أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

ارتفاع مطرد بالوفيات داخل السجون الحكومية جراء التعذيب والإهمال وتفشي الأمراض

مطالبات شعبية بإقرار قانون العفو العام وعدم إفراغه من محتواه ليضمن إعادة محاكمة المعتقلين ممن انتزعت اعترافاتهم تحت وطأة التعذيب.

بغداد – الرافدين

أكدت مصادر صحفية وفاة 11 معتقلًا في السجون الحكومية في العراق خلال 30 يومًا فقط جراء التعذيب وقلة الرعاية الصحية وتفشي الأمراض المزمنة في أحدث إحصائية مفزعة لمعدلات الوفيات داخل السجون الحكومية في البلاد.
وتزامن الإعلان عن وفاة هذا العدد من المعتقلين مع تنظيم العشرات من عائلات المعتقلين تظاهرة في بغداد وسط انتشار أمني كثيف للمطالبة بالإسراع في إقرار قانون العفو العام وإطلاق سراح أبنائهم.
وعرض برنامج “صوتكم” الذي تبثه قناة “الرافدين” الفضائية شهادات لنساء مشاركات في التظاهرة في ساحة النسور ببغداد، تضمنت حقائق مرعبة عن الوضع المأساوي في السجون الحكومية والانتهاكات المميتة التي يتعرض لها المعتقلون من قبل ضباط التحقيق وهو ما يفسر الزيادة المطردة في الوفيات بين صفوفهم.

ووصف الصحفي عثمان المختار السجون الحكومية بـ “مسالخ الموت” عقب وفاة 11 معتقلًا في سجون التاجي والحلة والحوت.
وقال المختار في منشور له على منصة أكس “عدا عن الابتزاز والانتهاكات اليومية فإن التدرن يتفشى في سجن التاجي شمالي بغداد منذ عدة أيام في وقت يواصل حرّاس وموظفو السجن الاتجار عبر بيع الأدوية ودقائق الاتصال على النزلاء”.
وخلال السنوات الماضية زج بمئات الآلاف من العراقيين داخل السجون، بناءًا على اعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب ومحاكمات غير أصولية، أو بسبب “التهم الكيدية” من قبل من يعملون “مخبرين سريين”، إذ اندرجت أغلب تلك القضايا التي أثيرت ضدهم تحت سقف العداوات الشخصية والتصفيات السياسية.
وقال عضو اللجنة العليا للميثاق الوطني العراقي مكي النزال إن “بعض السجناء والمعتقلين والمحتجزين صدرت بحقهم أحكام جائرة في محاكم ليست أقل سوءًا من محاكم التفتيش سيئة الصيت فالقضاة لديهم زبانية يسمونهم بالمخبرين السريين وهم زمرة ضالة تعتاش على الإخبار الكاذب وتقبض ثمن الشهادة الزور لتعطي الذريعة لأسيادها أن يبيدوا شريحة الشباب السنة عمومًا والمعارضين من الشيعة”.
وأضاف أن “المنظمات الإقليمية والأممية والدولية نائمة على آذان مؤسسيها ومدرائها الذين كانوا يومًا يشعرون بالقلق لكنهم الآن تناولوا الحبوب المثبطة للضمير فانتفخت حساباتهم البنكية ونامت مشاعرهم الإنسانية وغطوا في نوم عميق”.

ويتحدث معتقلون سابقون عن تعرضهم لشتى أنواع التعذيب ابتداءً من الضرب بأنابيب بلاستيكية وأسلاك الكهرباء، على جميع أجزاء أجسادهم وتعرضهم لإصابات بليغة جراء ذلك، أو بسكب الماء البارد عليهم في فصل الشتاء فضلًا عن قطعه عنهم في فصل الصيف، أو الحبس الانفرادي لعدة أيام أو صعقهم بالكهرباء والضرب المبرح على الوجه، وتعليقهم في السقوف من أيديهم أو أرجلهم وإبقائهم بتلك الوضعيات لساعات عديدة.
ويروي معتقل سابق ما زالت آثار التعذيب باديةً على أنحاء متفرقة من جسده، مع عاهة دائمة في رجله اليمنى جعلته غير قادر على المشي باستقامة بعد أن رفض الكشف عن هويته، ما تعرض له من انتهاكات داخل السجن.
ويستعرض أبو مرام كما يكنى والذي مازالت تطارده كوابيس السجن هول ما شاهده من مآسي عقب اختطاف اثنين من الموظفين الكبار في شركة المقاولات في المسيب بمحافظة بابل والتي كان يعمل فيها كسائق سيارة حمل منتصف سنة 2007 واتهام مجموعة من الموظفين في الشركة باختطافهما، وكان هو واحد منهم.
ويتابع “داهمت قوة عسكرية منزلي وروعت عائلتي ووضعوا القيود في يدي ثم سلموني لمكافحة إرهاب الأعظمية، وبقيت هناك، في حجرة صغيرة طولها متر ونصف وعرضها 75 سنتيمترًا ولم أكن أخرج منها إلا إلى غرفة التحقيق لأتعرض للتعذيب بالسياط والهراوات والركل بشكل يومي، وكان ذلك يبدأ عادةً بعد منتصف الليل”.
وأضاف أبو مرام الذي هاجر البلاد واستقر مع أسرته في ولاية بولو التركية، منذ أكثر منذ ست سنوات وهو ويشير إلى رجله اليمنى، ويقول بنبرة حزن “تضرر عصب رجلي بسبب الضرب المبرح ليحصلوا مني على اعتراف بجريمة لم أرتكبها، لذا فانا أعرج في مشيتي”.
وبين في شهادته “لقد كانوا يعذبونني لأسابيع من دون أن يأخذوا مني الاعترافات التي يريدونها، ثم يعرضونني على قاضي التحقيق، فيطلب إعادة التحقيق، أي إعادة فترة التعذيب، وأخيرًا وقّعت لهم على ورقة مكتوب فيها مسبقًا أنني اشتركت في خطف الموظفين وقتلهما، بعد أن أخذت من عائلتيهما فديةً ماليةً”.
وعلى ضوء ذلك صدر حكم ضده بالسجن 40 سنةً أواخر سنة 2009، وبعد نحو خمس سنوات، ألقي القبض على المتهمين الحقيقيين بخطف موظفي شركة المقاولات وقتلهما، وتمت إعادة محاكمة أبي مرام، في محكمة الجنايات المركزية في بغداد، الهيئة الثالثة، التي قررت الإفراج عنه لعدم كفاية الأدلة في 9 آذار 2015.
ولم يطلق سراحه مباشرة، بل تنقل من سجن إلى آخر لغاية سنة 2017 بذريعة التأكد مما إذا كان متهما بقضايا أخرى”.
ويشير متحسرًا إلى أن حكم البراءة لم يكن كافيًا، لأن بعض المتصيدين في الماء العكر قد حكموا عليه بالإرهاب بمن فيهم بعض أقربائه ممن كانوا يتعاملون معه بريبة، ليقرر على إثر ذلك ترك البلاد بأسرها والبحث عن مكان يعيش فيه مع أسرته “بسلام”.

أبو مرام.. معتقل ينتزع حريته بعد إجباره على توقيع اعترافات بجرائم لم يرتكبها جراء التعذيب

بدورها تبين السيدة خديجة “66 عامًا” والتي تقطع في كل مرة مسافة 780 كلم من الموصل مركز محافظة نينوى، حيث تسكن، لتصل الى سجن الناصرية‌ المعروف بسجن الحوت، في محافظة ذي قار جنوبي العراق، لزيارة ابنها خالد (30 عامًا) المحكوم بالسجن المؤبد بجريمة الانتماء لتنظيم داعش.
وتبين السيدة المتشحة بالسواد حزنًا على فراق ابنها أن آخر زيارة أجرتها له كانت في شهر شباط 2023، ولم تمتد سوى ساعتين، وهما اللتين تسمح بهما إدارة السجن لعائلات المعتقلين.
وأشارت وهي تمسح دموعها بكم ثوبها إلى أن ابنها اعتقل بوشاية مخبر سري في 24 كانون الأول2017 بعد أشهر من استعادة نينوى وحوكم إثر اعترافات تقول إنها “حصلت تحت التعذيب”.
وتكشف السيدة المنهكة جراء فقدها لابنها أنها تقضي يومًا كاملًا في الذهاب والإياب من وإلى السجن بعد أن ظلموا ولدها وظلموها عندما وضعوه هناك بعيدًا في سجن الحوت على حد تعبيرها.
وتتابع “والله لو كانت لخالد علاقة بإرهابيي داعش، لكنت أول من تتبرأ منه، لكن والله ابني بريء وقد اعترف بجرائم لم يرتكبها تحت التعذيب”.
وتضيف “أخبرني في إحدى الزيارات بأنه أرغم على الاعتراف بالإكراه خلال مراحل التحقيق، وأنه لم يحتمل آلام الضرب المبرحة فأقر بشيء لم يفعله وهو الانتماء لداعش، والاشتراك بعمليات مسلحة ضد القوات العراقية خلال عمليات استعادة الموصل”.
وتحمل الأم بنبرة حزينة محكمة جنايات نينوى المسؤولية بعد أن أصدرت الحكم على ابنها بدليل الاعتراف، لكنها لم تأخذ بنظر الاعتبار ما تعرض له من تعذيب أجبره على ذلك الاعتراف الخيالي كما تصفه.
وتأمل خديجة، أن يحظى خالد بمحاكمة ثانية في أجواء تضمن عدالة سيرها، أو أن يقر قانون العفو العام، لإنقاذ ابنها وعشرات الآلاف من المحكومين الآخرين بتهمة الإرهاب، ومن خلال وشايات المخبر السري واعترافات تقول عائلات المحكومين بإنها “قدمت تحت التعذيب”.

وتمارس قوى وميليشيات الإطار التنسيقي، ضغوطًا كبيرة لعرقلة تمرير تشريع قانون العفو العام بصيغته الحالية، إلا بعد إجراء تعديلات جذرية تفرغه من محتواه، وتجعل من نصوصه عاجزة عن إنصاف عشرات الآلاف من المعتقلين ممن زجوا في السجون ظلمًا وبتهم كيدية.
ومع استمرار العراقيل التي يضعها الإطار التنسيقي والتي حالت دون التمكن من قراءة مشروع القانون داخل البرلمان فإن أقوى تهديد صدر ضد المشروع كان من زعيم ميليشيا بدر وتحالف الفتح هادي العامري الذي هدد باللجوء للدم في حال تمريره.
وقال العامري في بيان “نعلن رفضنا لأي تعديل غير دستوري على قانون العفو العام؛ ما يتيح للتنظيمات الإرهابية فرص الالتفاف على دستور الدولة والإفلات من قبضة العدالة”.
وتابع “كما سالت دماؤنا من أجل الدولة ومن أجل زج المجرمين في السجون فإنها ستعود تسيل لأجل منع إخراجهم منها ولن نخضع للاتفاقات السياسية”.
بدوره يرى الخبير القانوني علي التميمي وجود “حاجة فعلية لإقرار قانون العفو العام، بسبب اكتظاظ السجون وانتشار الأمراض فيها، ناهيك عن وجود أعداد كبيرة من السجناء، سجنوا ظلمًا”.
وقال “من واجب البرلمان الاستعجال في إقرار قانون العفو العام، في ظل وجود رغبة شعبية واضحة تطالب بإقراره لإنصاف فئات كبيرة وللإسهام في تعزيز السلم المجتمعي”.
وكانت مفوضية حقوق الإنسان في العراق قد أكدت وجود ما يقارب من 76 ألف معتقل موزعين على العشرات من مراكز التحقيق والاحتجاز والسجون.
فيما أعلنت وزارة العدل في حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في نيسان 2023 عبر المتحدث باسمها كامل أمين، أن هناك نحو 60 ألف سجين في السجون، والتي لا تستوعب في الأساس أكثر من 25 ألف سجين.
وتشكك مراصد حقوقية في هذه الارقام وتؤكد وجود أعداد أكبر من المعلن عنه رسميًا لاسيما في السجون السرية التي تديرها الميليشيات والتي يعد من فيها ضمن إطار المغيبين والمخفيين قسريًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى