البارزاني يتهم الميليشيات بتهريب المخدرات إلى شمال العراق
عمليات تهريب المخدرات باتت أهم المصادر المالية للميليشيات في العراق مثلما هي لسلطات النظام في سوريا، وتدر عليهم بعائدات تفوق عمليات تهريب النفط.
أربيل- الرافدين
كشف اتهام رئيس حكومة إقليم كردستان في شمال العراق مسرور البارزاني، للمجاميع المسلحة المنضوية في الحشد الشعبي بالمتاجرة بالمخدرات، عمق الأزمة السياسية والتنافس بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وأحزاب الإطار التنسيقي التي شكلت حكومة محمد شياع السوداني.
واتهم البارزاني المجاميع المسلحة في إشارة ميليشيات الحشد، باستغلال مناطق المادة 140 “وهي المناطق المتنازع عليها التي يفرد لها الدستور الذي كتب بعد احتلال العراق مادة تحمل الرقم 140” للمتاجرة بالمخدرات.
ومع أن اتهام البارزاني كان مبطنًا إلى ميليشيا الحشد، إلا أنه كان من الوضوح لدرجة يكشف عمق الخلاف بين القوى والأحزاب السياسية داخل ائتلاف إدارة الدولة الذي شكل حكومة السوداني.
وقال البارزاني في مؤتمر مكافحة المخدرات، الذي نظمه مكتب التوصيات الدولية، في مدينة أربيل، يوم الأحد إن “معدلات الاتجار بالمخدرات وتعاطيها في إقليم كردستان آخذة في الارتفاع، مما يشكل خطرًا على المجتمع”، مؤكدًا على أن “حكومة إقليم كردستان تبذل جهودً ا كبيرة لمكافحة هذه الظاهرة، وستواصل اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع انتشارها”.
وأوضح أن “إقليم كردستان يواجه محاولات جمة تهدف إلى إضعافه، ومن بين هذه التهديدات المخدرات، التي تُستخدم سرًا وعلنًا لتدمير المجتمع وتقويض قدرة الشباب وصحتهم، مما يستدعي مكافحة هذا التهديد بأقصى جهد ممكن، لأن المخدرات لا تقل خطرًا عن الإرهاب”.
ولفت إلى أن “المافيا والمتاجرين بالمخدرات يستغلون الموقع الجغرافي لإقليم كردستان لتهريب المخدرات إلى أماكن أخرى، مما أدى إلى زيادة عدد المدمنين في الإقليم، مشددًا على ضرورة أن تضافر المؤسسات المعنية جهودها وإمكاناتها للتصدي لهؤلاء المجرمين”.
وأشار إلى استغلال بعض المجاميع المسلحة للثغرات الأمنية في مناطق المادة 140 لافتًا إلى أن هذه المجاميع تعيق جهود القوات الأمنية التابعة لحكومة إقليم كردستان في التصدي لتجار المخدرات، خاصة وأن بعض هذه الجماعات هي جزء من شبكات الاتجار بالمخدرات.
وكانت تقارير دولية قد كشفت أنّ الميليشيات تعمل على تهريب المخدرات التي ينتجها نظام الرئيس السوري بشار الأسد وبدعم من حزب الله اللبناني إلى العراق، مبينةً أنّ الميليشيات تهرّب المواد المخدرة عبر المعابر العسكرية دون تعرضها للتفتيش، ومعابر أخرى غير قانونية.
وأشارت إلى أن عمليات تهريب المخدرات باتت أهم المصادر المالية للميليشيات مثلما هي لسلطات النظام في سوريا، وتدر عليهم بعائدات تفوق عمليات تهريب النفط.
وتتورّط أجهزة أمنية وعسكرية سورية وميليشيات داخل الحشد في العراق في تلك التجارة، قد تكون أبرزها الفرقة الرابعة التي تتبع ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري، وفق ما أفادت مصادر عدة بينها أمنيون سابقون في سوريا ومهربون وخبراء.
ويأتي كلام البارزاني بعد أيام من إعلان السلطات الحكومية بناء جدار على طول الحدود الشمالية الغربية مع سوريا، بعد تفاقم أزمة تهريب المخدرات وتدهور الأوضاع الأمنية.
وأشارت السلطات إلى أن هذه الخطوة تهدف لمنع مزيد من عمليات مهربي المخدرات أو عناصر تنظيم داعش على حد تعبيرها، مضيفة أنها حفرت خندقًا ووضعت أسلاكًا شائكة وكاميرات مراقبة في المناطق التي لا يشملها الجدار.
وقالت لجنة مكافحة المخدرات النيابية، إن العراق تحول إلى مصنع ومصدر للمخدرات بعد أن كان ممرًا لها فقط، في ظل وجود مافيات وتجار دوليين للمخدرات ينتشرون في البلاد.
وأضافت اللجنة أن، كميات المخدرات التي تدخل إلى العراق قد تضاعفت خلال السنة الحالية، حيث بلغت الكميات المضبوطة فقط منذ بداية 2023، ثلاثة أطنان ونصف، مشيرة إلى أن ضبط مصنع للمخدرات في محافظة المثنى قبل فترة قصيرة يرجح وجود مصانع أخرى.
وقال عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ياسر إسكندر، إن العراق تحول إلى بيئة لإدمان المخدرات بعد أن كان مجرد ممرًا لعبورها وهو ما تسبب في إغراق المئات من الشباب في مستنقع فاسد.
وأضاف أن المخدرات تديرها مافيات دولية متعددة الجنسيات تستغل ظروف أي بلد من أجل إغراقه وتحويله إلى مسارات لعبورها إلى بلدان أخرى.
وشدد على وجوب بدأ ما سماها بالحرب الفعلية على المخدرات وقطع الطريق أمام مافيات وعصابات للعبث بالشباب عبر أدوات الإدمان بالإضافة إلى أن تجارة المخدرات تمثل استنزافًا لثروات البلاد.
وسبق أن كشف مصدر أمني عراقي أن المخدرات التي ضبطت في منزل بحي القادسية في جانب الكرخ يعود لقيادي متنفذ في الإطار التنسيقي الذي تنضوي تحته الميليشيات الولائية.
وشدد المصدر على أن المنزل الذي ضبطت فيه 15 طنًا من المواد المخدرة، مسجل باسم قيادي في الإطار التنسيقي منذ ثماني سنوات، من دون أن يكشف اسمه أو الحزب الذي ينتمي له.
وتنضوي تحت مسمى الإطار التنسيقي أحزاب وميليشيات تجهر بولائها إلى إيران مثل حزب الدعوة وميليشيا العصائب وميليشيا بدر وتيار الحكمة والمجلس الإسلامي.
ولم يكشف المصدر عما إذا كان القيادي في الإطار التنسيقي نفسه يتاجر بالمخدرات أم أنه قد أجر منزله لتجار مخدرات، مستغلين اسمه ونفوذه.
واكتفى بالقول إن المنزل الذي ضبط فيه هذه الكمية من المخدرات في حي القادسية مسجل باسم قيادي معروف في الإطار، من دون أن يكشف اسمه لدواعٍ قضائية.
وقال المصدر المقرب من القوات الأمنية إن عملية اكتشاف هذه الكمية الضخمة من المخدرات، لم تتوصل لها الجهات الأمنية من دون أن يحدث خلاف بين تجار المخدرات أنفسهم، حيث قام أحدهم بكشفها في عملية انتقام من الشركاء.
وأعلنت القوات الأمنية أنها ضبطت في منزل في بغداد 15 طنًا من المواد المخدرة والمكونات الكيميائية المستخدمة في صناعة مادة الكريستال ميث والكبتاغون، وهي مواد تزايد استهلاكها في السنوات الأخيرة في العراق.
وحصلت عملية الضبط في منزل في حي القادسية في الكرخ الذي يعد جزء من المنطقة الخضراء التي تضم منازل الشخصيات الحكومية وزعماء الأحزاب والميليشيات. وأوضح المسؤول أنه تمّ “اعتقال اثنين من المشتبه بهم” من دون أن يكشف أسمائهم والجهات التي تقف خلفهم أو اسم صاحب المنزل.
وسبق أن كشف مصدر أمني عراقي عن تورط ضباط كبار في وزارة الداخلية وعناصر ميليشيات متنفذة في حيازة 12 مليون حبة مخدرة ضبطت في بغداد في شهر أيار الماضي.
وأكد المصدر على أن الخلافات في توزيع الحصص بين تجار المخدرات والمتواطئين معهم من الجهات الحكومية والميليشياوية كانت وراء الكشف عن العملية.
ورفضت وزارة الداخلية كما في البيانات السابقة الإعلان عن الجهات والتجار الذين يروجون للمخدرات، وعما إذا كان لهم صلات بالميليشيات.
وسبق أن اتهم النائب السابق عن التيار الصدري حاكم الزاملي، مسؤولين ومنتسبين في القوات الأمنية بالتواطؤ مع تجار المخدرات، والعمل في تجارة المخدرات.
وقال الزاملي “أين جهد الأجهزة الأمنية والقضائية للحد أو القضاء على هذا الوباء، الذي بدأ ينخر في بنية المجتمع العراقي، حيث يعد من أول أسباب أغلب الجرائم مثل الخطف والتسليب والقتل”.
وأضاف أن العراق أصبح مقرًا لتجارة المخدرات أكثر من الإكوادور والبرازيل وإيران وأفغانستان بعدما كان من أنقى بلدان العالم من ناحية التعاطي وتجارة المخدرات.
وأشار إلى وجود ضباط ومنتسبين يتفقون مع المجرمين بتكييف الإفادات والأوراق التحقيقية وتغيير تهمتهم من المتاجرة إلى التعاطي لتخفيف الحكم.
وتسيطر ميليشيات من الحشد الشعبي على المناطق الحدودية مع سوريا وبإدارة من قبل الحرس الإيراني لدعم قوات رئيس النظام السوري بشار الأسد.
وتعهد وزير الخارجية في حكومة الإطار التنسيقي فؤاد حسين والسوري فيصل المقداد خلال زيارة رسمية قام بها الأخير مطلع حزيران إلى بغداد، التعاون المشترك بين البلدين اللذين يشتركان بحدود تمتد على طول 600 كلم في ما يتعلق بنشاط تهريب المخدرات.
وتزايدت تجارة وتعاطي المخدرات بشكل لافت في العراق نتيجة الانحلال الأمني وفتح الحدود مع إيران وسوريا. فيما برزت ميليشيات متنفذة في تجارة المخدرات القادمة من إيران وسوريا.
ومنحت حكومة محمد شياع السوداني حرية للميليشيات المنضوية تحت الإطار التنسيقي في زيادة نفوذها وتقوية سطوتها على المنافذ الحدودية وتوسعة نشاط تجارة المخدرات وتهريبها بذريعة تأمين المناطق.
وقال عضو البرلمان الحالي هادي السلامي لوسائل إعلام محلية، إن “كثيرًا من تجار المخدرات على علاقات مع مسؤولين وجهات مسلحة في العراق، وهناك تبادل منفعة بين هذه الأطراف”.
وأنشأت ميليشيا حزب الله العراقية بالتنسيق مع الميليشيات الإيرانية الموجودة شرقي سوريا وبتسهيل من السلطات السورية، العديد من المعامل لإنتاج المخدرات التي تهرب للعراق.
وقال مستشار سابق للحكومة السورية لوكالة الصحافة الفرنسية من خارج سوريا “استطاعت صناعة الكبتاغون أن ترفد الخزينة ولو بجزء من العملة الأجنبية من خلال اقتصاد ظل متكاملًا يبدأ من استيراد المواد الأولية، وصولًا للتصنيع وأخيرًا التصدير”.
وإضافة للمناطق الحدودية مع جارته الغربية سوريا، تعد مناطق جنوب العراق المتاخمة للحدود مع الجارة الشرقية إيران، مناطق مهمة لتهريب المخدرات بينها مادة الكريستال.