اجتماع وزراء العدل العرب برعاية حكومة “شنقت” العدالة في العراق
هل بمقدور وزراء العدل العرب فتح ملفات قضائية تمس جوهر العدالة في العراق، كالمغيبين قسرًا وإفلات الجناة من العقاب وتسييس القضاء وجعله هامشًا للأحزاب السياسية الحاكمة؟
بغداد – الرافدين
قللت مصادر قضائية عراقية من جدوى أعمال اجتماع مجلس وزراء العدل العرب الاثنين، بدورته الـ 39 المنعقدة في بغداد، حيث تغيب عنه ملفات قضائية مهمة، كملف المغيبين قسرًا وإفلات الجناة من العقاب وتسييس القضاء بما يخدم العملية السياسية القائمة.
وبينت المصادر، أن الاجتماع وإن كان بروتوكولًا دوريًا يعقد في الدول الأعضاء، إلا أنه لا يمنح الشرعية الأخلاقية لقضاء أثبت على مدار عشرين عامًا أنه شريك في اختطاف وطن كالعراق.
وتستضيف العاصمة بغداد الاثنين، للمرة الأولى اجتماع مجلس وزراء العدل العرب بدورته الـ 39 بمشاركة 21 بلدًا، وبحضور الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط.
وتعمد أبو الغيط في كلمته بافتتاح الاجتماع، عدم الإشارة إلى أكثر من مليون مهجر عراقي منذ تسعة أعوام ويعيشون في مخيمات تفتقد إلى الشروط الإنسانية، وهو يعد في كلمته “التهجير القسري للسكان هو جريمة حرب” و ”عدم التمييز بين المدنيين والمقاتلين هو أيضًا جريمة حرب”.
وقال الوكيل الأقدم لوزارة العدل الحالية، زياد التميمي إن “الاجتماع يتضمن مشاريع قوانين تُعنى بمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال وجرائم المعلوماتية، وكذلك قوانين منع دفع الفدية للإرهابيين والجرائم المتعلقة بمكافحة الفساد وكذلك الجرائم المتعلقة بحقوق الإنسان”.
وتحولت تصريحات المسؤولين في وزارة العدل والاحتفاء المبالغ فيه بعقد المؤتمر وكأنه انجاز لحكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني، إلى مادة للتهكم على مواقع التواصل الاجتماعي حيث أكد ناشطون على أن تصريحات وزير العدل خالد شواني تلميع لصورة حكومة الإطار التنسيقي، وإظهارها على أنها تعمل وفقًا للقانون، في بلد تسطير عليه الميليشيات وينخر الفساد مؤسساته الرسمية.
وأشار ناشطون، إلى توظيف القضاء في العراق بما يخدم العملية السياسية وحكومة الإطار التنسيقي، والمساهمة في التستر على المجرمين، واستمرار سياسة إفلات الجناة من العقاب.
وأكدوا على أن وزير العدل الحالي خالد شواني وسابقيه، مجرد واجهة أمام الإعلام، لتقديم استعراضات فارغة لا جدوى منها، مع تفاقم العديد من الملفات الحقوقية التي لم تجد طريقًا لحلها، مثل قانون العفو العام واكتظاظ السجون بآلاف العراقيين الأبرياء، والمغيبين من أبناء المدن المنكوبة.
وردًا على تصريحات الوكيل الأقدم لوزارة العدل، زياد التميمي، حول قضايا غسيل الأموال وحقوق الإنسان في العراق، لفت مراقبون إلى أن القضاء العراقي طالما شنق العدالة عندما أخرج المجرمين من السجون مثل نور زهير لص سرقة القرن والميليشياوي أحمد الكناني قاتل هشام الهاشمي الذي أعيدت محاكمته لتسهيل تبرئته.
وتساءل مراقبون، هل بمقدور وزراء العدل العرب فتح ملفات قضائية تمس جوهر العدالة في العراق، مثل ملف المغيبين قسرًا وإفلات الجناة من العقاب وتسييس القضاء وجعله هامشًا للأحزاب السياسية الحاكمة؟
وأعاد عراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي تداول لقاءات سابقة لزعيم ميليشيا بدر هادي العامري أقر فيها بتهديد القضاء للسيطرة على مركز القرار في العراق، وإصدار أحكام بما يتناسب وأجنداتهم في البلاد، دون أن تتم محاسبته أو أن يخضع للمساءلة.
يأتي ذلك بعد أن امتنعت وزارة العدل الأمريكية الأسبوع الماضي عن استقبال رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق فائق زيدان لدوره في تحويل القضاء إلى أداة بيد ميليشيات إيران واشتراكه في عمليات فساد كبرى.
ويمثل مجلس القضاء الأعلى الذي تم تشكيله بموجب قرار الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر بعد الاحتلال، واجهة لتمرير قرارات غير شرعية والتواطؤ مع عمليات فساد كبرى وإفلات الجناة من العقاب، وتفسير فقرات القانون وفق مصالح الأحزاب والميليشيات المتحكمة بالسلطة.
ويعكس مجلس القضاء الأعلى صورة مشوهة للقضاء العراقي لم يمر بها منذ تأسيس الدولة العراقية، حيث قام بتفسير القرارات وفق مصالح أصحاب النفوذ في الأحزاب الحاكمة.
ومع أن ديباجة مجلس القضاء تؤكد على استقلاله، إلا أن هذا الكلام لا يمثل إلا نفسه على الورق فمجلس القضاء الأعلى مجرد أداة قانونية لتمرير قرارات غير عادلة بحق العراقيين وتسويغ عمليات فساد كبرى في الاستيلاء على ثروة البلد منذ عام 2003، وإطلاق جناة ثبت بالدليل دورهم في تصفية وقتل العراقيين على الهوية.
وسبق أن أكد معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن الميليشيات التابعة لإيران تحاول إحكام سيطرتها على مؤسسات الدولة وسلك القضاء ومقدرات البلاد مستغلة نفوذها في حكومة السوداني.
وأضاف المعهد، أن الجهات التابعة لإيران لها تأثير كبير على حكومة السوداني وقرارتها وتتحكم بالقطاع الأمني لذلك تستمر باغتيال معارضيها من دون أن تخشى المحاسبة والمساءلة، مبينًا أن الميليشيات هي من جاءت بالسوداني إلى رئاسة الحكومة واستلمت هي المناصب المهمة في الدولة.
وكانت هيئة علماء المسلمين في العراق قد أكدت في تقريرها السنوي لعام 2022، والصادر عن قسم حقوق الإنسان فيها، انهيار منظومة القضاء في العراق وإفلات الجناة من العقاب.
وذكر التقرير أنه ما يزال العراق ما بعد الاحتلال الأمريكي يتذيل قائمة الدول في قضايا حقوق الإنسان بشكل عام، وما تزال الحكومات المتعاقبة متقاعسة عن محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق المدنيين العراقيين، ولاسيما المسؤولين عن المقابر الجماعية وجرائم الاختفاء القسري والقتل خارج القانون والاعتقالات التعسفية التي تستهدف معارضي ومنتقدي الأحزاب المتنفذة والميليشيات المتحالفة معها.
وبين التقرير، أن انتشار التعذيب الممنهج في كافة السجون الحكومية المعلنة لإجبار المعتقلين على الاعتراف بجرائم لم يرتكبونها، وسط استمرار تغاضي منظومة القضاء لمزاعم موثوقة عن وقوع التعذيب، وإصرار القضاة على إصدار أحكام تصل إلى الإعدام بحق متهمين، متجاهلين غياب أبسط مقومات المحاكمات العادلة، بالتزامن مع سكوت هذه المنظومة عن قضايا الفساد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، يعزز حالة إفلات المرتكبين الحقيقيين من العقاب.
وأشارت إلى أن ما يرافق هذه الأعمال من فوضى أمنية وارتفاع معدلات الجريمة وتجذر الفساد في جميع الدوائر الحكومية، يجعل العراق متصدرًا القائمة السوداء لمؤشر الإفلات من العقاب العالمي، ومن البلدان الأكثر خطرًا والأكثر فسادًا في العالم.