أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

تحديث البطاقة التموينية يثقل كاهل العراقيين ويزيد من همومهم

مواطنون يحملون وزارة التجارة مسؤولية الفشل في إدارة ملف البطاقة التموينية الإلكترونية بعد معاناتهم الكبيرة في مراكز التحديث في بغداد ورحلتهم الصعبة لتهيئة المستمسكات المطلوبة.

بغداد – الرافدين

اشتكى مواطنون بغداديون من حالة الفوضى وسوء التنظيم المصاحبة لعمليات تحديث البطاقة التموينية الإلكترونية في مراكز التحديث في جانبي الرصافة والكرخ من بغداد واكتظاظ المراكز بعشرات الآلاف من المراجعين في درجات حرارة مرتفعة وفي أماكن غير مخصصة لاستيعاب هذه الأعداد.
وأبدت شريحة كبيرة من سكان العاصمة غضبها حيال الإجراءات المعقدة لتفعيل البطاقة التموينية الإلكترونية التي أطلقتها وزارة التجارة مؤخرًا في محاولة منها لـ “مكافحة الفساد وتحسين مواد السلة الغذائية (البطاقة التموينية)، واختصار الروتين الإداري الذي يعاني منه المستحقون” على حد تعبير الوزارة.
وحذرت وزارة التجارة، المواطنين بقطع حصصهم التموينية في حال تخلفوا عن تحديث بطاقاتهم التموينية الإلكترونية.
وبحسب بيان سابق للوزارة فإنه “وبالنظر لضعف إقبال المواطنين على مركز تحديث بيانات البطاقة التموينية الإلكترونية في بغداد/ الكرخ، فعلى وكلاء التموين في جانب الكرخ حث العوائل بغية الإسراع بتسجيل بطاقاتهم الإلكترونية وتحديث بياناتهم وبخلافه سيتم بعدها إيقاف التجهيز للوكلاء والعائلات ممن لم يتم عملية التحديث”.
ومنحت الوزارة في بيانها مهلة تنتهي مطلع شهر أيلول الجاري قبل أن تتراجع عن المهلة الأمر الذي أدى إلى حصول زخم كبير على مركز التحديث في معرض بغداد الدولي دون أن توفر الوزارة موظفين كافين لاستقبال هذا الكم من المواطنين.
ودفع بيان الوزارة أبناء بغداد إلى مراجعة مركز التحديث بأعداد كبيرة الأمر الذي أدى إلى حصول حالة من الفوضى وسط معاناة كبيرة للمواطنين وازدحامات نظرًا لعدم الاستعداد من قبل الوزارة لاستيعاب هذا الكم من المراجعين.
وعلى إثر الانتقادات الموجهة للوزارة أعلن وزير التجارة أثير داود الغريري، وضع سقف زمني لتمديد فترة تحديث بيانات البطاقة التموينية الإلكترونية.
وقال “وضعنا سقفًا زمنيًا لتمديد فترة تحديث بيانات البطاقة التموينية الإلكترونية إلى 45 يومًا، لمناطق جانب الكرخ من بغداد؛ لأجل إعطاء الفرصة للجميع بالتحديث”.

مواطنون ينتقدون العراقيل الحكومية خلال رحلتهم المكوكية في تحديث البطاقة التموينية الإلكترونية

وأبدى مواطنون، امتعاضًا شديدًا من إجراءات إكمال البطاقة الإلكترونية، فيما شبه البعض منهم إجراءات الدولة بـ”الروتين القاتل”، وسط تساؤلات عن هدف الحكومة من وضع العراقيل أمامهم في وقت يفترض فيه أن تبسط الإجراءات وتسهلها.
وتؤكد المواطنة إيمان إبراهيم عبد الله من أهالي منطقة الزعفرانية أنها استلمت من وكيل الحصة التموينية ورقة تعهد وطالب منها ملء المعلومات التي تتضمنها الورقة مع دفع مبلغ 2000 دينار ومن ثم التوجه إلى مختار المنطقة التي تسكنها ليتم منحها تأييد سكن.
وقالت المواطنة إيمان وهي أرملة وأم لطفلين “بعد ملء ورقة التعهد توجهت إلى المختار الذي طلب مني مبلغ 5 آلاف دينار، ولكني تفاجأت أن المختار وضع علامة (X) على الورقة وذكر لي أن المعلومات التي تتضمنها الورقة خطأ وطلب مني سحب ورقة تعهد أخرى من الوكيل وملء المعلومات من جديد”.
وتشكو المواطنة من الإجراءات الروتينية التي وصفتها بـ“المعقدة” موضحة أن “وكيل الحصة التموينية ومختار المنطقة غير متعاونين بتسهيل مهمة تفعيل البطاقة التموينية الإلكترونية، وأن الوكيل طالبني بالذهاب إلى النفوس وتسجيل زوجي على أنه متوف، على الرغم من تقديم شهادة الوفاة”.
وقالت إنها لن تتمكن من متابعة جميع الإجراءات الروتينية التي يفرضها الوكيل ومختار المنطقة، بسبب مسؤوليتها عن رعاية أطفالها ووضعها الصحي الذي لا يساعدها على التنقل بين الدوائر الحكومية.
بدوره بين المواطن حيدر الجزناوي، أنه “بعد إكمال الإجراءات الأولية، ذهبت إلى قائممقامية دائرة ناحية المأمون وكنت على أمل بأن يكون الإجراء سهلًا، عبر ختم الاستمارة والخروج سريعًا للتوجه نحو معرض بغداد الدولي وإكمال المعاملة خلال أقل من ساعة”.
واستطرد قائلًا “تفاجأت عند وصولي لمكان الدائرة، حينما وجدت طوابير من المواطنين التي تقف لتنتظر دورها، على الرغم من خروجي من الصباح الباكر”.
وأضاف الجزناوي، أن “الطوابير طويلة جدًا، والدائرة عبارة عن قاعتين، تخلو ممراتها من أي وسائل تكييف كالمروحة، والظروف داخل الدائرة زادت معاناة المواطنين الكبار بالسن، وهم يتصببون عرقًا”.
وأكد على أن “الدائرة تقع في ساحة مليئة بالأتربة دون أي حماية من أشعة الشمس الشديدة، والمواطنون يقفون تحتها، والإجراءات المعقدة تزيد من معاناتهم”.

وعلى الرغم من أهمية تفعيل أنظمة الحوكمة الإلكترونية للحد من نسب الفساد يؤكد اقتصاديون تأخر العراق في العمل بهذا النظام، وأن الإجراءات المتبعة للعمل بالبطاقة التموينية الإلكترونية يجب أن تسبقها خطوات قبل خطوة التوجه إلى المواطنين لاستحداث البيانات.
ويقول الخبير في الشأن الاقتصادي الدكتور خطاب ضامن إنه “في الوقت الذي تطالب فيه وزارة التجارة المواطنين بالمضي بإجراءات تفعيل البطاقة التموينية الإلكترونية، ترفض إضافة المواطنين حديثي الولادة للبطاقة التموينية الأمر الذي وضع المواطنين في حيرة”.
ويشدد على الحاجة الكبيرة لفتح مراكز أخرى، تتضمن ملاكات من مختلف الدوائر المعنية لتسهيل المهمة على المواطنين باستحداث بياناتهم الرسمية سواء بالحذف والإضافة واستحداث البينات الرسمية.
ويشير إلى أنه على الرغم من أن “الحوكمة الإلكترونية خطوة صحيحة للسيطرة على نسب الفساد التي تعاني منها البلاد إلا أن هناك حاجة إلى تعاون دوائر حكومية أخرى كدائرة النفوس لاستحداث البيانات وبالتالي التقليل من معاناة المواطنين”.
ويعتمد العراقيون منذ 33 عامًا على مشروع البطاقة التموينية الذي ابتكره العراق عام 1991 لمواجهة الحصار الاقتصادي.
وحظي المشروع بإشادة منظمات وخبراء اقتصاديين بفضل قدرته على انتشال العراقيين من المجاعة في ظل الحصار.
إلا أنه يشهد اليوم خللًا في إدارته وتراجعًا في كمية المواد الممنوحة للمستفيدين من البطاقة فضلًا عن توزيع مفردات غير صالحة للاستهلاك البشري.
ويستفيد من البطاقة التموينية 80 بالمائة أو أكثر من الشعب العراقي، وحاولت الحكومات المتعاقبة بعد 2003 في أكثر من مرة إلغاءها لكن للأمر تبعات وخيمة، قبل أن تقدم على حجبها عمن يبلغ مرتبه مليون دينار فضلًا عمن اختار الهجرة إلى الخارج هربًا من جحيم الحياة في العراق.
ومع هذا لم يستفد الأكثر استحقاقًا من العراقيين من مفردات الحصة التموينية من قرار الحجب وبقيت المفردات الموزعة بين الحين والآخر وبشكل متقطع مثار سخرية عند العراقيين بسبب فسادها والكميات المتواضعة التي تتضمنها.

واعتاد العراقيون على “الفضائح” المتعلقة بجودة المواد الغذائية التي يتم استيرادها عن طريق وزارة التجارة، ولم يعد مستغربًا أن يتداول العراقيون صورًا لرداءة المواد الموزعة عليهم والتي تجلبها الحكومة من أسوأ المناشئ والتي لا تصلح في أحسن الأحوال بأن تكون علفًا للحيوانات كما يعبر عراقيون إلى جانب التلاعب في أوزان الحصص الموزعة.
وكانت هيئة النزاهة، قد دعت منتصف شهر آب الماضي، المواطنين في بيان، إلى “التأكد من وزن مفردات حصتهم التموينية التي تقدر بالوزن قبل ان يستلموها (بالغرامات) لمنع الفاسدين من سرقة غذائهم” على حد تعبير البيان.
وجاءت هذه الدعوة عقب رصد مواطن تلاعبًا في أوزان الحصة التموينية التي توزعها وزارة التجارة حينما أعاد وزن مفردات حصته الرديئة التي نخرها الفساد والديدان ووجدها لا تطابق الوزن الموثق.
وعلى إثر تداول هذا المقطع على نطاق واسع تزامنًا مع عرضه في برنامج “صوتكم” الذي تبثه قناة “الرافدين” الفضائية نفت المديرة العامة للشركة العامة لتجارة المواد الغذائية لمى الموسوي “وجود تلاعب في أوزان مواد السلة الغذائية”.
واكدت الموسوي أن “مواد السلة متوفرة بالمخازن العراقية وهي تتميز بأنها خاضعة للفحص قبل دخولها إلى المخازن وتوزيعها بين المواطنين وأن ‏جميع مواد السلة ذات جودة عالية وتتمتع بمواصفات لا يمكن التلاعب بها”.
إلا أن المقاطع المتداولة لسوء جودة مفردات الحصة التموينية تفضح زيف هذه التصريحات بعد أن جانبت الصواب في محاولة للاستخفاف بعقول العراقيين كما يعبر مدونون وناشطون.
وأكد المدونون أن هذا الأمر كان واضحًا في مفردات حصة شهر آب الماضي حينما كانت مادة الفاصولياء مليئة بالديدان ولا تصلح علفًا للحيوانات.
فيما نشر آخرون من البصرة لقطات توضح رداءة مادة الطحين التي جرى توزيعها مع بداية شهر أيلول الجاري في المدينة الغنية بالنفط.

وبسبب الفساد والفشل في إدارة هذا الملف من قبل وزارة التجارة يعاني المواطنون لاسيما الفقراء والكادحون ومحدودي الدخل من آثار انخفاض قيمة الدينار أمام الدولار، تزامنًا مع الارتفاع المطرد بأسعار السلع الغذائية.
وحاولت وزارة التجارة الدخول على خط أزمة ارتفاع الأسعار للتغطية على فشلها في إدارة ملف الحصة التمونية لتعلن افتتاح معارض خاصة لتوفير بعض المنتجات بأسعار تنافسية من بينها اللحوم والأجبان.
وأبدى مواطنون زاروا تلك المعارض في بغداد، استياءهم في منشورات على صفحات التواصل الاجتماعي من رداءة البضاعة المعروضة، مؤكدين أن “رائحتها لا تطاق، وتفاجؤوا بحجم الردود على صفحاتهم حيث ابلغهم أصدقاء ومقربون منهم انهم تبضعوا في وقت سابق وكانت النتيجة كارثية حيث وصفوا طعم المنتجات بالكريهة”.
وأقر مسؤول في وزارة التجارة بـ “بفشل التجربة” مؤكدًا أن “الوزارة تتلف نصف الكميات التي يتم استيرادها لهذا الملف بسبب رداءتها”.
وأوضح، المسؤول مفضلًا عدم ذكر اسمه لحساسية الملف أنه “شخصيًا لا يدخل هذه المنتجات إلى منزله أو السماح لعائلته بتناولها لأن اللحوم المستوردة هندية المنشأ ومعروفة بالأسواق (روست) وتصل على مراحل وتتعرض للذوبان والتجمد أكثر من مرة”.
وبين أن “الوزارة تفحص تلك المنتجات وتتلف نصفها في كل مرة والمتبقي يسوق إلى المعارض الخاصة بالبيع المباشر”.
وأشار إلى أن “نوعيات الأجبان التي يتم استيرادها متوسطة الجودة، وأسعارها رخيصة من المصدر بالأساس”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى