أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

تضليل الرأي العام وتلفيق التهم يزهق أرواح الأبرياء في العراق

حكومة السوداني تواجه فضيحة أمنية بعد تورط قوة حكومية بقتل مواطن ببغداد وتزوير هويته لتسويق منجز أمني يتعلق بالإطاحة بتاجر مخدرات معروف.

بغداد – الرافدين

ناشدت عائلة المواطن عمر عدنان شاكر النعيمي الذي قتل على يد قوة حكومية في بغداد عقب تلفيق تهمة ضده وتزوير هويته، الحكومة للكشف عن ملابسات مقتل المغدور عقب تشويه سمعته واتهامه بالمتاجرة بالمخدرات للتغطية على عملية تصفيته.
وجاءت مناشدة العائلة بعد نحو أسبوعين على ادعاء وزارة الداخلية في حكومة الإطار التنسيقي قتل تاجر المخدرات الملقب “مصطفى حناية” ببغداد، بعد نصب كمين محكم له لغرض القبض عليه، ليتبين فيما بعد أنه شخص آخر يعمل في مجال صيرفة العملات الأجنبية وأن العملية تمت بدافع السرقة.
وأكد بيان وزارة الداخلية الصادر بتاريخ التاسع عشر من تشرين الأول الماضي، أن “قوة أمنية اشتبكت مع تاجر المخدرات الملقب (مصطفى حناية) ب‍شارع المعارض في منطقة سبع أبكار بالعاصمة بغداد، وتمكنت من قتله وذلك اثناء نصب كمين محكم له لغرض القبض عليه وأن القوة نقلت جثة (مصطفى) إلى مدينة الطب”.
وناشد والد الضحية رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ووزير الداخلية الحالي عبد الأمير الشمري ومجلس القضاء الأعلى، لكشف حقيقة قتل ابنه من قبل مكافحة المخدرات التي أقدمت على توقيفه وسط الشارع وسحبه الى فرع لا يوجد فيه أحد سوى حارس وقتلوه بعد ان تدافع معهم”.
وبين والد الضحية أن “مكافحة المخدرات من المفترض انها جاءت إلى شخص يعمل تاجر مخدرات، أما ابني ليس عليه أمر قبض ولا يعمل في تجارة المخدرات وتم اتهام ابني على انه (مصطفى حناية) ويعمل تاجرا للمخدرات”.
وأضاف “ذهبت إلى الطب العدلي ووجدت ابني مقتولًا هناك، وعند السؤال قالوا إن شعبة المخدرات هي من أتت به، عند الساعة الثالثة صباحًا من يوم الخميس التاسع عشر من تشرين الأول، بعد أن تم قتله عند الساعة الـ 11:30 ليلًا”.
وتابع “ذهبت إلى شعبة المخدرات من أجل الحصول على كتاب منهم لاستلام الجثة، حيث قالوا إن ولدي تاجر مخدرات، وبعدها تم تسليمي الكتاب وذهبت إلى الطب العدلي الذي رفض بدوره تسليم الجثة إلا بعد طلب من القاضي”.
وكشف أنه “ذهب إلى القاضي وشرح له ما جرى مع ابنه الذي كان يحمل معه 80 مليون دينار عراقي ومسدس، متسائلًا، عن مصير الأموال التي كان يحملها والسلاح”.
بدورها كشفت زوجة الضحية عمر النعيمي، أن آخر اتصال معه كان عند الساعة الحادية عشرة مساءًا، وبعدها لم يرد على جميع الاتصالات، يوم الخميس التاسع عشر من تشرين الأول 2023.
وأضافت “المفاجأة كانت عندما وجدت منشورًا في مواقع التواصل الاجتماعي يقول إنه تم قتل تاجر المخدرات الملقب (مصطفى حناية)، لكن (عمر) لا يعمل في تجارة المخدرات ولديه 5 أطفال ومن قتله هم مكافحة المخدرات”.
أما جيران الضحية فقد شهدوا له بحسن السيرة والاستقامة وسط صدمة انتابتهم من هذا التصرف الحكومي الذي أسفر عن قتل المغدور بدم بارد وتلفيق تهم لاتستند لأي دليل ضده وتزوير شخصيته لتبرير هذه الجريمة التي تفوح منها الطائفية ودوافع السرقة.
وعرض برنامج “صوتكم” الذي تبثه “قناة الرافدين” الفضائية يوميًا عدا الخميس شهادات لجيران المغدور وأصغر أبنائه الذي حمل صورة أبيه وأطلق مناشدات بصوت حزين للقصاص من قتلته وإحقاق الحق.

وتحولت الانتهاكات المتكررة وفبركة التهم وتضليل الرأي العام لتسويق الروايات الحكومية وما يبنى عليها من إزهاق للأرواح وانتهاكات جسيمة إلى ظاهرة مقلقة تستدعي الوقوف عندها وفتح تحقيق دولي، حفاظًا على أرواح الأبرياء.
ويؤكد ناشطون أن السلطات الحكومية تمارس عمليات التضليل تحت حجج شتى، لتبرير ما يعرف بعمليات مكافحة الإرهاب التي أزهقت آلاف الأرواح البريئة وأخفيت أخرى في غياهب المجهول تحت يافطتها، كما دمرت مدن بأكملها وشردت أهلها.
ويقول الناشطون في تعليقات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي إن استمرار حلقة الإفلات من العقاب الحالية والعجز والتواطؤ الحكومي سيغري الجناة لارتكاب المزيد من هذه الجرائم التي ستبقى دون أي كشف لأسبابها الحقيقية أو محاسبة قضائية عادلة في ظل نظام قضائي مهشم وفاسد ومسيس بالكامل.
ويستذكر ناشطون جرائم عدة على غرار حادثة تصفية الشاب عمر النعمي ومن بينها مجزرة جبلة في بابل التي راح ضحيتها واحد وعشرون مدنيًا من عائلة واحدة بينهم نساء واطفال وجنين ببطن والدته، بعد أن مارست الجهات الأمنية المكلفة بالتحقيق بالمجزرة، تزويرًا وتحريفًا للحقائق بطريقة فجة عقب اتهام رب الأسرة رحيم الغريري بقتل أطفاله والانتحار فضلًا عن اتهامه بالمتاجرة بالمخدرات إلى جانب اتهامه بالإرهاب وتهم أخرى دون أي تثبت.
وفضحت العديد من الشهادات والأدلة المتواترة فيما بعد هذه الاتهامات ما اضطر الحكومة، إلى الاعتراف بوجود محاولة تضليل للرأي العام في حيثيات المجزرة المروعة.

وتعد جريمة قتل المواطن عمر النعيمي استمرارًا لجرائم كثيرة سجلت في السنوات السابقة، لاسيما من قبل ميليشيات الحشد وانتهت بتشكيل لجان تحقيقية وتم تسويف النتائج مع عدم وجود أي محاسبة قانونية.
واكتفت الجهات الأمنية بالتركيز على تشكيل اللجان التحقيقية، لتمييع الجرائم بغية إفلات مرتكبيها من العقاب.
ودأبت القوات الحكومية والأجهزة الأمنية على تضليل الرأي العام مع كل إخفاق لها للتغطية على فشلها وطائفيتها وظهر ذلك جليًا في العديد من الحوادث السابقة.
وأبرز تلك القصص المثيرة فضيحة إجبار شاب عراقي في محافظة بابل على الاعتراف بقتل زوجته والإلقاء بجثتها في نهر دجلة قبل أن يتبين لاحقًا أنها على قيد الحياة.
وتسببت قضية الشاب علي الجبوري بموجة غضب عارمة لدى الرأي العام العراقي، لجهة كمية الاستفزاز الذي تسببت به، حيث تم إجبار شاب بريء على الاعتراف بارتكاب جريمة قتل، تحت التعذيب والتهديد بـ”جلب أخواته وأمه” وفقًا لإفادة “المتهم البريء” الذي لم يوفر له انتماؤه إلى الجيش الحكومي حماية من السلوكيات المألوفة لعناصر مكاتب مكافحة الإجرام.
وبعد أن كتبت له النجاة، قال الجبوري في لقاء تلفزيوني له بعد الإفراج إن “الآلاف يتعرضون لما تعرض له”.
ولا تصل الكثير من قصص التعذيب إلى الإعلام والرأي العام، إلا حين يتوفى المعتقل أو يصاب بعاهة مستديمة، أو يُفتضح أمر القصة كما في “قضية بابل” حين “سقطت السلطات في الفخ” وأعلنت على لسان قائد شرطة المحافظة اللواء علي الشمري “اعتقال مجرم قتل زوجته” ليتبيّن في ما بعد أنها على قيد الحياة.
ومع اكتشاف قصة الشاب مع زوجته وتركيز وسائل الإعلام العراقية عليها في وقتها لأنها جريمة عامة، إلا أن عمليات التعذيب التي تطال المتهمين بقضايا سياسية و”إرهابية” تكاد تغيب كليًا عن الرأي العام.

أبو مرام.. معتقل ينتزع حريته بعد إجباره على توقيع اعترافات بجرائم لم يرتكبها جراء التعذيب

ويروي معتقل سابق من محافظة بابل كذلك، ما تعرض له من انتهاكات داخل السجن إثر اتهامه بالضلوع بجريمة قتل عقب فبركة الأدلة ضده.
ويستعرض أبو مرام كما يكنى والذي مازالت تطارده كوابيس السجن هول ما شاهده من مآسي عقب اختطاف اثنين من الموظفين الكبار في شركة المقاولات في المسيب بمحافظة بابل والتي كان يعمل فيها كسائق سيارة حمل منتصف سنة 2007 واتهام مجموعة من الموظفين في الشركة باختطافهما، وكان هو واحد منهم.
ويتابع المعتقل الذي ما زالت آثار التعذيب باديةً على أنحاء متفرقة من جسده، مع عاهة دائمة في رجله اليمنى جعلته غير قادر على المشي باستقامة بعد أن رفض الكشف عن هويته “داهمت قوة عسكرية منزلي وروعت عائلتي ووضعوا القيود في يدي ثم سلموني لمكافحة إرهاب الأعظمية، وبقيت هناك، في حجرة صغيرة طولها متر ونصف وعرضها 75 سنتيمترًا ولم أكن أخرج منها إلا إلى غرفة التحقيق لأتعرض للتعذيب بالسياط والهراوات والركل بشكل يومي، وكان ذلك يبدأ عادةً بعد منتصف الليل”.
وأضاف أبو مرام الذي هاجر خارج البلاد واستقر مع أسرته في ولاية بولو التركية، منذ أكثر منذ ست سنوات وهو ويشير إلى رجله اليمنى، ويقول بنبرة حزن “تضرر عصب رجلي بسبب الضرب المبرح ليحصلوا مني على اعتراف بجريمة لم أرتكبها، لذا فانا أعرج في مشيتي”.
وبين في شهادته “لقد كانوا يعذبونني لأسابيع من دون أن يأخذوا مني الاعترافات التي يريدونها، ثم يعرضونني على قاضي التحقيق، فيطلب إعادة التحقيق، أي إعادة فترة التعذيب، وأخيرًا وقّعت لهم على ورقة مكتوب فيها مسبقًا أنني اشتركت في خطف الموظفين وقتلهما، بعد أن أخذت من عائلتيهما فديةً ماليةً”.
وعلى ضوء ذلك صدر حكم ضده بالسجن 40 سنةً أواخر سنة 2009، وبعد نحو خمس سنوات، ألقي القبض على المتهمين الحقيقيين بخطف موظفي شركة المقاولات وقتلهما، وتمت إعادة محاكمة أبي مرام، في محكمة الجنايات المركزية في بغداد، الهيئة الثالثة، التي قررت الإفراج عنه لعدم كفاية الأدلة في التاسع من آذار 2015.
ولم يطلق سراحه مباشرة، بل تنقل من سجن إلى آخر لغاية سنة 2017 بذريعة التأكد مما إذا كان متهما بقضايا أخرى.
ويشير متحسرًا إلى أن حكم البراءة لم يكن كافيًا، لأن بعض المتصيدين في الماء العكر قد حكموا عليه بالإرهاب بمن فيهم بعض أقربائه ممن كانوا يتعاملون معه بريبة، ليقرر على إثر ذلك ترك البلاد بأسرها والبحث عن مكان يعيش فيه مع أسرته “بسلام”.

ولا تقتصر خطورة ملف جريمة تصفية الشاب عمر النعيمي وعائلة المواطن رحيم الغريري والتعذيب الذي ناله أبو مرام وغيره على الانتهاكات الوحشية التي تعرضوا لها، بل تسلط الضوء أيضًا على فشل الأجهزة الأمنية وبقية السلطات المعنيّة، التي لم تتدرب لتتمكن بالتعامل بحرفية مع مثل هذه الحالات، بالرغم من أن ميزانية الوزارات الأمنية تتربع على رأس قائمة الإنفاق العراقي، حيث يدفع العراقيون معظم أموال ثرواتهم للإنفاق على وزارات وأجهزة الأمن.
ولطالما أودى غياب المهنية وضعف المعلومات الاستخباراتية التي تستند إليها عمليات شتى صنوف القوات الحكومية، بحياة مئات المدنيين منذ العام 2003، وهو أسلوب دأبت عليه القوات الحكومية وقبلها جيش الاحتلال الأمريكي، الذي يعتمد على معلومات مضللة وزائفة.
ولعل إعلان وزارة الدفاع الحالية وخلية الإعلام الأمني أن طيران الجيش نفذ ضربة جوية في قاطع عمليات غربي نينوى أسفرت عن مقتل “إرهابيين” اثنين العام الماضي من الأمثلة الشاخصة على عمليات التضليل وتلفيق التهم عقب أن فند سكان محليون من المنطقة، الرواية الحكومية حينما أكدوا أن الضحايا من رعاة الإبل من قبيلة شمر.
وقال هؤلاء السكان إن الضحايا المستهدفين لا علاقة لهم بالتنظيمات الإرهابية وإنما هم من البدو الرحل في بادية الحضر.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى