أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراقطوفان الأقصى: القضية الفلسطينية في الواجهة الدولية

أداة احتلال العراق من الميليشيات لن تكون وسيلة ضاربة لاحتلال فلسطين

الميليشيات الولائية في العراق تنأى بنفسها عن الحرب في فلسطين وتكتفي بمجموعة بيانات ومواقف هزيلة لحفظ ماء وجهها بعد أن فضح "طوفان الأقصى" مزاعم جهوزية محور المقاومة الإيراني للانخراط في العمليات العسكرية ضد "إسرائيل".

بغداد – الرافدين

تساءل عراقيون على منصات التواصل الاجتماعي عن مصير شعارات المقاومة التي ترفعها ميليشيا الحشد الشعبي التي لطالما تبجحت بها في ظل استمرار العدوان على غزة وتواصل عمليات طوفان الأقصى في الداخل المحتل والتي جاءت متزامنة مع الذكرى الـ 50 لحرب تشرين التي كان للعراق حضور فاعل فيها.
ولم يبد عراقيون سبق وأن فضحوا ما يعرف بمحور المقاومة الولائي، استغرابهم من صمت الميليشيات وعدم اتخاذها أي فعل على الأرض والاكتفاء بالاستعراضات والبيانات و “الكليبات” الحماسية.
وأكد عراقيون أن هذه الميليشيات وجدت لقتال سكان المدن المنكوبة وتهجيرهم فضلًا عن السوريين خدمة لأهداف إيران الطائفية في المنطقة وتغيير ديموغرافية تلك المدن “إذ لا يمكن أن تكون هذه الميليشيات بأي شكل من الأشكال بندقية ضد الكيان الصهيوني” بعد عمليات القتل على الهوية التي مارستها في العراق.
وتفاعل المدونون العراقيون مع استعراضات هذه الميليشيات وسط بغداد بموجة سخرية كبيرة بعد أن ضلت هذه الميليشيات طريقها واستعرضت في شارع فلسطين بدلًا من المشاركة في القتال بفلسطين نفسها وفقًا لما جاء في تعليقاتهم.
وأسفرت عملية طوفان الأقصى عن مقتل أكثر من 1300 جندي ومستوطن صهيوني وفقًا لمصادر “إسرائيلية” بينما قتل نحو 1400 فلسطيني من المدنيين في غزة في آخر إحصائية للحرب في يومها السادس.
ومارس زعماء الميليشيات وأحزاب العملية السياسية التي أوجدها الاحتلال الأمريكي في العراق دورًا كوميديًا فجًا حينما أطلقوا العنان لتهديداتهم التي وصفت بالجوفاء من قبل العراقيين في ظل الحرب المستعرة في فلسطين.
وتصدر تهديد زعيم ميليشيا بدر هادي العامري قائمة التفاعل الساخر من هذه التهديدات حينما لوح بضرب مصالح واشنطن في المنطقة إذا ما تدخلت في الحرب وكأنها نأت بنفسها ولم تشارك في دعم الكيان الصهيوني منذ اللحظة الأولى لعملية طوفان الأقصى كما علق مراقبون تفاعلوا مع هذه التصريحات.
واستقبل العراقيون تصريحات العامري بموجة سخرية فمنهم من ذكر بتلقي ميليشيا بدر تمويلًا أمريكيًا وفقًا لتقارير سرية كشفت عنها الصحافة الأمريكية بعد أن استفادت هذه الميليشيا من الدعم الموجه لوزارة الداخلية الحالية.
ومنهم من ذكر بخشية العامري من أمريكا حينما وضع سجادة على علمها عند استعراض الميليشيات خشية من ردة فعلها ومنهم من تساءل عن مصير تهديده السابق بالثأر من أمريكا عقب مقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني ونائب هيئة ميليشيا الحشد أبو مهدي المهندس في غارة أمريكية قبل ثلاث سنوات.
وقال الصحفي العراقي كرم نعمة إن “هادي العامري لا يكتفي بكونه حثالة طائفية بل طالما تحول إلى كوميديا سياسية بتحويل السخف والهراء إلى وعود ضحلة”.
وتابع نعمة في منشور له على منصة أكس “كأن الولايات المتحدة لا تدعم إسرائيل كي يتوعدها (….) بينما تقترب حاملة الطائرات جيرالد فورد من شرق المتوسط”.

بدوره أكد مسؤول قسم الإعلام في هيئة علماء المسلمين معاذ البدري أن “الميليشيات وحكومة الاحتلال التاسعة تعطينا اليوم انطباعًا مغايرًا عن الواقع على الأرض وفقًا لمسار الأفعال تخالف الأقوال”.
وبين البدري في تصريحات له خلال مشاركته في برنامج “تحت الضوء” الذي يبث على قناة “الرافدين” الفضائية أن “هذه الميليشيات وحكوماتها المتعاقبة من حيث البنية والتكوين تمثل أداة من أدوات الاحتلال الأمريكي”.
وتساءل في مشاركته “كيف يعقل أن تكون أداة الاحتلال وسيلة ضاربة لاحتلال آخر” في إشارة إلى تصريحات زعماء هذه الميليشيات وزعمهم الجهوزية لمقاومة الاحتلال الصهيوني في فلسطين.
وسبق أن أثارت تصريحات مماثلة لزعيم ميليشيا بدر موجة سخرية كبيرة حينما نقل عن لسان مسؤولين يابانيين تعجبهم من تجربة خروج القوات الأمريكية من العراق بينما لم تستطع اليابان فعل ذلك.
قبل أن يرد حساب صفحة اليابان باللغة العربية الرسمي على منصة أكس على تساؤلات عن مصداقية هذه التصريحات بالقول “لا تعليق” مع صورة ساخرة للممثل المصري الكوميدي عادل إمام للتأكيد على عدم مصداقية القصة التي رواها العامري.
وتتهم الميليشيات التي تتاجر بالقضية الفلسطينية في العراق لغايات الاستهلاك الإعلامي والبروباغندا لاسيما ميليشيا بدر وجيش المهدي الذي انشطر لاحقًا للعديد من الميليشيات الناشطة حاليًا ومنها ميليشيا سرايا السلام وميليشيا العصائب وميليشيا النجباء وغيرها بارتكاب جرائم مروعة ضد اللاجئين الفلسطينيين في العراق.
ووجد الفلسطينيون أنفسهم عقب الاحتلال في دوامة عنف كبيرة لا يملكون أي وسيلة دفاع، ولا مكان لهم للفرار سوى البقاء منتظرين الموت.
وتقدر منظمات حقوقية مقتل 500 فلسطيني في جرائم العنف الطائفي على يد ميليشيات “بدر” و”جيش المهدي” في بغداد وحدها.
وأسفرت هذه الهجمات الدامية بمصادرة الميليشيات لنادي حيفا الرياضي واعتقلت رئيسه ولاعبين آخرين، وسيطرت على الهلال الأحمر الفلسطيني ومركز ثقافي باسم (الوطن فلسطين).
ونفذ الفلسطينيون تظاهرة لهم في بغداد للمطالبة بالكف عن استهدافهم أو إيجاد دولة ثانية تستقبلهم، إلّا أن التظاهرة لم تستمر أكثر من نصف ساعة وسرعان ما قامت قوات كانت تعرف آنذاك بـ”لواء الذئب” بإطلاق النار عليها وقتل عدد من المتظاهرين.
وجاءت هذه الممارسات متزامنة مع بث قناة “العراقية” الحكومية صورًا لثلاثة شبان فلسطينيين، قالت إنهم نفذوا جرائم قتل طائفية، قبل أن تدحض هذه الاعترافات لاحقًا “منظمة العفو الدولية” بوثائقي بعنوان “ثقافة الاعترافات الفتاكة في العراق“.
ورفع حزب “الدعوة” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق المتهم بتغذية الطائفية نوري المالكي شعارات مناوئة للفلسطينيين في مناطق متفرقة من بغداد تلتها شعارات أخرى لميليشيات عدة، مثل (الفلسطيني إرهابي) و(العراق للعراقيين) و(أطردوا قاتلي شعبنا) عقب استثمار اعترافات قناة “العراقية” المفبركة والمنتزعة تحت وطأة التعذيب وتوظيفها في رفع مستوى الكراهية والطائفية ضد الفلسطينيين.
واستمر الوضع على حاله إلى حين الهجرة الجماعية للفلسطينيين من العراق عقب أن خرج الفلسطينيون من بغداد وسط تكتّم إعلامي كبير، متجهين إلى سوريا والأردن أملًا بالفرار من العراق بعد أسابيع رعب قضوها على يد الميليشيات الممولة إيرانيا، إذ صودرت منازلهم وسرق آثاثها كمرحلة أخيرة سبقت مرحلة القتل والاعتقال والتهديد.

ميليشيا بدر وميليشيا الصدر تتحملان مسؤولية قتل وتشريد الفلسطينيين من العراق

وتوزّع آلاف الفلسطينيين على مخيمات الرويشد والوليد على الحدود الأردنية والتنف والهول على الحدود السورية عقب أن بدأت رحلة جديدة من التهجير، لكن ليس على يد الاحتلال الصهيوني الذي تدعي الميليشيات اليوم وقوفها بالضد منه، بل على يد هذه الميليشيات نفسها كما يؤكد فلسطينيون مهجرون من العراق.
ومكث هؤلاء الفلسطينيين في خيام وفّرتها الأمم المتحدة لهم إلى حين موافقة كل من كندا والبرازيل على استقبال ساكني مخيم الرويشد وموافقة فرنسا والسويد والنرويج وبريطانيا وبلجيكيا وتشيلي وفنلندا على استقبال نازحي مخيم التنف.
وبقي مخيم الوليد في المنطقة الغربية من العراق ومخيم الهول في المنطقة الشمالية من سوريا من دون كفيل حتى وصول تنظيم “داعش” ما زاد من معاناة الفلسطينيين هناك إلى يومنا هذا.
ويرى عضو اللجنة العليا للميثاق الوطني العراقي عبد القادر النايل أن “الادعاءات التي تطلقها الميليشيات اليوم لمساندة طوفان الأقصى محض كذب بعد أن تورطت هذه الميليشيات بقتل وتشريد واعتقال آلاف الفلسطينيين من بغداد لاسيما منطقة البلديات”.
وأضاف النايل في تصريحات لقناة “الرافدين” الفضائية أن هناك “مقاطع وصور توثق ما حصل للفلسطينيين من انتهاكات في العراق فضلًا عن توثيقها لزياراتهم إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وقتها في محاولة لإيقاف عمليات القتل ضدهم إلى جانب التفاوض على إطلاق سراح أبنائهم المختطفين من قبل الميليشيات”.
ووجه النايل دعوة للإعلام بأن “لايكون جزءًا من تغييب الحقيقة كونه يمثل السلطة الرابعة وأن يسعى لتسليط الضوء على هذه الحقائق لكي لا تغرر الأجيال القادمة وتنطلي عليها كذبة نصرة هذه الميليشيات وإيران من خلفها لفلسطين وقضيتها”.
بدوره يرى الكاتب إياد الدليمي أن “الفلسطينيين في العراق لن يتعافوا بالنسيان مما جرى لهم على يد الميليشيات وتحديدا عقب تفجيرات سامراء عام 2006 التي استهدفت مرقد الإمامين العسكريين، وفجّرت على أثرها حرب طائفية في العراق”.
وأكد على اضطرار “أكثر من 26 ألف فلسطيني إلى مغادرة العراق في تغريبة أخرى ونكبة مرة دفعت بهم إلى الحدود العراقية مع الأردن حتى سمحت لهم دول في أمريكا اللاتينية بالقدوم إليها فضلا عن مقتل أكثر من 600 فلسطيني خلال تلك المرحلة، بينهم شخصيات وأعلام كثيرة كانت معروفة عراقيًا، وما زال جرح الفلسطينيين في العراق نديّا”.
واستغرب من رفع “الفصائل المسلحة التي تقف وراء الحكومة الحالية شعارات المقاومة وتحرير فلسطين كونها جزءًا مما بات يُعرف محور المقاومة الذي خلفه إيران غير أن هذه الفصائل ومعها الحكومة، لا تمنح فلسطينيي العراق حقهم بالعيش الكريم وتحرمهم من أبسط حقوقهم”.
وتابع “ليس الحديث هنا عن الفعل المقاوم الذي يفترض بتلك الفصائل فعله مع هذه المواجهة المفتوحة مع دولة الكيان، فلم يصدر منها سوى مجموعة مواقف بائسة”.
وتحظى القضية الفلسطينية باهتمام بالغ وحضور لافت في ذاكرة العراقيين المشبعة بقصص عن بطولات سطرها عراقيون قاتلوا في حيفا ويافا والقدس وجنين والضفة الغربية.
ويستذكر العراقيون بفخر في كل مناسبة شهداء الجيش العراقي الذين ما زالت قبورهم شاهدة على وقفة تفتخر بها الأجيال قبل أن يقصي الاحتلال الأمريكي وإيران العراق عن ممارسة دوره الريادي في مؤازرة فلسطين وشعبها تزامنًا مع تسلط الميليشيات التي اكتفت بالبيانات والمواقف الهزيلة كما يؤكد مراقبون.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى