتفاعل كبير على منصات التواصل الاجتماعي وصول مياه آسنة وبألوان مختلفة فضلًا عما يصدر منها من روائح كريهة إلى منازل المواطنين في البصرة في مشهد يعيذ للأذهان ما حصل عام 2018 عقب تعرض أكثر من 120 ألف شخص لأمراض متعلقة بتلوث المياه الناجم عن تردي البنى التحتية لشبكة الصرف الصحي.
وعرضت حلقة الثلاثاء من برنامج “صوتكم” الذي تبثه قناة “الرافدين” الفضائية مقاطع مصورة ملتقطة من حي الجمهورية في البصرة وأخرى من مركز المدينة لمياه خضراء وأخرى سوداء جرى ضخها عبر شبكة الإسالة.

وقال مهندسون في قطاع ضخ المياه إن تجهيزات مياه الشرب في البصرة، ثاني أكبر مدينة تعدادًا بالسكان في العراق، معرضة للخطر، على الرغم من الجهود الدولية الضخمة لإعادة تأهيل محطات المعالجة لسد الطلب المتزايد عقب الانتفاضة الشعبية عام 2018 والتي كانت أحد أبرز أسبابها وقتها يتمثل بتلوث المياه وما نجم عنه من تسمم أعداد كبيرة من السكان وسط مخاوف من تكرار ذات السيناريو.
وعلق المهندس علي، الذي يعمل في محطة لمعالجة المياه في البصرة، بالقول إنه ليس هناك عملًا كافيا يمنع حدوث ازمة أخرى.
وتابع المهندس علي بعد أن اكتفى بإعطاء اسمه الأول فقط حرصًا على سلامته، أن “وضع الماء في البصرة ما يزال لا يبدو جيدًا ويتطلب إجراء مزيد من العمل لمنع حدوث ازمة أخرى كما حصلت في عام 2018”.
وطالب الحكومة بمعالجة أسباب وجذور هذه المشكلة، مثل الاستثمار في البنى التحتية وتحسين طريقة إدارة ملف المياه وتقليل التلوث والضرر البيئي.
وأضاف، أن “الزمن المطلوب لإكمال مد جميع شبكات أنابيب المياه قد يستغرق خمس سنوات أخرى”.
وأوضح أن “الفساد ما يزال يعرقل هذا القطاع مبينًا أن “معدل ضخ المياه حاليًا، وسط التأخيرات الحاصلة في مشروع الهارثة، هو بسعة 5 آلاف متر مكعب بالساعة، أو ما يعادل 120 ألف متر مكعب باليوم، وهو أقل من السعة المصممة للمشروع والبالغة 360 ألف متر مكعب باليوم”.
وانطلق العمل بمشروع محطة الهارثة لمعالجة المياه في البصرة الذي تولى إنشاؤه ائتلاف من شركات يابانية وفرنسية ومصرية أوائل عام 2014 وكان من المتوقع الانتهاء منه بعد ثلاث سنوات إلا أنه لا يزال خارج الخدمة وبحاجة لسنوات أخرى كي تكتمل شبكة خطوط توزيع المياه الخاصة به.
وتعزو مصادر مطلعة من داخل البصرة أسباب عرقلة خطة مد شبكة أنابيب مشروع محطة الهارثة بطول 37 كم وعرقلتها إلى الفساد المستشري في مفاصل المحافظة.

سكان البصرة يشترون مياهًا عذبة تنقل في الصهاريج بعد عجز الحكومة عن إيصال المياه الصالحة للشرب إلى منازلهم

ويعتمد جزء كبير من سكان البصرة على ما يشترونه من مياه معقمة تنقل بالصهاريج جراء التأخير الحاصل في مشروع الهارثة، وسط تحذيرات من أن تعيش المدينة الغنية بالنفط أزمة أعمق من تلك التي عاشتها عام 2018.
ويحذر الخبير في مديرية زراعة البصرة، جاسم المالكي، من أن سكان البصرة قد يعايشون سيناريو مشابهًا لما حدث عام 2018، او حتى أسوأ، على الرغم من عدد مشاريع معالجة المياه التي تم فتحها أو تجديدها منذ ذلك الوقت.
وقال المالكي إن “البصرة شهدت تحسنًا مؤقتًا فيما يتعلق بمياه الشرب، ولكننا نتوقع تفاقم الأزمة، والسبب الرئيس في ذلك هو تدني تجهيزات المياه في شط العرب”.
بدورهم حذر نواب من البصرة من تداعيات تمدد اللسان الملحي في شط العرب الذي يصب في البصرة بعد أن كان مصدرًا رئيسًا للمياه العذبة لسكان المدينة إلا أنه يعيش اليوم أزمة متفاقمة جراء ارتفاع التراكيز الملحية فيه عقب تدني مناسيب المياه فيه بسبب المشاكل التي يعانيها دجلة والفرات.
وقال النائب عن محافظة البصرة هيثم الزركاني، إن “العراق دخل مرحلة الخطر بسبب شح المياه”، وأن البصرة تعاني من خطرين قلة المياه وارتفاع اللسان الملحي نتيجة قلة المياه”.
وأشار إلى أن خطر تمدد اللسان الملحي ليس حديثًا على مياه البصرة كما أن هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها البصرة خطرًا مائيًا.
وفي ذات السياق علقت النائبة انتصار الجزائري، بالقول إن “آثار هذه القضية تظهر بعدة محافظات خصوصًا البصرة، باعتبارها قعر المحافظات، والتي تترسب فيها أعلى نسب الملوحة وكونها أقل محافظة تحصل على حصتها المائية”.
وبينت الجزائري، أن “البصرة تعاني حاليًا من عدة أزمات بسبب المياه من بينها التصحر وانتشار الأوبئة وقلة الزراعة وأن نواب المحافظة ضغطوا على الحكومة من أجل إيجاد الحلول لهذه الأزمة، بالتعاون مع لجنة الزراعة النيابية، ووزارة الموارد المائية”.

مستشفيات البصرة استقبلت أكثر من 120 ألف إصابة بالتسمم جراء أزمة تلوث المياه عام 2018

وعلى الرغم من تستر السلطات على أعداد المصابين بالتسمم وأمراض تلوث المياه جراء ارتفاع نسبة ملوحتها إلا أن مصادر طبية تدق ناقوس الخطر بين الحين والآخر جراء استمرار المستفشيات في استقبال أعداد كبيرة من المصابين بمثل هذه الأمراض لاسيما الفشل الكلوي.
ويكشف عضو نقابة الأطباء العراقيين سعد الغزي عن وجود شكاوى كثيرة ترد إلى النقابة بشأن تلوث المياه، والذي يتسبب به أشخاص ومؤسسات أهلية وحكومية، قبل إحالتها لوزارة الصحة والبيئة.
وأوضح الغزي، أنّ “تلوث المياه له مخاطر صحية كبيرة جدًا على حياة الإنسان، إذ إنّ مشاريع تصفية المياه تستخدم مياه الأنهار الملوثة، وهو ما سيتسبب بأمراض خطيرة، كما أنّ المخاطر تتجاوز الإنسان إلى المواشي، والتي تعتمد على مياه تلك الأنهار بشكل مباشر”.

مشكلة تلوث مياه الشرب في البصرة تفضح مزاعم الحكومة عقب إعلان حل أسبابها في السنوات الماضية

وحذر عضو نقابة الأطباء العراقيين من “خطورة إهمال هذا الملف، وعدم اتخاذ الإجراءات الرادعة بحق المخالفين، فضلاً عن أهمية التحرك على الدول التي تقطع المياه عن البلاد والذي أسهم في تلوثها”.
وحمّل الحكومة والوزارات المعنية “مسؤولية متابعة الملف داخل وخارج البلاد، وأن تكون على قدر المسؤولية للحفاظ على حياة الناس وعلى الثروة الحيوانية”.
وتتهم الحكومات المتعاقبة بعد 2003 بسوء إدارة ملف المياه وعدم استثمار مياه الأمطار بشكل صحيح فضلًا عن إهمالها لبناء السدود الأمر الذي ساهم بهدر كميات كبيرة من المياه العذبة بعد أن امتزجت مع مياه البحر المالحة في الخليج العربي إلى جانب ضعفها في إدارة المفاوضات مع دول الجوار لتأمين حصص العراق المائية المكفولة دوليًا.
وسلط تقرير صدر حديثًا عن مركز “تمكين السلام” العراقي، الضوء على إهمال الحكومات العراقية بعد عام 2003 لهذا الملف وإحجامها عن مواجهة دول الجوار، مشيرًا إلى أن الأحزاب التي ظهرت بعد 2003 إما تعتمد على دول الجوار للحصول على الدعم السياسي، أو تخشى قوتها.
ووصف التقرير دبلوماسية المياه في العراق على مدى السنوات العشرين الماضية بأنها “غير متسقة”، ما انعكس على الميزانيات المخصصة لوزارة الموارد المائية. التي يُنظر إليها منذ عام 2003، على أنها كيان “هامشي”.
ويشير التقرير إلى “تجنب متعمد” لمواجهة إيران، وينقل عن مسؤولين في وزارة الموارد المائية القول إن السلطات العليا طلبت منهم “عدم التحدث إلى إيران بشأن ذلك”.
بدوره عد مدير مركز “تمكين السلام” عمر النداوي أزمة تلوث مياه البصرة بسبب قلة الموارد المائية والملوحة، في عام 2018، من ضمن أسباب اندلاع ثورة تشرين فيما بعد.
ويرى أن مشكلة سوء إدارة الموارد المائية تسبب في تفاقم الأزمة، مشيرًا إلى أنه بالنظر إلى موازنات العراق في السنوات الماضية، ستجد أن وزارتي الموارد المائية والزراعة الأقل تمويلًا، في حين تحصل وزارات ثانوية على حصص أكبر.
وتابع “هناك اندثار للبنية التحتية، وهناك سوء للخزن، وسوء تصرف بالمياه، وسوء تطبيق لسلطة القانون في استخدام المياه”، وهي أمور تضاف إلى الجانب السياسي من الأزمة.

ارتفاع معدلات التراكيز الملحية في شط العرب يهدد بكوارث بيئية تطال سكان البصرة ومصادر رزقهم

وتسبب قطع إيران لروافد نهر دجلة عن العراق منذ عدة سنوات، وتقليل تركيا للمياه الواردة للبلد، بانخفاض نسب المياه في الأنهر العراقية، وهو ما تسبب تلقائيًا بارتفاع نسب الملوحة في شط العرب في البصرة بشكل كبير، ما أثر على الزراعة من جانب وعلى مياه الشرب والبيئة من جانب آخر.
وفي محاولة منها لامتصاص الغضب الشعبي الناقم على سوء إدارتها لملف المياه أعلنت حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني إكمال الاستعدادات من أجل إنجاز مشروع لتحلية المياه في البصرة.
ويرى وزير الموارد المائية الأسبق، محسن الشمري أن” حل مشكلة مياه الشرب بتحلية مياه البحر هو حل لجزء من المشكلة، وليس حلًا جذريًا، وهي تمثل في أقصى تقدير 10 بالمائة من المشكلة في ظل احتياجات الزراعة من المياه، ونسبة التلوث التي تعاني منها المياه في البصرة، وأزمة مياه الشرب.
ويبين الوزير الأسبق أن “المياه المتدفقة إلى البصرة تأتي من أعلى حوض دجلة وأعلى حوض الفرات، والمياه الواردة من سوريا وإيران وتركيا بها نسبة تلوث عالية، إضافة إلى نسبة التلوث التي تضيفها المدن العراقية إلى مياه البصرة”.
ويتابع “التحلية لا تعدو إلا جزء من الحل، خاصة أن تلوث المياه ينتج عنه محاصيل زراعية ملوثة ومنتجات حيوانية ملوثة، إضافة إلى تضرر البيئة”.
وعادة ما يحذر خبراء ومنظمات دولية من الاستجابة غير المسؤولة من قبل الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال بعد أن اكتفت بإعلان مشاريع وهمية وأخرى صورية لمعالجة أزمة تلوث المياه وجفافها في البصرة وباقي مدن العراق وسط مخاوف من تبعات خطيرة مستقبلًا، وما سينجم عن ذلك من كوارث تصل لدرجة تهديد سكان مناطق بأكملها بالعطش، فضلًا عن الآثار السلبية البيئية والصحية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى