أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

نقص الكتب يثقل كاهل الأسر العراقية ويعرقل سير العملية التعليمية

وزارة التربية ترمي الكرة في ملعب أولياء الأمور وتكتفي بنشر المناهج التعليمية بصيغة إلكترونية إثر إخفاقها في طباعة وتوزيع الكتب على 12 مليون طالب عراقي بعد ثلاثة أسابيع على بدء العام الدراسي الجديد.

بغداد – الرافدين
أثار إعلان وزارة التربية في حكومة الإطار التنسيقي، توفير المنهاج الدراسي للمراحل كافة إلكترونيًا بصيغة (pdf) على موقعها الرسمي، موجة غضب واسعة بين أهالي الطلاب بعد أن دعت إلى اعتماد هذه النسخة الإلكترونية خلال العام الدراسي الحالي، على خلفية تأخرها في توفير المنهاج بنسخته الورقية.
وانتقد ذوو الطلاب الحكومة بعد عجزها عن تنفيذ وعودها بدعم العملية التعليمية في البلاد وعدم قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها المتعلقة بتوفير الكتب وطباعتها كما تعهدت قبل انطلاق العام الدراسي الحالي.
وكانت وزارة التربية قد ذكرت في بيان سابق أنها وجهت بمنع الإدارات المدرسية مطالبة الطلبة والتلاميذ شراء الكتب المنهجية من الأسواق، وأنها تتوعد بمحاسبة المدارس المخالفة.
وأكدت الوزارة أن عملية توزيع الكتب وطباعتها ستستمر لحين تسليم جميع الطلبة والتلاميذ بعد أن أوعزت بتشكيل لجان متابعة من قبل المفتش التربوي والإبلاغ عن أي حالة مماثلة مع الابتعاد عن إثقال كاهل الأهالي بالطلبات قبل أن تخلي مسؤوليتها من عدم توفير المناهج الدراسية للعام الدراسي الحالي، بعد ان أعلنت عن توفير الكتب المدرسية إلكترونيًا.
وعلى الرغم من مرور ثلاثة أسابيع على بدء العام الدراسي الجديد، إلا أن نسبة كبيرة من الطلاب لم يحصلوا على معظم المناهج الدراسية، بينما استلم آخرون نسخًا مستعملة وتالفة جزئيًا أو كليًا، ما اضطر العائلات إلى شرائها من المكتبات كل حسب استطاعته، أما الفقراء فصاروا يشترون فصلًا واحدًا من المنهاج، بأمل أن تصل حصتهم من وزارة التربية لاحقًا.
ويعد توفير المناهج الدراسية من الأزمات التي عصفت بها العملية التربوية بعد الاحتلال وخلال العام الدراسي السابق لم يحصل أغلب الطلاب على الكتب، إذ لم تطبع وزارة التربية المنهاج الدراسي لمختلف المراحل، وبررت ذلك بعدم وجود تخصيصات مالية، وهو ما اضطر أولياء الأمور إلى تحمل أعباء ذلك من خلال شرائها أو طباعتها في المكتبات الأهلية على حسابهم الخاص.
ويرى أبو إبراهيم وهو أب لأربعة اطفال بمراحل دراسية مختلفة أن “توفير الكتب أصبح واجبًا على الأهالي وعبئًا على ذوي الدخل المحدود منهم”.
وأضاف “أبنائي لم يستلموا كتبًا كاملة وإدارة المدارس تستمر في طلب التحضيرات منهم واستنساخ الكتب”.
ويتساءل “كيف أستطيع تأمين مصاريف استنساخ لأربعة اطفال؟، وأين الأموال التي تخصصها الدولة للتعليم ولطباعة الكتب؟”.

وجاء تخبط وزارة التربية هذا في مقابل ضيق يد أولياء الأمور عقب انخفاض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار والأوضاع الصعبة المترتبة على ذلك عند الأسر العراقية، التي تفاجأت بعدم وجود كتب لأبنائها التلاميذ هذا العام.
وقال الخبير التربوي حيدر الموسوي إن “أبنائي في المرحلة الثانوية لم يتسلموا الكتب لغاية الآن وأن العملية التربوية تعاني منذ فترة طويلة بسبب افتقار كل من استوزر حقيبة التربية للرؤية الواضحة لإدارة الملف التربوي، لذلك وقعوا في الخطأ والخلل نفسه”.
وأكد على أن “أركان التعليم هي المعلم والمنهج والطالب، وإذا فُقد الركنين الأوليين فقد التعليم، فكيف يمكن إيصال المادة العلمية دون توفير المعلم والمنهج؟”.
ويرى الخبير التربوي، أن “لجنة التربية النيابية مقصرة في هذا الملف، فمن غير المعقول عدم متابعتها لأداء الوزارة واستجواب الوزير، أو على الأقل توجيه سؤال نيابي له”.
وأضاف “مجلس الوزراء يعقد جلسات أسبوعية، ولكن لم نشاهد يومًا وزيرًا للتربية تحدث بضرورة توفير الدعم للوزارة لتنفيذ حملة تربوية وتعليمية تنطلق من مجلس الوزراء ومدعومة من مجلس النواب”.
وتساءل الموسوي “ماذا يفعل وزير التربية عندما يجلس في جلسات مجلس الوزراء، مع وجود نقص في التخصيصات المالية من قبل مجلس الوزراء في موازنة التربية، وخاصة فيما يخص طباعة الكتب كما تؤكد التربية نفسها؛ أليس من المفترض على الوزير طرح هذه المشكلات في مجلس الوزراء لغرض إيجاد المعالجات والحلول لها؟”.
وتابع “وزارة التربية تحتضر منذ سنوات، ما يتطلب وقفة جادة من خلال وضع تخطيط حقيقي وواع ومنضبط للوزارة”.

بدوره انتقد عضو نقابة المعلمين العراقيين هيثم العلي عجز وزارة التربية عن “توفير الكتب المدرسية حتى الآن بالشكل الكامل في وقت كان من المفترض فيه أن تنجز الوزارة طباعة الكتب وتوزيعها قبل بداية العام الدارسي”.
وأوضح أنّ “بدء العام الدراسي من دون إكمال طباعة الكتب يعني تكرار المعاناة ذاتها، الأمر الذي يؤثر سلبًا في العملية التعليمية بصورة عامة ما يستدعي ضرورة عدم الاكتفاء بالوعود غير القابلة للتنفيذ”.
ويتفق التدريسي والناشط في مجال التعليم أيوب حسن مع ما ذهب إليه العلي بالقول إن “الكتب المستعملة وإن كانت لسنة واحدة فهي تؤثر بشكل كبير على نفسية الطلبة، بل وتصنع فجوة بينهم وبين من يحصلون على كتب جديدة من أقرانهم، لا سيما وأن المناهج التربوية سنويًا معرضة للحذف في بعض المواضيع، مما يضطر الطالب إلى الحذف وطي بعض الصفحات وتحويل كتابه إلى ما هو أشبه بالخريطة”.
ويؤكد أن “سيناريو تأخير استلام الكتب وعدم توفرها سيتكرر سنويًا لأن الوزارة تدمج الميزانية الخاصة للمناهج وطباعتها مع ميزانية الوزارة التشغيلية، مما يجعلها في تأخر سنوي مستمر لانتظار الميزانية العامة”.
ويرى الناشط في مجال التعليم، أن “ما يحصل من تأخير في عمليات توزيع واستلام الكتب يؤثر بنسبة 95 بالمائة سلبًا على منظومة التعليم لأن تأخرها يعني تأخير الدوام شهرًا كاملًا مايعني غياب شهر كامل من الخطة السنوية وما يلحقه من دفع وتقليل في سير العملية الدراسية وتأخيرات في مواعيد الامتحانات وبالتالي انخفاض جودة التعليم بشكل واضح”.

وتعد ظاهرة نقص الكتب المدرسية او تطعيمها بالممزق القديم من المشكلات الكبيرة والمعاصرة للعملية التربوية في البلاد، فمنذ سنوات والمدارس تعاني من النقص الحاد، حتى يضطر الأهالي الى الاعتماد على الكتب المطبوعة في مطابع إيرانية وسط اتهامات لأطراف تدين بالولاء لإيران بتعميق هذه الأزمة لضمان استمرار الطباعة في إيران.
ويقول أحد باعة الكتب المنهجية المستنسخة في شارع المتنبي، إن “الكتب التي نوفرها للبيع تأتينا مطبوعة من إيران وهي أشبه بالكتب المنهجية من دون أي فرق، بالإضافة إلى الكتب المستنسخة بالأسود والأبيض”.
ويؤكد البائع الذي رفض الكشف عن اسمه، أن “إقبال الأهالي بشكل اضطراري كبير على شراء الكتب المستنسخة لعدم توفرها في المدارس وإننا في شارع المتنبي، نحاول بيع الكتب المدرسية بسعر مناسب”.
وتتواصل في بغداد وعدد من المحافظات مبادرات شعبية أطلقها شبان ومتطوعون لتوفير الكتب للطلاب من العائلات الفقيرة، بهدف تغطية النقص الحاصل وعدم توزيع وزارة التربية الكتب المدرسية هذا العام.
وقال قائمون على المبادرة، إن “الفكرة جاءت بعدما عجزت وزارة التربية عن توفير الكتب للطلاب، وإذا كانت العائلات الغنية قد استطاعت توفير الكتب لأبنائها، فإن الفقيرة لم تتمكن من ذلك”.
ويؤكد القائمون على هذه الحملات أنهم جمعوا مبالغ مالية فيما بينهم عن طريق العلاقات الخاصة وتبرعات أهل الخير، وعن طريق المساجد وروادها، قبل الاتفاق مع مكتبات أهلية لطباعة الكتب، وتوزيعها بالتنسيق مع إدارات المدارس في المناطق المستهدفة لتخفيف العبء عن عدد من العائلات الفقيرة التي لا تستطيع توفير تلك الكتب لأبنائها.
ومع التحاق نحو 12 مليون طالب هذا العام بمدارسهم لم يكن مشهد نقص الكتب المشهد الوحيد الذي عكر صفو العام الدراسي الجديد في وقت مبكر بعد تداول العديد من المقاطع المصورة لنقص المقاعد الدراسية لاسيما المقطع الذي وثق خلو مدرسة ثانوية من المقاعد الدراسية في مدينة الصدر شرقي بغداد في وقت تشهد البلاد كذلك نقصًا واضحًا في الملاكات التعليمية والأبنية المدرسية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى