خبراء دوليون لايعولون عن تطمينات حكومة السوداني بشأن مخاطر انهيار سد الموصل
وزارة الموارد المائية تعترف بأن شركة "تريفي" الإيطالية التي حصلت على عقد صيانة سد الموصل في عام 2016، قامت بتنفيذ أعمال صيانة غير مطابقة للمواصفات.
نينوى ــ الرافدين
قدمت حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني “تطمينات” إعلامية لايعول عليها الخبراء حيال تحذيرات دولية بشأن الكارثة المحتملة إذا انهار سد الموصل مذكرين بما حصل في سد درنة في شرق ليبيا، مع اختلاف جغرافيا المدينتين.
واكتفت وزارة الموارد المائية بإعلان أن “وضع سد الموصل مستقر ولا صحة لانهياره كما أشيع مؤخرًا من قبل وسائل الإعلام”.
ولم تعلق الوزارة على التحذيرات الهندسية التي أوردتها شبكة ناشيونال جيوغرافيك الأمريكية من أن مخاطر انهيار سد الموصل شمال العراق، وأن الخسائر ستكون كبيرة في حال لم تتدارك السلطات الأمر عن طريق إصلاح وصيانة السد والاستعداد لأي طارئ قد يحصل.
وأطلقت جهات محلية ودولية التحذيرات من قرب انهيار سد الموصل وفقًا لمؤشرات هندسية، مطالبة الجهات الحكومية بضرورة التعامل بجدية مع هذه التحذيرات لمنع حدوث كارثة إنسانية.
وذكرت الشبكة بأن السد الأكبر في البلاد يواجه خطرًا جديًا وغير مسبوق والذي قد تنجم عنه موجة مد مائي تمتد لمسافة 175 ميلًا على امتداد نهر دجلة إلى مدينة سامراء.
وعرضت التداعيات التي يمكن أن يخلفها انهيار سد الموصل شمالي العراق، والذي وصف بأنه “أخطر سد في العالم” سواء من ناحية الخسائر البشرية وكذلك تلك المتعلقة بالمواقع الأثرية التي تنتشر على جانبي نهر دجلة.
وأشارت الشبكة في تقريرها إلى أن مواقع نمرود ونينوى الآثارية التي تمثل أقدم حضارات العالم في الألفية الأولى قبل الميلاد ستكون عرضة للفيضان والاندثار حال انهيار السد.
ولفتت إلى أن رصانة ومتانة البنية الهيكلية لسد الموصل تشكل قلقًا، حيث يتطلب إلى عملية حقن مستمرة لدعم هيكله البنياني.
ويرى أستاذ علم الآثار في جامعة بوسطن مايكل دانتي أن من الصعب التوصل إلى تقديرات أخرى غير أن آلاف المواقع الأثرية والمواقع التراثية سوف تمحى، مضيفًا إلى أنه ستكون هناك خسارة غير مسبوقة في البلاد.
وتتزامن التحذيرات بشأن سد الموصل مع الكارثة الإنسانية التي شهدتها مدينة درنة الليبية حيث تسببت الأمطار الغزيرة الناجمة عن عاصفة البحر الأبيض المتوسط “دانيال” في حدوث فيضانات وسيول مميتة.
ولم تكن هذه التحذيرات جديدة، بل سبقتها السفارة الأمريكية في بغداد عام 2016، حين طلبت من مواطنيها الاستعداد لمغادرة العراق في حال وقوع ما وصفته بالكارثة إذا انهار السد.
وقالت وزارة الموارد المائية الحالية إن سد الموصل آمن وأن مخزون السد المائي حاليًا لا يتجاوز ثلث قدرته الاستيعابية، وبالتالي لا توجد مخاطر تهدد انهياره حسب قولها.
وعلى الرغم من تطمينات وزارة الموارد المائية بشأن حالة سد الموصل، إلا أن هذه التصريحات لا يمكن أن تكون مدعاة لطمأنينة العراقيين وهم الذين خبروا مقدار التخبط والفشل في إدارة الدولة لاسيما في ملف المياه.
وأشار عضو جمعية حماة دجلة أحمد المشهداني، إلى أن أوضاع السدود العراقية لا تطمئن لا سيما أن الاهتزازات التي تعرضت لها مدن شمال العراق وصل مداها إلى محافظات قريبة من بغداد، مثل محافظة صلاح الدين وبعض أطراف محافظة كركوك، وهذا يعني احتمالية تأثر سد الموصل ما لم يتم اتخاذ خطوات حقيقية لحماية السد من الانهيار.
وأضاف أن الحكومة الحالية لم تهتم كثيرًا بملف السدود، مشددًا على ضرورة تكثيف الجهود والتعاون مع الفرق والمنظمات المتخصصة والباحثين في هذا الشأن.
وقال المتخصص في شؤون المياه الدكتور نظير عباس الأنصاري إنه لا يمكن المجازفة برفع منسوب المياه في سد الموصل إلى أكثر من مستوى 319 مترًا لكيلا يتعرض السد للانهيار.
وطالب الأنصاري في تصريح لقناة “الرافدين” الجهات المعنية بمراقبة وصيانة السد بشكل دوري وتصريف المياه الزائدة لتفادي المخاطر.
وحذر من موجات هطول الأمطار الكبيرة في البلاد وضرورة اتخاذ الاحتياطات لمنع التأثير على القدرة الاستيعابية للسد.
وتثير التغييرات الجيولوجية المتسارعة في المنطقة قلق العراقيين حيال وضع السدود على نهري دجلة والفرات لا سيما أنها قديمة وبعضها لم يخضع للصيانة منذ الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003.
وتشير مصادر هندسية إلى أن هذه السدود ليست بالقوة التي تتحمل الكوارث الطبيعية بالنظر لتعرضها للإهمال من قبل الحكومات المتعاقبة.
وأكد المسؤول في وزارة الموارد المائية علي هادي الخزعلي، على احتمال وقوع أضرار بسيطة في السدود، نتيجة الزلزال والهزات الارتدادية والتي تستدعي إلى المعالجة والصيانة.
ونقلت تقارير محلية الأنباء عن حدوث انهيارات في القسم السفلي من السد، كما وأصبح واقع سد الموصل في الآونة الأخيرة الشغل الشاغل لمراكز الدراسات والبحوث ووسائل الإعلام المحلية والدولية، كون انهياره سيخلف كارثة إنسانية لا يحمد عقباها في نينوى وبالمحافظات الأخرى الواقعة بينها.
وسبق أن حذرت وزارة الخارجية الأمريكية من الأخطار المحيطة بالسد واحتمالات انهياره وتشريد مئات الآلاف من العراقيين، إذا لم تتوفر الموارد المطلوبة لصيانته، إلا أن تلك التحذيرات لم تلق الصدى المناسب من قبل الجهات الحكومية.
وأشارت الخارجية الأمريكية بأن إجراءات إصلاح السد تعطلت بسبب غياب الموارد المالية المطلوبة، مؤكدة أن مئات الآلاف من العراقيين قد يجدون أنفسهم بلا مأوى جراء انهيار سد الموصل.
واستبعد مدير سد الموصل رياض عز الدين انهيار السد، إلا أنه لم ينف وجود مخاطر يعاني منها السد، أبرزها التشققات الكبيرة في منطقة الجسم والتي تحدث عند زيادة كميات المياه المخزونة وعدم وجود طرق مناسبة لتصريفها.
وأشار إلى عدم حصولهم على استجابة من قبل الحكومة بشأن الإبلاغات عن حالة السد والمخاطر التي تحيط به.
وطالب وزارة الموارد المائية بضرورة التعامل الجاد مع التحذيرات التي تطلقها مراكز البحوث والدراسات بشأن سد الموصل كون الكثير من خبراء السدود قد زاروا السد وأطلعوا على حالته.
ولا يزال هناك الكثير من الإجراءات التي يجب القيام بها لضمان سلامة السد، إلا أن نقص التمويل والفساد المستشري في العراق بعد عام 2003 يعرقلان صيانة السد بصورة صحيحة.
وبرزت على مر السنوات الماضية سلسلة اتهامات بأعمال فساد تتعلق بعقود صيانة سد الموصل.
واعترفت وزارة الموارد المائية بأن شركة “تريفي” الإيطالية التي حصلت على عقد صيانة سد الموصل في عام 2016، قامت بتنفيذ أعمال صيانة غير مطابقة للمواصفات.
وقالت الوزارة إن الشركة استخدمت مواد وتقنيات رديئة في أعمال الصيانة، مما قد يعرض السد للخطر إلى جانب اختلاس حوالي 100 مليون دولار من أموال الصيانة، فيما اكتفت هيئة النزاهة بالتحقيق دون توجيه أي اتهامات جنائية ضد الشركة في قضايا الفساد المتعلقة بعقود صيانة السد.
ويرى مراقبون أن إهمال سد الموصل لا يمثل حالة فريدة من نوعها للتعبير عن فشل الحكومات المتعاقبة في حماية المنشآت الاستراتيجية للبلاد.