أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

أين تذهب الأموال القذرة في العراق؟

من أجل إخفاء أصول أموالهم التي حصلوا عليها بطريقة غير مشروعة، قام لصوص الدولة من زعماء الأحزاب والميليشيات في العراق بالاستثمار في المجمعات السكنية ومراكز التسوق والجامعات الخاصة.

بغداد- الرافدين
وجدت الطبقة الحاكمة من زعماء ميليشيات وأحزاب متنفذة وتجار صفقات حكومية فاسدة، الطريق مقفلا أمام نقل أموالها إلى خارج العراق باستثناء إيران ولبنان الدولتان اللتان تعانيان بالأساس من أزمات ومحاذير اقتصادية دولية. الأمر الذي دفعهم إلى استثمار تلك الأموال في مشاريع عقارية في بغداد.
وتدفع الطبقة الأولغارشية ولصوص الدولة في العراق باتجاه استثمار أموال تم الاستيلاء عليها من صفقات فاسدة على مدار عشرين عاما، في مشاريع داخل العراق. بعد أن ضاقت السبل أمام تحويلها على الخارج، نتيجة المراقبة الدولية والعقوبات الأمريكية على مصارف وزعماء ميليشيات وأحزاب.
واعتبر البنك الدولي في تقرير نشر أواخر تموز أن “مناخ الاستثمار في العراق لا يزال ضعيفاً”، مشيراً إلى “غياب تشريعات مواتية للشركات، ومناخ أمني غير مستقرّ، وأوجه قصور إدارية وفساد ممنهج” في إشارة إلى الارتشاء.
وقال الباحث في المعهد الملكي البريطاني “تشاتام هاوس” حيدر الشاكري إنه “في السنوات الأخيرة، فضّلت الطبقة السياسية العراقية وشركاؤها في مجال الأعمال، استثمار ثرواتهم في مشاريع محلية هي بمثابة ملجأ للأرباح التي اكتسبت بطرق غير شرعية”.
وأشار الباحث الذي يركز على الاقتصاد السياسي العراقي، والمساءلة، والمجتمع المدني. في هذا الإطار خصوصاً إلى “مجمعات سكنية فخمة ومراكز تجارية وجامعات خاصة”.
وتضطر معظم الشركات العادية إلى التعامل مع نظام اقتصادي تهيمن عليه الأحزاب السياسية والميليشيات القوية والثرية في العراق.
لا تمتلك جميع الشركات رأس المال الهائل الذي يجعل بناء قرية سياحية أمر متيسرا. وتضطر هذه الشركات إلى التعامل مع نظام اقتصادي فاسد تهيمن عليه الأحزاب السياسية والميليشيات.
وفي السنوات الأخيرة، فضلت النخبة السياسية العراقية وشركاؤها التجاريون استثمار ثرواتهم في المشاريع المحلية باعتبارها ملاذاً آمناً لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
وتأتي هذه الأموال من خزائن الدولة. وبموجب نظام التقسيم الطائفي الذي تم تطبيقه بعد احتلال العراق عام 2003.
وتجتمع الأحزاب السياسية المهيمنة بعد كل انتخابات لإجراء مفاوضات لتقسيم السيطرة على الوزارات الحكومية والأصول المالية المخصصة لها.
ويسيطر كل حزب سياسي كبير على وزارة واحدة أو أكثر. ونتيجة لذلك، فإن توزيع العقود الحكومية المربحة يتأثر بشدة بالمصالح الحزبية.
وتقوم “اللجان الاقتصادية” المكونة من أعضاء الحزب بمراجعة العقود الوزارية وتتطلب إنشاء لجنة للتوقيع على أي صفقة.
ومن أجل إخفاء أصول أموالهم التي حصلوا عليها بطريقة غير مشروعة، زُعم أن النخبة السياسية لجأت إلى الاستثمار في المجمعات السكنية الراقية، ومراكز التسوق، والجامعات الخاصة، وغيرها من المشاريع العقارية، مما أدى إلى “ازدهار واضح” في تنمية بغداد. ومع ذلك، فإن العديد من هذه المشاريع لا يمكن للعراقيين العاديين الوصول إليها، الذين يعانون من صعوبات اقتصادية عديدة.
ولتوضيح ذلك، فإن دراسة طب الأسنان في إحدى الجامعات العراقية الخاصة تكلف حوالي 6000 دولار سنويا، في حين أن الوجبة في قرية دجلة السياحية تكلف في المتوسط 30000 دينار عراقي “حوالي 20 دولارا” لكل طبق. وتتناقض هذه النفقات بشكل صارخ مع متوسط الراتب الشهري في العراق البالغ 583 دولارًا فقط.
وفي بلد يحتلّ المرتبة 157 (من 180) في مؤشر منظمة الشفافية الدولية عن “مدركات الفساد”، فأن قضية ارتفاع أسعار العقارات في بغداد مرتبطة بغسل الأموال، كما يعترف بسهولة المسؤولون.
ويشرح المحلّل الاقتصادي العراقي على الراوي بأن “المشكلة بالسوق العقارية هي أن التعامل يكون نقداً” وبالتالي يسهل “إخفاء الأموال بأراضٍ وبنايات”. ويرفع ذلك من “السيولة في السوق…وبالتالي الأسعار ترتفع”.
وعند بيع هذه العقارات، يتمّ الأمر “بعقود رسمية وبيان وعقد بيع وشراء، الموضوع يكون رسمياً”، وبالتالي “تبييض الأموال” عبر ذلك، يكون “سهلاً جداً”.
وعلى نحو متزايد، أختار السياسيون وزعماء الميليشيات وأتباعهم من رجال الأعمال الاستثمار في المشاريع المحلية بسبب القيود المتزايدة المفروضة على نقل الأموال إلى خارج العراق. علاوة على ذلك، دفع ارتفاع أسعار النفط البرلمان العراقي إلى إقرار موازنة بقيمة 153 مليار دولار لعام 2023، وهو مبلغ قياسي. وهذا يزيد من قدرة المجاميع السياسية على الوصول إلى المال العام.
وأشار تقرير لصحيفة واشنطن بوست إلى أن هذه الاستثمارات توفر وسيلة للسياسيين في غسيل الأموال المنهوبة من كيانات الدولة والتلاعب بالعقود الحكومية.
وخلال حديثه عن “سرقة القرن”، أقرّ رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني أن جزءاً كبير من أموال الضرائب التي سرقت استخدمت في “شراء عقارات مهمة في مناطق مهمة في بغداد”.


حيدر الشاكري: فضّلت الطبقة السياسية العراقية وشركاؤها في مجال الأعمال، استثمار ثرواتهم في مشاريع محلية هي بمثابة ملجأ للأرباح التي اكتسبت بطرق غير شرعية

وفي تقرير لمركز “ذي سنتشوري فاوندشن” للأبحاث، يشير الباحث العراقي سجاد جياد إلى أن “أكثر من مليار دولار” من أموال الضرائب المسروقة البالغة 2.5 مليار، “استثمرت في 55 عقاراً في بغداد، ومليار دولار أخرى وزعت بين ممتلكات، وأراضٍ، وأصول أخرى”.
وبدأ العراقيون العاديون يرون أنهم يتحملون وطأة ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية. ونتيجة للتدفق الهائل للاستثمارات على قطاع العقارات، فإن تكلفة المتر المربع الواحد من الأرض في بغداد، حتى من دون إمكانية الوصول إلى المرافق الأساسية مثل الكهرباء والمياه، تتجاوز الآن 2300 دولار.
وفي تطور مثير للقلق، تستخدم الأحزاب السياسية مواردها وسلطتها بشكل متزايد لفرض سيطرتها على الشركات الصغيرة، الأمر الذي يخلق تحديات جديدة أمام رواد الأعمال.
وقال صاحب مطعم في بغداد “أنا أدفع بالفعل رشاوي لإبقاء مطعمي قائماً. عندما حاولت التوسع، واجهت عقبات سياسية جعلتني أعيد النظر. لقد اخترت التخلي عن الفكرة، لأنني لا أرغب في التورط في مثل هذه الارتباطات”.
وحتى بالنسبة للكيانات التجارية الدولية القوية العاملة في العراق، غالبًا ما تفشل الصفقات بسبب العقبات البيروقراطية والتدخل السياسي الذي لا نهاية له. ومن الأمثلة البارزة الحديثة “مدينة الرفيل” التي تضمنت بناء مجمع إداري على مشارف بغداد لإيواء الوزارات الحكومية. وبينما تم اختيار شركة إعمار الإماراتية من قبل مجلس الوزراء لتنفيذ المشروع، فإن التدخلات السياسية ومطالب الرشاوى أدت في النهاية إلى فشل المشروع. ومثل هذه الممارسات تعيق الاستثمار الأجنبي وتثير غضب الشركاء.
وكان السفير الإماراتي في العراق قد أثار مخاوف في وقت سابق حول الفساد في مشهد الأعمال في العراق.
وفتح الصحفي الاستقصائي روبرت وورث نافذة أمام الرأي العام العالمي تكشف عن العناوين الكبيرة في الفساد الجاثم على صدر العراق بتقرير مطول في صحيفة نيويورك تايمز شرح فيه تفاصيل استحواذ قادة الميليشيات على نسبة من كل عقود المقاولات التي توقع مع الحكومة. إلى درجة أصبح ما سرق من ثروة العراق منذ عام 2003 يصعب عده.
وكتب وورث بعد أن ذكر أسماء قادة الميليشيات الفاسدة مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، فهم ليسوا فقط عملاء لإيران بالوكالة، بل هم أيضا الوجه الجديد لحكم اللصوص البيروقراطي، وإن من دعم ومكن هذه الميليشيات هي الطبقة السياسية العراقية الجديدة التي لا تسعى إلا إلى الثراء.
وقال “لقد قامت هذه العصابات متعددة الطوائف لسنوات عديدة بممارسة الاحتيال على كافة المستويات ومن ضمنها السيطرة المستمرة على نقاط التفتيش، والاحتيال المصرفي، والتحايل على نظام الرواتب الحكومي”.
وكتب أنّ الميليشيات أصبحت تشكّل طبقة جديدة، أخلاقياتها الوحيدة هي إثراء الذات. وعلى مرّ السنين أتقنت هذه العصابة العابرة للطوائف الحيل على جميع المستويات من الاحتيال المصرفي إلى الاختلاس من الرواتب الحكومية.
ويشبّه التقرير الحياة السياسية في العراق بحرب عصابات قائلا إنّ سطحها المضطرب يخفي عملا هادئا للنهب، ففي كل وزارة يتم تخصيص أكبر الغنائم بالاتفاق غير المكتوب لفصيل أو لآخر. فلدى الصدريين وزارة الصحة، ولدى منظمة بدر منذ فترة طويلة وزارة الداخلية، ووزارة النفط تابعة لتيار الحكمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى