أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

في اليومين الدوليين للقانون والديمقراطية: العراق تحت وطأة قضاء واهن وديمقراطية زائفة

مجلس القضاء الأعلى يعكس صورة مشوهة للقضاء العراقي لم يمر بها منذ تأسيس الدولة العراقية، حيث قام بتفسير القانون وفق مصالح أصحاب النفوذ في الأحزاب الحاكمة.

بغداد – الرافدين
أجمع عراقيون في اليوم الدولي للديمقراطية الذي يوافق الخامس عشر من أيلول، واليوم الدولي للقانون الذي يوافق الثالث عشر من أيلول في كل عام، على أن العراق ما زال يعاني من آثار الديمقراطية المزعومة التي أتت بها أمريكا منذ غزوها للبلاد عام 2003 وانتجت نظامًا سياسيًا هجينًا يفتقر للقانون، انهارت معه الدولة بجميع مفاصلها، في ظل تسيد السلاح المنفلت وازدياد السطوة العشائرية والانتقام وتغول الفساد. فيما انهار القضاء بوصفه الدرع الأخير للمحافظة على مفهوم الدولة وأصبح هامشًا لأحزاب سياسية عندما أسهم في افلات الجناة من العقاب.
وتحتفل الأمم المتحدة في الخامس عشر من أيلول في كل عام باليوم الدولي للديمقراطية بهدف تعزيز مبادئ الديمقراطية والتمسك بها، كما خصصت الثالث عشر من أيلول من كل عام للاحتفال باليوم الدولي للقانون، لتسليط الضوء على أهمية القانون الدولي وتأثيره على حياة الأفراد والمجتمعات.
وشدد عراقيون، على وصف الوضع في العراق بالأسوأ في المنطقة في ظل ازدواجية القضاء وتسييسه من قبل أحزاب العملية السياسية، خدمة لأجنداتها وحماية لمصالحها وميليشياتها، ما ساهم في إفلات الجناة من العقاب.
وأشاروا إلى أن الديمقراطية تحولت إلى كذبة سمجة منذ أن وعد بوش الابن بجعل “العراق واحة الديمقراطية في المنطقة” بينما العراق اليوم يتبوأ المراتب العليا كدولة فاسدة وفاشلة وفق مؤشر الشفافية الدولية.

مؤسسة “غالوب” الدولية: غالبية العراقيين يرون أن الحياة كانت أفضل قبل احتلال العراق عام 2003، وأن الولايات المتحدة احتلت بلادهم للتحكم في مواردها وليس كما زعمت من أجل تصدير الديمقراطية

وسبق أن كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “غالوب” الدولية أن غالبية العراقيين يرون أن الحياة كانت أفضل قبل احتلال العراق عام 2003، وأن الولايات المتحدة احتلت بلادهم للتحكم في مواردها وليس كما زعمت من أجل تصدير الديمقراطية.
وأكدت نتائج الاستطلاع على أن مصادر عدم الاستقرار السياسي في العراق متعددة ومعقدة. وعزت ذلك إلى استمرار السلطة السياسية الفاسدة في العراق التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالسيطرة على الدولة والموارد الطبيعية، مما يعني أن الأحزاب السياسية والميليشيات الحاكمة لا تدفع باتجاه تشكيل تحالفات مستقرة وضرورية لإحداث تغيير حاسم.
وأقرّ 88 من المشاركين في الاستطلاع بانتشار الفساد الحكومي، حيث يتربع العراق على قمة مؤشر الفساد العالمي وينافس الدول الفاسدة على مستوى العالم مثل نيجيريا ولبنان وكينيا وبورتوريكو.
وتصاعد مستوى الفساد السياسي والمالي بمؤشرات عالية وبشكل ثابت منذ عام 2018.
واتفق 51 بالمائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم على أن الولايات المتحدة غزت العراق للسيطرة على الموارد، وليس وفق مزاعمها بشأن القضاء على أسلحة الدمار الشامل التي ظهر أنها كاذبة، وتحويل العراق إلى دولة ديمقراطية.
وقال أكاديمي عراقي إن “الأوضاع في العراق لم تتحسن بما فيه الكفاية، سواء على مستوى الاقتصاد، أو البنية التحتية، أو الخدمات، أو وحدة المجتمع، أو سيادة الدولة.
وأوضح الأكاديمي العراقي حقيقة كذبة الديمقراطية الأمريكية، التي “أنتجت بعد عقدين من الزمان، عملية سياسية عرجاء، يشوبها الفساد المالي والإداري والمحاصصة الطائفية واقتسام الموارد بين القوى المتنفذة”.
وعملت حكومات الاحتلال المتعاقبة طوال عشرين عامًا على تكريس المحاصصة الطائفية، واتباع سياسة الانتقام من الأصوات المناهضة، وتغييب الآلاف من العراقين، وتسييس القضاء وفق أهوائها وما يتناسب مع مصالحها، كان آخرها حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني التي عمدت إلى تقييد الحريات وقمع الأصوات المناهضة ومنع أي محاولة للتأثير على الرأي العام في العراق، خشية الانتفاضات الشعبية الداعية للإطاحة بهم.
وتحرص حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني بمساعدة القضاء في العراق، على عدم تكرار سيناريو ثورة تشرين 2019، من خلال اختطاف وتصفية الناشطين والصحفيين والخبرات الوطنية التي تطالب بحفظ سيادة العراق وإنهاء التبعية والولاء للأجندة الخارجية، وتمييع قضاياهم والبت فيها، وتلفيق التهم الجاهزة.
وقال الصحفي وسام الملا، “لم يجنِ العراقيون أي مكاسب، ما عدا هامش من حرية التعبير الذي بات يضيق شيئًا فشيئًا، بسبب ملاحقة أصحاب الرأي واعتقال المدونين ومحاسبة كثير من الناشطين والصحفيين والإعلاميين”.
وأضاف “بعد عشرين عامًا، صرنا نحلم بالخلاص من الطبقة السياسية الحاكمة، ونتطلع إلى التغيير ثانية، على أن يكون تغييرًا إلى نظام ديمقراطي حقيقي، أسوة بالانظمة الديمقراطية في دول العالم المتحضرة”.
وتحول القانون في العراق بعد عام 2003 إلى أداة بيد قضاء شريك ومنقذ لأحزاب فاسدة ولصوص دولة.
ويمثل مجلس القضاء الأعلى الذي تم تشكيله بموجب قرار الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر بعد الاحتلال، واجهة لتمرير قرارات غير شرعية والتواطؤ مع عمليات فساد كبرى وإفلات الجناة من العقاب. وتفسر فقرات القانون وفق مصالح الأحزاب والميليشيات المتحكمة بالسلطة.
ويعكس مجلس القضاء الأعلى صورة مشوهة للقضاء العراقي لم يمر بها منذ تأسيس الدولة العراقية، حيث قام بتفسير القرارات وفق مصالح أصحاب النفوذ في الأحزاب الحاكمة.
ومع أن ديباجة مجلس القضاء تؤكد على استقلاله، إلا أن هذا الكلام لا يمثل إلا نفسه على الورق فمجلس القضاء الأعلى مجرد أداة قانونية لتمرير قرارات غير عادلة بحق العراقيين وتسويغ عمليات فساد كبرى في الاستيلاء على ثروة البلد منذ عام 2003، وإطلاق جناة ثبت بالدليل دورهم في تصفية وقتل العراقيين على الهوية.
وأكد خبراء على أن هيبة الدول تقاس بقضائها باعتباره الحصن الأخير قبل انهيار مفهوم الدولة، وتجارب العقدين الماضيين تؤكد أن القضاء في العراق كان شريكًا وفاعلًا ومدافعًا عن أكبر عملية سرقة لمفهوم الدولة في التاريخ.
ولا يعول العراقيون على سلطة القضاء ويعدونه هامشًا لعملية سياسية ودستور مسخ أنتج نظامًا سياسيًا فاشلًا.
وسبق أن سلط التقرير السنوي لقسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق لعام 2022، الضوء على انهيار منظومة القضاء في العراق وإفلات الجناة من العقاب.
وذكر التقرير أنه ما يزال العراق ما بعد الاحتلال الأمريكي يتذيل قائمة الدول في قضايا حقوق الإنسان بشكل عام، وما تزال الحكومات المتعاقبة متقاعسة عن محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق المدنيين العراقيين، ولاسيما المسؤولين عن المقابر الجماعية وجرائم الاختفاء القسري والقتل خارج القانون والاعتقالات التعسفية التي تستهدف معارضي ومنتقدي الأحزاب المتنفذة والميليشيات المتحالفة معها، مع انتشار التعذيب الممنهج في كافة السجون الحكومية المعلنة لإجبار المعتقلين على الاعتراف بجرائم لم يرتكبونها، وسط استمرار تغاضي منظومة القضاء لمزاعم موثوقة عن وقوع التعذيب، وإصرار القضاة على إصدار أحكام تصل إلى الإعدام بحق متهمين، متجاهلين غياب أبسط مقومات المحاكمات العادلة، بالتزامن مع سكوت هذه المنظومة عن قضايا الفساد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، الأمر الذي يعزز حالة إفلات المرتكبين الحقيقيين من العقاب، وما يرافقها من فوضى أمنية وارتفاع معدلات الجريمة وتجذر الفساد في جميع الدوائر الحكومية، الأمر الذي يجعل العراق متصدرًا القائمة السوداء لمؤشر الإفلات من العقاب العالمي، ومن البلدان الأكثر خطرًا والأكثر فسادًا في العالم.

غياب واضح للقانون في العراق
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى