أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيبلاد النهرين عطشىتقارير الرافدين

اليوم العالمي للمدن يمر شاحبًا على محافظات العراق

العاصمة العراقية بغداد تتصدر أسوأ مكان للعيش في مدن العالم، ليس بسبب الانعدام الكامل للخدمات فحسب، بل لأن أهلها يعيشون اغترابًا حسيًا مع مدينتهم التي باتت مختطفة من قبل الميليشيات والأحزاب السياسية الفاسدة.

بغداد- الرافدين
مر اليوم العالمي للمدن الذي تحتفل به مدن العالم برمتها في الحادي والثلاثين من تشرين الأول من كل عام، على المدن العراقية شاحبًا فيما تستمر المدن المنكوبة في غرب العراق في أزمتها بعد استحواذ الميليشيات الطائفية عليها ومنع عودة أهلها، فيما تعيش بقية مدن العراق في أسوأ مراحل في تاريخها المعاصر بعد تردي الخدمات فيها وأحاطت بأطرافها المناطق العشوائية التي تفتقر لشروط الكرامة الإنسانية.
وأحتفل المجتمع الدولي باليوم العالمي للمدن في الحادي والثلاثين من تشرين الأول. من أجل تعزيز رغبة الوسط الدولي في نشر الحضرية على مستوى العالم.
وحددت الأمم المتحدة يوماً خاصاً بالمدن باعتباره مناسبة سنوية لنشر العمل حول مفهوم التوسع الحضري المستدام من خلال تعزيز التعاون الدولي والاحتفال بالنجاحات وتعظيم الفرص والتصدي للتحديات التي أوجدتها الوتيرة العالمية السريعة للتوسع الحضري، خاصةً في مجال الابتكار والتكنولوجيا والاستثمار من بين أمور أخرى، ومواجهة تحديات الإسكان وتغير المناخ والوصول العادل إلى الخدمات.
وقال الأمين العام لأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “فلنتخذ من احتفالنا باليوم العالمي للمدن فرصة نعقد فيها العزم على العمل معًا من أجل النهوض بالمناطق الحضرية التي ليست محركات للنمو وحسب، وإنما هي منارات على طريق تحقيق الاستدامة والقدرة على الصمود والرخاء للجميع”.
ويأتي الاحتفال الدولي فيما تصدرت بغداد المدن العربية بمستوى تلوث الهواء وحلت بالمرتبة الثالثة عشر عالميًا، بمعدل تلوث تجاوز عشرة أضعاف القواعد الإرشادية التابعة لمنظمة الصحة العالمية.
ووفقًا لبيانات صادرة عن شركة “أي كيو إير” لتكنولوجيا جودة الهواء السويسرية، ما يزال تلوث الهواء يمثل أكبر تهديد للصحة البيئية في العراق، ويتسبب التعرّض لتلوث الهواء بحالات صحية عديدة قد تتفاقم، تشمل على سبيل المثال أمراض الربو، والسرطان، وأمراض الرئة، وأمراض القلب، والوفاة المبكرة.
وتتصدر العاصمة العراقية بغداد أسوأ مكان للعيش في مدن العالم، ليس بسبب الانعدام الكامل للخدمات فحسب، بل لان أهلها يعيشون اغترابا حسيا مع مدينتهم التي باتت مختطفة من قبل الميليشيات والأحزاب السياسية الفاسدة.
وتريّفت مدينة بغداد ودُمّر جمالها وقُسمت أحياؤها بطريقة طائفية مقيتة دمّرت نسيجها الاجتماعي، وهدّمت تماثيلها ورموزها واستبدلت بتماثيل طائفية خالية من أي رمز حضاري.
ولا تتوقف الميليشيات الطائفية عن تهديداتها بإزالة تمثال مؤسس بغداد وبانيها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور.
وصارت بغداد أكبر مدينة مثقلة بالأحياء العشوائية وفقدت أهمية أي تخطيط لها كما فقدت قبل ذلك هويتها، وصار عدد سكانها أكثر من 12 مليون نسمة بما يقرب من ثلث سكان العراق بينما لا يبلغ عدد اهلها الأصليين سوى بضعة آلاف موزعين في أحياء متفرقة.
وخرجت بغداد خارج التصنيف الدولي التي تعده سنويًا وحدة المعلومات والأبحاث والتحليل الاقتصادية في مجموعة (EIU) البريطانية عن جودة العيش.
ومع وجود غالبية العواصم العربية في التصنيف السنوي للمجموعة البريطانية المرموقة وهي إحدى شركة مجموعة “إيكونوميست”، إلا بغداد التي كانت تصنف في ذيل المؤشر السنوي لنفس المجموعة في الأعوام السابقة لم يظهرها المؤشر في التقرير السنوي لعام 2023.
ويستند المؤشر إلى 30 معياراً نوعياً وكمياً تتعلق بالاستقرار والنظام الصحي والثقافة والبيئة والتعليم والبنية التحتية.

صورة معبرة عن مرارة العيش في بغداد

ويمثل خروج العاصمة بغداد من مؤشر وحدة المعلومات الاقتصادية (EIU)عن تصنيف المدن الملاءمة للعيش في العالم، ضربة لحكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني. بعدما أطلقت على نفسها “حكومة خدمات”.
ويعزى عدم ظهور بغداد في المؤشر هذا العام إلى غياب المعلومات الصادرة عن المصادر الحكومية أو عدم دقتها، أو لأن طبيعة المعيشة في بغداد من الرداءة الأمر الذي جعلها خارج درجات التصنيف.
ورغم أن العاصمة العراقية بغداد تصنف ضمن أكثر عشر مدن في العالم استخداما لكاميرات المراقبة إلا أنها من المدن التي تنتشر فيها عصابات الجريمة المنظمة والخطف والسرقات وتشهد انهيارا أمنيا نتيجة سيطرة الميليشيات الموالية لإيران على الملف الأمني فيها.
وتقدر عدد كاميرات المراقبة في العاصمة بغداد بـ 120 ألف كاميرا بمعدل 16 لكل ألف مواطن. فيما يؤكد مسؤولون أن العدد تجاوز 200 ألف، من غير أن ينعكس ذلك على معدلات الجريمة والسرقات.
وقالت مديرية الدفاع المدني إن العراق شهد 19 ألف حريق، منذ بداية العام الجاري 2023.
وبحسب المديرية فإن العراق شهد حتى تاريخ الثالث عشر من شهر آب أكثر من 19 ألف حادث حريق منذ بداية العام الجاري.
وتعد مدن العراق من أكثر الدول تعرضًا للحرائق في الشرق الأوسط بسبب تهالك قطاعات الطاقة والكهرباء والإهمال الحكومي وغياب إجراءات السلامة.
إلى ذلك كشفت لجنة التدقيق النيابية، أن تقرير الفريق المختص في تدقيق مشاريع صندوق الإعمار في المناطق المنكوبة؛ وثق ملفات فساد مالي وإداري كبرى تصل إلى عشرات المليارات من الدنانير.
وأوضحت اللجنة، أن التقرير كشف عن مغالاة كبيرة في الأسعار، ومنح المشاريع لشركات بعضها جرى تأسيسها قبل عدة أشهر فقط، فضلاً عن نيل شركات دون أخرى على نسبة أعلى من المشاريع في محافظات محددة، مشيرة إلى أن التقرير أكد أن أموال صندوق الإعمار استغلته أحزاب سياسية معروفة في الترويج السياسي والانتخابي.
وكانت لجنة الخدمات النيابية، قد اعترفت في وقت سابق بعدم جدوى ما يسمى صناديق الإعمار، بسبب استشراء الفساد وسرقة مبالغ طائلة منها.
ولا تمتلك حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني رغبة جادة لإخراج الميليشيات المسلحة من المدن والمناطق المنكوبة، فضلاً عن عجزها وضعفها أمام سطوة وهيمنة تلك الميليشيات.
ولا تستطيع حكومة السوداني الوقوف بوجه الميليشيات الموالية لإيران بسبب سطوتها وسيطرتها الكاملة على الملف الأمني للمدن والمناطق المنكوبة، فضلاً عن أن الحكومة لا تمتلك رغبة جادة بهذا الأمر لما تواجهه من ضغوط، بل وتهديدات تمنعها من ذلك.
إلى ذلك حذرت تقارير دولية من مغبة زيادة خطر التصادم الثقافي داخل المجتمع العراقي نتيجة تفاقم الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة.
وشددت على أن التراجع والفشل وانهيار التعليم وانحطاط الخطاب الإعلامي والثقافي الذي يكتنف بنية المجتمع العراقي منذ عام 2003 وغياب الحلول الحكومية، أعاد البلاد إلى عقود من التخلف عندما برز صراع مجتمعي ومشاكل كان قد تجاوزها العراق منذ عقود.
وتسببت الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة بسبب الجفاف والتصحر الى بروز طبقة مسحوقة تعيش في المناطق العشوائية على هامش المدن.
وتقول الأمم المتحدة إن العراق من أكثر خمس دول في العالم متضرر من تغير المناخ مع ازدياد درجات الحرارة سبع مرات أسرع من المتوسط العالمي. الأمر الذي يهدد 92 بالمائة من الأراضي بالتصحر.
ويجعل التغير المناخي الزراعة صعبة، إن لم تكن مستحيلة، ويؤدي إلى هجرة مئات الآلاف من الأسر الزراعية إلى المدن بحثًا عن العمل وفرص العيش.

الموصل المنكوبة

ونقلت القناة التلفزيونية الألمانية في تقرير باللغة الإنجليزية عن جيمس مون مدير مجلس اللاجئين النرويجي في العراق، تأكيده على أن المدن الريفية في العراق تواجه بالفعل عددًا من المشاكل الوجودية.
وقال “بسبب فترات الصراع الطويلة في العراق، فإن المناطق الريفية تعاني من نقص الموارد، لذلك هناك عدد أقل من الوظائف، مع انهيار البنية التحتية، وعدد قليل من المدارس والمستشفيات. هذه هي الصورة لما يحدث الآن في المناطق الريفية. وكل ذلك يزيد من عدد نقاط الضعف ويجبر المزيد من الناس على الهجرة”.
وقال متحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة في العراق إنه بين عامي 2018 و2023، حددت المنظمة ما لا يقل عن 83000 شخص تركوا مناطقهم بسبب تغير المناخ والتدهور البيئي في وسط وجنوب العراق.
وأكد على أن هذه الهجرة على مسافات قصيرة، وهي في الغالب من الريف إلى المدينة، حيث ازدادت التوترات المجتمعية لصعوبة قبول المجتمع المدني للمهاجرين بثقافتهم الريفية.
ووفقًا لاستطلاعات منظمة الهجرة الدولية، فإن العديد من العائلات التي تخلت عن مزارعها وهاجرت الى المناطق العشوائية على أطراف المدن، لن تعود أبدًا.
وينتهي المطاف بالعديد من النازحين بالعيش في المستوطنات العشوائية وأكواخ الطين والصفيح في ضواحي المدن الكبرى وحولها.
وقال المتحدث باسم منظمة الهجرة الدولية “يميل الوافدون الجدد إلى العيش على الهامش، في القبول بأعمال يومية منخفضة الأجر وفي المتاجر الصغيرة والورش، بسبب صعوبة الحصول على وظائف حكومية”.
ويتنافس القادمون الجدد مع المقيمين لفترات طويلة على البنية التحتية المتهالكة بالفعل وقد يجدون صعوبة في الوصول إلى النقل والرعاية الصحية والتعليم وخدمات مياه الشرب النظيفة، الأمر الذي يجعلهم بيئة خصبة لانتشار الأمراض العقلية وتعاطي المخدرات.
وأجمعت تقارير دولية مدعومة بتقارير ميدانية لوسائل اعلام ووكالات أنباء عالمية، على أن الكراهية بين الريف والمدينة آخذة في الازدياد في العراق.
ويتهم سكان المدينة القادمين الجدد بأنهم مصدر الجريمة وتجارة المخدرات وتستغلهم الميليشيات الطائفية المسلحة كعناصر لتنفيذ الجرائم.
وتحذر دراسات اجتماعية من تفاقم هذه المشكلة عندما يستحوذ سكان الريف على مصدر القرار في المدن، لتكون له تداعيات سياسية قادمة.
وتقول هوما غوبتا، أستاذ الهندسة المعمارية في إحاطة مكتوبة لمركز كراون لدراسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة. بأن الهجرة الريفية إلى بغداد “غيرت بشكل أساسي المسار السياسي للعراق”.
وحيال ذلك تتصاعد الأسئلة “ما الذي يمكن فعله للحفاظ على التماسك الاجتماعي العراقي في مواجهة النزوح المتزايد الناجم عن المناخ؟”.
وقدم خبراء حلولاً محتملة، حيث تقترح منظمة الدولية للهجرة التركز على البرامج المستقبلية ودعم جهود التماسك الاجتماعي في المناطق التي يتم فيها تسجيل عدد كبير من المهاجرين بسبب المناخ.
وتطالب بإجراء المزيد من الأبحاث حول التصورات بشأن انتقال النزاعات العشائرية إلى المدن وسطوتها على القانون المدني عبر السلاح المنفلت.


جيمس مون: لا يوجد أي نظام دعم دائم لهؤلاء النازحين، أو حتى الاعتراف الحكومي بأنهم يشكلون مشكلة

وتشير نصائح الخبراء الأخرى إلى أنه يمكن للسلطات المحلية إجراء حملات توعية، وبناء مساكن أفضل للقادمين الجدد، حيث يعاني العراق بالفعل من نقص في المساكن ويحتاج إلى 2.5 مليون وحدة سكنية إضافية، ومساعدة النازحين في التوظيف والوصول إلى خدمات الدولة.
إلا أن هذه المقترحات تتحول الى عبث أكاديمي بمجرد معرفة الفساد الذي يكتنف بنية الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 وانعدام الاستقرار السياسي.
وقال الناشط البيئي أحمد صالح نعمة “بالرغم من أن بعض الأجهزة تتحدث عن ذلك، إلا أن الحكومة ليست لديها خطة لهؤلاء الأشخاص”.
وأضاف “لا تزال الحكومة تنكر بعض الإحصائيات المتعلقة بالنزوح الداخلي. لذلك لا توجد خطة في هذا الصدد. أما بالنسبة للوكالات الدولية، فإن المنظمات مثل الأمم المتحدة لا تزال في طور البحث والعمل على كيفية تقديم المساعدة”.
ولا تقتصر المشكلة على النازحين إلى ضواحي المدن، بل أن التصحر والجفاف يفاقم النزاعات بين المزارعين على حصص المياه والأراضي الصالحة للزراعة، أو عندما يتم إقناع المزارعين الصغار بالانضمام إلى الميليشيات المتطرفة.
ويلاحظ مون من المجلس النرويجي للاجئين أن “موقف الحكومة الفعلي يبدو أنه بدلاً من الاعتراف بالنزوح المرتبط بالمناخ، من الأسهل الادعاء بأنهم مهاجرون لأسباب اقتصادية”. وأضاف “لكن ما يحدث هو أن أجزاء كبيرة من البلاد أصبحت غير صالحة للسكن خلال معظم أشهر الصيف، والتي تصادف أن تكون ضمن دورة المحاصيل للمزارعين. لكن أولئك الذين تشردوا يُتركون لتدبر أمورهم بأنفسهم.”
وشدد بقوله “نحن ندرك أنها مشكلة وتتبعها بأفضل ما لدينا من قدرات، لكن، بشكل عام، لا يوجد في الواقع أي نظام دعم دائم لهؤلاء النازحين، أو حتى الاعتراف الحكومي بأنهم يشكلون مشكلة.”

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى