أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

شبهات فساد تشوب عمليات تسوية الملاكات التعليمية في العراق

أحزاب ومتنفذون يستغلون تسوية الملاكات التربوية للدعاية الانتخابية بعد أن وصل سعر نقل المدرس الواحد إلى 4000 دولار في أحدث حلقة من حلقات الفساد داخل وزارة التربية.

بغداد – الرافدين

فتح الشروع بتسوية الملاكات التربوية بابًا جديدًا للفساد في وزارة التربية التي يعدها عراقيون واحدة من أبرز الوزارات فسادًا وهدرًا للمال العام خلال عقدين؛ تذيل فيها العراق قوائم جودة التعليم العالمية.
وأكدت مصادر تربوية خضوع عمليات نقل المدرسين من وإلى مراكز المدن والأرياف تبعًا للرقعة الجغرافية ومحل السكن للمساومات المالية والاستغلال السياسي بعيدًا عن معايير الكفاءة العلمية وسد النقص في الطواقم التعليمية.
وكشفت المصادر المطلعة عن خروقات كبيرة بملف تسوية الملاكات التعليمية في وزارة التربية عقب تولي سماسرة في الوزارة والمديريات مسؤولية نقل المدرسين من مدرسة إلى أخرى مقابل مبالغ تصل إلى 4000 دولار وبحسب رغبة الشخص.
وقالت إن “هناك مساومات بعد تطبيق تسوية الطواقم التعليمية وأن الملف أستغل لصالح الدعايات الانتخابية”.
وتابعت “هنالك فائض في بعض المدارس التي تسيطر عليها جهات متنفذة، في حين يعاني البعض الآخر من النقص الحاد في الطواقم التعليمية وأن معاناة الطلاب تفاقمت بعد أن شملت نقص تجهيز الكتب فضلًا عن النقص في الملاكات التدريسية”.
ويأتي الحديث عن شبهات الفساد في تسوية الملاكات التربوية في ظل نقص كبير بأعداد المدرسين والمعلمين وحاجة البلاد إلى نحو 90 ألف مدرس ومعلم موزعين بين رياض الأطفال والمدارس الابتدائية والثانوية وفقًا لوزارة التخطيط.
وكشف الناطق الإعلامي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي عن وجود “فجوة تراكمية للملاكات التربوية المتنوعة تقدر حسب إحصائيات الوزارة بـ 87 ألفًا و743 من الملاكات التربوية”.
وبين الهنداوي أنَّ “الحاجة الفعلية للملاكات التربوية تتوزع بواقع 3 آلاف و199 معلمة لرياض الأطفال، في وقت يبلغ احتياج المدارس الابتدائية 66 ألفًا و353 معلمًا ومدرسًا، في حين تحتاج المدارس الثانوية والمتوسطة والإعدادية إلى 18 ألفًا و191 مدرسًا ومدرسة.

مدارس المناطق النائية وأطراف المدن تتحول إلى ضحية لسمسرة المتنفذين بعد أن تركت بدون طاقم تدريسي

وتسجل البلاد نقصًا في الملاكات التربوية على الرغم من التعيينات التي أطلقها مجلس الخدمة الاتحادي للمحاضرين المجانيين بآلاف الدرجات الوظيفية ومختلف التخصصات هذا العام، لاسيما في المناطق الريفية والنائية وسط تحذيرات أطلقها تربويون من تبعات ذلك.
وفي هذا السياق انتقد نقيب المعلمين عباس كاظم السوداني، نقص الملاكات التعليمية والتدريسية في مدارس المناطق الريفية والنائية، بسبب “المحسوبية والوساطات”.
وأكد السوداني في لقاء متلفز تدخل الأحزاب في التعيينات واستخدامها لغايات انتخابية ما تسبب بـ “نقل أو إلغاء أوامر إدارية أو مداورة الملاكات حسب النقص الحاصل”.
وبين أن “بعض المدارس تعاني من نقص في الطواقم التدريسية خاصة في مادتي الإنجليزي والرياضيات فضلًا عن المواد الأخرى والأغلب منها في المناطق الريفية والنائية والبعيدة عن المدن، وهذه مشكلة كبيرة جدًا”.
وأضاف “هناك أمر يصدر من وزارة التربية ممثلة بالمديريات العامة للتربية في بغداد والمحافظات في بداية كل عام بتسوية الملاكات، بعد أن يزور المشرفون التربويون المدارس ويحددون النقص فيها لتتم المعالجة وترفع هذه الأسماء إلى المديرية العامة”.
وتابع “إلا أن تدخل المحسوبيات والواسطات لإلغاء هكذا أوامر صادرة عن وزارة التربية يحدث نقصًا بالملاكات ومحافظ نينوى على سبيل المثال شكا من هذا الوضع وتدخل المسؤولين”.
ووجه نقيب المعلمين نداءًا بوجوب مراعاة وضع المناطق النائية والبعيدة عن المدن وعدم التوسط ومنع ذهاب الملاكات إليها خاصة وأن الأوائل على العراق غالبًا ما يكونون من تلك المدن ويجب دعمها”.
ويتفق مدير الإشراف في تربية الرصافة الأولى محمد الركابي مع ما ذهب إليه نقيب المعلمين الذي أكد بدوره أن المدارس “تستقبل مليون ونصف مليون طفل في الابتدائية سنويًا، وتوجد بعض الاختصاصات النادرة التي نعاني من قلتها مثل الرياضيات واللغة الإنجليزية والفيزياء والتربية الفنية والرياضة”.
وأكد الركابي على الحاجة لعدد من التخصصات بينها النقص الحاد في موظفي الخدمة، مشيرًا إلى الحاجة لنحو 3 آلاف موظف خدمة.
وأوضح، أنه “لدينا 25 ألف مدرسة، كلٌ منها تحتاج إلى ما بين 15 ـ 20 معلمًا أو مدرسًا، بالإضافة لذلك نحتاج إلى ما يقارب 15 ألف مدرسة على المدى البعيد، سيتم إنجاز 8 آلاف منها بحسب العقد الصيني”.
بدرورها تقول التدريسية نور عادل الخفاجي إنّ “النقص الحاصل في الطواقم التعليمية يهدد مستوى التعليم وانخفاض الجودة، خاصة بالمواد الأساسية في المدارس ما يؤدي إلى أعباء في التعليم على المدرس، وبالتالي فإن الأمر يؤدي إلى ضعف إنتاجيته.
وتلفت الخفاجي إلى وجود العديد من المعلمين الذين يحملون على عاتقهم تدريس المراحل بأكملها، وهذا يحدث كثيرًا في المراحل الابتدائية، الامر الذي يحمّل المعلم ثقلًا كبيرًا، يفوق طاقته الاستيعابية، وبالتالي يؤثر ذلك في جودة المادة المعروضة أمام التلاميذ”.
وتنبه إلى أن تقديم الدرس بشكل سطحي ومبسط، هو ما ولد ظاهرة اللجوء الى التدريس الخصوصي او التعليم الأهلي.
ويضاف هذا الملف الى عدد من ملفات الفساد والخروقات الكبيرة التي تمضي بها وزارة التربية من خلال سيطرة جهات سياسية فاقمت من معاناة الطواقم التدريسية بقرارات لا تطبق على من يدفع الأموال الى المساومين، وسط تلكؤ في بداية العام الدراسي الجديد للطلبة ونقص في تجهيز الكتب والقرطاسية والبنى التحتية للمدارس.

وعرض برنامج “صوتكم” الذي تبثه “قناة الرافدين” الفضائية صورًا لتظاهرات نظمها طلبة في مناطق جنوبي محافظة بابل بعد مرور شهر على بدء الدوام دون تلقيهم للتعليم بسبب النقص الحاصل في الملاكات التدريسية وخضوع ملف نقل وتسوية المعلمين للمزايدات والمساومات.
وعرض البرنامج الذي يبث يوميًا عدا الخميس مناشدات لطلبة من محافظة ديالى يطالبون فيها بتوفير مدرسين لمواد علمية للحيلولة دون تأخرهم في تلقي العلم وما يترتب على ذلك من مشاكل على سير العام الدراسي الحالي كونهم من الصفوف المنتهية في وقت يمضي فيه أقرانهم بمدارس أخرى بالمنهاج دون مشاكل.
ويتراجع مستوى التعليم في العراق بشكل لافت، في ظلّ نقص حاد في إمكانات المؤسسات التعليمية، وصعوبات في معالجة المشاكل من دون خطط طويلة الأمد لسد النقص وتطوير المؤسسات وخلل واضح في وزارة التربية كما يرى نواب حاليون.
وتطالب النائبة بشرى رجب القيسي البرلمان الحالي بتقييم حقيقي بعيدًا عن المجاملة لأداء الوزير والكادر المتقدم في الوزارة حيال مايجري في مدارس العراق “من تخبط إداري وسوء تخطيط وفقدان القدرة على معالجة ازمة الكتب للطلبة فضلًا عن وجود أكثر من الفي مدرسة ايلة للسقوط واكثر من الفي مدرسة كرفانية وطينية والعجز عن سد النقص الحاصل في ملاكات الوزارة”.
ويتفق النائب علي الزبيدي مع ما جاء في حديث النائبة بشرى القيسي بالقول إن “أحد الأسباب التي أدت الى تفاقم ملفات الفساد في الوزارة بعد أن كان التلكؤ واضحًا بملف تجهيز الكتب المدرسية للطلبة بداية العام الدراسي الحالي يتمثل بغياب العقوبات الرادعة تجاه الفاسدين”.
وأشار الزبيدي إلى “خضوع ملف تسوية الكوادر التعليمية في وزارة التربية الى المزايدات السياسية واستمراره حتى الآن وأن “ملفات فساد وزارة التربية فاقت الكثير من الوزارات الأخرى”.

العملية التربوية تواجه مشاكل وصعوبات كبيرة جراء النقص في الطواقم التعليمية وعجز وزارة التربية عن وضع الحلول

وإلى جانب النقص في الملاكات التعليمية يعاني القطاع التعليمي في العراق منذ سنوات طويلة، من إهمال حكومي وضعف كبير في استحداث مدارس جديدة وترميم تلك القديمة، ما يؤثر سلبًا في مسيرة التعليم بالبلاد.
وفيما جرى افتتاح 400 مدرسة جديدة خلال العام الجاري وفقًا لبيانات رسمية، تفيد تقارير دولية بأنّ نحو 50 بالمائة من المدارس الحالية بحاجة إلى عمليات إعادة تأهيل للتخفيف من الاكتظاظ الحاصل في الصفوف التي يتجاوز عدد الطلاب في أغلبها أكثر من 50 تلميذًا.
وعلى الرغم من إعلان بناء وترميم بعض المدارس إلا أن الحاجة الفعلية لنحو 8000 مدرسة مازالت قائمة لتفادي النقص الكبير في عدد المدارس عقب الاضطرار إلى اعتماد نظام دوام مزدوج فيها، وعدم تجهيزها بمستلزمات الكتب والمقاعد وغيرها، ما اضطر الكثير من الأهالي إلى تحمّل هذه الأعباء.
ويشير البنك الدولي في تقرير حديث إلى أن بناء المدارس لوحده لن ينهض بالتعليم في العراق في بلد لا ينفق على التعليم سوى نحو 1 بالمائة من نفقاته للبنية التحتية التعليمية، وهي نسبة منخفضة بكل المقاييس في ظل حاجة ملحة وعلى وجه السرعة لإنفاق أكبر على البنية التحتية لقطاع التعليم.
ويشدد البنك الدولي في تقريره على وجوب أن تقترن الاستثمارات في البنية التحتية للمدارس، باستثمارات كبيرة في التعلم ومنها “تدريب المُعلمين، وتوفير المواد واللوازم الدراسية، وتكنولوجيا التعليم، وغيرها من مدخلات جودة التعليم. لأن مسؤولية المعلمين تتعلق بضمان أن يتعلم كل الطلاب لكن المعلمين بحاجة إلى الوسائل والدعم للقيام بذلك”.
وينقل التقرير عن معلمين القول إنهم “بحاجة إلى المزيد من المواد التعليمية، والأهم من ذلك، المزيد من التدريب” ويخلص التقرير إلى أن إعادة بناء المدارس لايعد إلا جزءًا واحدًا من الحل، فكثير من الأطفال يذهبون إلى المدرسة لكنهم لا يتعلمون”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى