آلاف المهجرين يعيشون حالة نزوح دائمة ما بين مخيمات ومساكن عشوائية
البعثة الطبية البولندية: النازحون يتعرضون للاضطهاد من قبل السلطات الحكومية في العراق، وعودتهم إلى مناطقهم قد تعرض حياتهم للخطر من قبل الميليشيات المنتشرة في مناطقهم.
بغداد – الرافدين
أثارت تصريحات حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني، بشأن إنهاء ملف النزوح وعودة المهجرين إلى مناطقهم انتقادات واسعة من قبل العائلات المهجرة وجهات حقوقية، مؤكدين أن “الكلام لا يطابق الواقع”، داعين إلى إنصاف النازحين خاصة في المناطق التي أحدثت فيها الميليشيات المسلحة تغييرًا ديمغرافيًا وفرضت سيطرتها عليها.
وتروج حكومة السوداني عبر وزارة الهجرة والمهجرين دعاية زائفة بالعمل على إرجاع جميع النازحين طوعًا إلى مناطقهم الأصلية، وإنهاء ملف النازحين، وسط تأكيدات من مسؤولين في الوزارة نفسها على أن إمكانية حسم هذا الملف غير ممكنة، في ظل سيطرة الميليشيات على القرار السياسي في البلاد، ووجود أكثر من مليون نازح في المخيمات.
وكشفت مفوضية حقوق الإنسان في العراق عن جود نحو مليون ومائتي ألف شخص في حالة نزوح دائمة في العراق موزعين ما بين مخيمات ومساكن عشوائية.
وسبق أن قالت البعثة الطبية البولندية إن النازحين يتعرضون للاضطهاد من قبل السلطات الحكومية، وأن عودتهم إلى مناطقهم قد تعرض حياتهم للخطر من قبل الميليشيات المنتشرة في مناطقهم.
وتحدث موظفو البعثة عن الظروف المعيشية للنازحين في أحد مخيمات الموصل واصفين إياها بالصعبة للغاية، حيث ما زال يكتظ بنحو 1250 عائلة مهجرة.
وأشاروا إلى أن المخيم يدار كسجن لا يحق لساكنيه أخذ إجازة من أجل العمل، أو التحاق أطفالهم بالمدارس بسبب افتقادهم للوثائق الثبوتية في ظل تعنت الحكومة في منحهم إياها بتهم واهية.
وعزت مصادر صحفية عدم عودة النازحين إلى مناطقهم وإعمارها، إلى وجود أجندات سياسية وإقليمية تمنع عودة النازحين لا سيما في محافظات بابل وصلاح الدين والأنبار وديالى، في ظل تنامي سطوة الميليشيات في مدنهم التي هجروا منها.
وأفادت المصادر، بأنّ 90 بالمائة من مناطق النازحين في العراق ما زالت مدمرة وتفتقر لأبسط مقومات الحياة، على الرغم من مرور سنوات طويلة على انتهاء المعارك.
وتشهد مناطق النازحين المدمرة انعدامًا للخدمات، وغياب الدعم الحكومي، فضلًا عن التدخلات السياسية وسيطرة الميليشيات عليها، والتي تحول دون إعادة إعمارها أو عودة أهلها إليها.
وكان قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق قد أكد في وقت سابق على أن وزارة الهجرة في حكومة بغداد لا تعترف بمسؤوليتها تجاه النازحين، في ظل سعي السلطات إلى فرض الإغلاق القسري على المخيّمات دون توفير بدائل معتبرة.
وأشار القسم إلى أن الجهات الحكومية لم تتخذ أي خطوات ملموسة باتجاه إعادة إعمار البنية التحتية لمناطق النازحين، وتأهيل مرافقها العامة وتوفير الخدمات الأساسية، وسط استمرار غياب الحلول الناجعة لقضية النازحين وضمان عودتهم الكريمة إلى ديارهم، التي تبدو وفق المعطيات أنها حلم بعيد المنال.
إلى ذلك أكدت منظمات حقوقية على أن آلاف العائلات غير قادرة على العودة إما بسبب سيطرة الميليشيات على مناطقها، أو بسبب دمار منازلها وانهيار الخدمات والبنى التحتية في المدن المستعادة عسكريًا، مشددين على أن هذا الملف الإنساني لا يمكن إنهاؤه بهذه الطريقة التي ستزيد من معاناة العائلات النازحة
وقالت الناشطة الحقوقية هالة العزاوي، إن “قرار إعادة النازحين مستغرب جدًا خاصة أن الحكومة لم تقم بإعمار المناطق المهدمة التي تعرضت للقصف وأجبر أهلها على النزوح منها”.
ويعد ملف النزوح في العراق واحدًا من الملفات المزمنة والمعقدة بعد عام 2003، والذي أثبت فشل الحكومات المتعاقبة في حله، وبقاء ملف إعمار المناطق المهدمة حبرًا على ورق بسبب هيمنة الأحزاب والميليشيات على هذا الملف.
ويرى مراقبون أن عودة النازحين والعيش بأمن وكرامة هو آخر هموم حكومة الإطار التنسيقي ومن سبقتها من الحكومات التي تسعى لتحقيق مصالحها بذريعة الإنجاز المزيف والذي يلحق الضرر بآلاف العراقيين.
وانتقد نازحون “الترويج السياسي” لإنهاء ملف النزوح، مؤكدين على أن أغلب العائلات النازحة لا تستطيع العودة إلى مناطقها، وأن الترويج لإنهاء الملف هو سياسي فقط.
ولا يزال أكثر من 400 ألف عراقي ممنوعون من العودة إلى مدنهم بقرار من الميليشيات التي تستولي عليها، وأبرزها ناحية جرف الصخر شمال بابل والعوجة ويثرب وعزيز بلد في صلاح الدين، والعويسات وذراع دجلة في محافظة الأنبار، وقرى المقدادية وحوض العظيم في محافظة ديالى.
وتتذرع الحكومة على لسان مسؤوليها بحجج غير منطقية لتبرير موقف الميليشيات المسيطرة على تلك المناطق، وضمان عدم عودة أهلها، وتغيير ديمغرافيتها.