أخبار الرافدين
كرم نعمة

احتفاء غير مسبوق بالفشل

لو تسنى للمؤلفة إليزابيث داي صاحبة منصة “كيف تفشل” أن تأملت نوري المالكي وهو يجلس على مستنقع شاسع من الفشل السياسي والحكومي، بيد أنه يبعث برسائل متواصلة عن النجاح وكأن هذا المستنقع منتزه مثالي، فإنها سوف تتحدث عن شخص أحمق، هذا لأنها بالأساس عندما تطلق تساؤل “كيف تفشل” تهدف إلى تعلم الدروس وبالتالي عبر الفشل من أجل هدف النجاح.
لا يبدو المالكي وحده من يعطينا مثالًا عن الفشل السياسي القائم والمتصاعد في العراق، فثمة ما هو أخطر منه عندما يسود خطاب ترويج الفشل بوصفه نجاحًا باهرًا.
خذ مثلا الكلام الذي لا يتوقف عمار الحكيم عن إطلاقه عن النجاح السياسي على مدار عشرين عامًا، وهو يدافع عن العملية السياسية القائمة بوصفها إنجازًا تاريخيًا على العراقيين الاحتفاء بها!
هذا الميل لدى الحكيم في الإشادة بالفشل يمكن أن نعزوه للمعضلة الأخلاقية والطائفية الكامنة في شخصيته، ومن السهولة بمكان أن يدرج قراء هذا المقال الأوصاف الشنيعة التي يطلقها العراقيون على الحكيم بوصفه لص عقارات يعول على حاضنته الطائفية للاستمرار في حياته المكتسبة منذ عام 2003.
درس الفشل مهم في الحياة العملية والسياسية لأن دراسة الأمور التي لم تسر على نحو صحيح، تؤول إلى معرفة الأمر الصحيح لتفادي العواقب المأساوية كي لا تحدث مرة أخرى.
وفي سياق العمل السياسي، من المهم تقييم ما حاد عن مساره. وهذا ليس مهمًا للتعلم واختبار الفرضيات فحسب، بل إنه أمر مهم لمنع تكرار الأخطاء التي كانت لها عواقب وخيمة. غير أن الافتقار إلى الكفاءة وبشكل فاضح لدى الطبقة السياسية في المنطقة الخضراء لا يجعلهم يشعرون بوطأة الفشل.
مقابل ذلك ماذا يحدث في العملية السياسية القائمة في العراق منذ عشرين عامًا؟
إنه ببساطة احتفاء غير مسبوق بالفشل بوصفه نجاحًا باهرًا، عندما يتم مثلًا إطلاق سراح لص سرقة القرن بذريعة استعادة الأموال المسروقة، أو تبرئة ميليشياوي قتل ناشطًا تحت مسوغ قضائي واهن، أو عرض معدات بطريقة مسرحية رثة والزعم أنها مستعادة من أملاك الدولة المسروقة.
ذلك ما يحدث عند رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أنه يعبر عن سعادته المستمرة بالاحتفاء بالإنجاز الوهمي وتسويق الحثالة كخطاب قوة سياسية واقتصادية، في اعتقاد واهن بأنه قادر على الإنجاز في زمن أقل!
طالما تحدث عن إنقاذ قطاع التعليم، ومكافحة المخدرات واستعادة الأموال المسروقة وتوفير الطاقة الكهربائية… “يزعم السوداني بأنه يعمل عشرين ساعة يوميًا في خطاب تسويقي لا يستند على فرضية صحيحة في طبيعة أي إنسان”. غير أن أحد مساعدي السوداني أخبر نيكولاس بيلهام مراسل شؤون الشرق الأوسط في مجلة “إيكونوميست” أن رئيس الوزراء ليس لديه خيار آخر؛ حيث قال “لو لم يطلق سراح نور زهير لص سرقة القرن لكان قد فقد رأسه”.
كل ذلك يجعل من العراق يعيش مسرحية الحثالة الديمقراطية في العملية السياسية، فعلى الرغم من أن المشهد العام يبدو على ما يرام، بوجود هيئة النزاهة العامة ومجلس القضاء الأعلى ولجنة الأخلاقيات البرلمانية، فإنه يفتقر إلى المصداقية والموثوقية، وفق تعبير الصحفي بيلهام .
مقابل ذلك، يقول السوداني مخاطبًا حكومته، عليكم ألا تعولوا على أي خطاب إعلامي نقدي لأنه يهدف إلى إحباطكم وعدم الاستمرار في الإنجاز!
بيد أن السوداني نفسه يعجز عن إقناع أي عراقي عن تلك الإنجازات بعد مرور سنة كاملة على وجوده في الموقع، على الأقل لمنع الإحباط السائد في الشارع العراقي. فهو مثلًا غير قادر على تأكيد مزاعمه باستعادة أموال سرقة القرن، وسيكون سحب 2.5 مليار دولار نقدًا في أقل من عام تحديًا لوجستيًا في أي بلد، ناهيك عن بلد مثل العراق أعلى قيمة للأوراق النقدية، وهي الورقة التي تساوي خمسون ألف دينار، تعادل حوالي 35 دولارًا، فإذا كانت جميع الأوراق النقدية المسروقة مكدسة فوق بعضها البعض، فإن الكومة سترتفع لتصبح أعلى من جبل حصاروست في شمال العراق! ذلك المشهد الافتراضي للأموال المسروقة في عملية واحدة فقط في العراق، يفسر لنا الاحتفاء غير المسبوق بالفشل الذي يمثله السوداني.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى