أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

فوضى سعر صرف الدولار يلهب أسعار السلع الأساسية في الأسواق العراقية

خبراء اقتصاديون وناشطون يحملون حكومة الإطار التنسيقي وإدارة البنك المركزي متمثلة بعلي العلاق مسؤولية جر البلاد إلى فوضى الأسعار في ظل حالة التذبذب والركود التي تشهدها الأسواق عقب العجز عن السيطرة على سعر صرف الدولار.

بغداد – الرافدين

شهدت الأسواق العراقية في الأيام الأخيرة قفزة كبيرة بأسعار السلع لاسيما الغذائية والأساسية منها، بعد ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي، ما أثقل كاهل المواطنين من ذوي الدخل المحدود، في ظل عدم اتخاذ الحكومة أي إجراءات للحد من هذا الارتفاع المتصاعد في الأسعار.
ووصل سعر صرف الدولار إلى نحو 165 ألف دينار مقابل كل مائة دولار، بارتفاع غير مسبوق مما زاد الارتفاع بأسعار السلع الغذائية وسط نوبة خوف انتابت المواطنين من تداعيات تذبذب أسعار الصرف وتأثيراتها على أسعار السلع.
ولم تتخذ الحكومة بدورها أي خطوة فاعلة في منع الاحتكار بعد ان خيم الركود مجددًا في الأسواق العراقية في ظل غياب الرقابة والدعم للطبقات الهشة ممن تعتمد على رواتب الرعاية الاجتماعية ومفردات الحصة التموينية.
وأوضح ديوان الرقابة المالية، في تصريح صحفي، أن العراق يمر بمرحلة ركود اقتصادي بسبب تذبذب أسعار العملة، لأن الوضع الاقتصادي في العراق يعتمد بشكل أساس على واردات تصدير النفط الخام مقابل استيراد السلع والبضائع.
وأكد مدير ديوان الرقابة المالية صلاح نوري على أن العراق يمر بمرحلة أشبه بالركود الاقتصادي بسبب تذبذب أسعار صرف الدولار، وأن تراجع نشاط التجارة يؤثر كثيراً بأسعار الصرف.
وأشار إلى تأثير انخفاض أسعار النفط الخام على تنفيذ الموازنة التشغيلية خصوصًا تعويضات الموظفين والرواتب التقاعدية، فضلًا عن تنفيذ المشاريع التي تواجه في الأصل صعوبات في تنفيذها خلال المدة المتبقية من سنة 2023.
بدوره قال عضو اتحاد غرفة تجارة بغداد حسن الشيخ إن الارتفاع الجديد في سعر الصرف أثر كثيرًا على معدلات الأسعار في السوق.
وأوضح الشيخ، أن الاقتصاد العراقي يمر بأسوأ الظروف، وسيقبل على انهيار كبير بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة التي تعمل عليها سلطة القرار الاقتصادي في العراق، فضلًا عن، التأثيرات السياسية والمحسوبية التي تنخر مختلف القطاعات.
وأضاف أن الركود الاقتصادي الذي تشهده السوق المحلية جاء بسبب العلاقة الطردية مع ارتفاع سعر الصرف، والكثير من جوانب التداول النقدي في العراق تتم عن طريق الدولار، حتى رشوة الموظفين المنتشرة في المؤسسات لا تتم إلا بالدولار، وهو ما زاد مستوى الطلب.
وأفاد بأن النظام المالي والمصرفي في العراق يعاني من فساد كبير، ولا يمكن إصلاحه في ظل استمرار النظام الحالي الحاكم في الدولة بسبب سيطرة النفوذ والأجندات على سلطة القرار الاقتصادي والنقدي، متوقعاً استمرار ارتفاع سعر الصرف إلى أكثر من 180 ألف دينار لكل 100 دولار خلال الأيام القادمة.
وبيّن الشيخ أن البنك المركزي العراقي فشل في تحديد سعر الصرف والسيطرة عليه، ولا يمتلك قرار الحل الفني والإداري للحد من الارتفاع وتوفير الدولار بانسيابية لمستحقيه سواء كانوا من التجار أو المسافرين، مشيرا إلى أن هناك شبهات خطيرة ترتبط بعدد كبير من التجار الذين يشترون الدولار بالسعر الرسمي من نافذة البنك المركزي بحجة الاستيراد، لكن الحقيقة هم يقدمون فواتير مزورة ووهمية إلى البنك المركزي للحصول على الدولار بتواطؤ مع عدد من الموظفين الفاسدين.

ارتفاع أسعار الخضار والفواكه والسلع المستوردة يثقل كاهل العراقيين ويفاقم معاناتهم

ويصنف العراق في قائمة الدول المستوردة لأغلب منتجاتها، في اعتماد كبير على الدولار الذي يُعد عملة ثانية في البلاد، ما يعني أن أي تغييرات في سعر الصرف، تنعكس بشكل مباشر على السوق والحركة التجارية.
وبسبب الاعتماد الكبير على استيراد البضائع تحول البلد على مدار عقدين إلى معبر لعمليات تهريب كبيرة “للدولار” تحت غطاء الاستيراد الذي بات بحسب مراقبين “ثقبًا أسودًا” لاستنزاف الأموال الصعبة وتحويلها إلى دول مثل لبنان وإيران عن طريق “مزاد بيع العملة”، في خطوة منظمة تهدف إلى كسر الحصار الاقتصادي والعقوبات الأمريكية على إيران ودعم حزب الله في لبنان.
وتتمحور الفكرة الأساس لمزاد العملة المتعلق “ببيع” الدولار إلى المصارف وشركات تحويل الأموال لإدارة عملية استيراد البضائع وتتراوح “مبيعاته” من الدولار يوميًا بين 200 و 300 مليون دولار، لكن شبهات عدة تُطاول شخصيات سياسية نافذة وزعماء ميليشيات وشخصيات مرتبطة بمرجعيات دينية تقف خلف تلك المصارف لإدارة عمليات الفساد.
ويقدر خبراء الفارق بين حجم الحوالات إلى الخارج وبين قيمة البضائع الداخلة بـ 30 مليار دولار بينما يصف متخصصون بالاقتصاد مزاد العملة بأنه واجهة لاستنزاف للدولار وفرصة لبعض المصارف التي تمتلكها جهات نافذة، لتحقيق أرباح كبيرة من خلال ببيع كميات كبيرة من الدولارات يوميًا، تفوق حاجة الاقتصاد العراقي ولا يعود منها كبضائع إلا بنسب لا تتجاوز الـ 40 أو 50 بالمائة في أفضل الأحوال والباقي يهرب إلى دول الجوار لاسيما إيران.
ومع تزايد السخط في الشارع العراقي يحمل ناشطون ومواطنون حكومة محمد شياع السوداني مسؤولية ما وصلت إليه ظروفهم المعيشية من عجزهم عن تلبية متطلبات عائلاتهم بسبب الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، لعدم إيفاء الحكومة ببرنامجها الذي ألزمت نفسها به قبل عام بعد أن تعهدت بإعادة التوازن للوضع الاقتصادي.
وانتقد ناشطون الحلول الترقيعية وما عدوه كذبًا مفضوحًا للهروب من تحمل المسؤولية وللتغطية على الفشل المستمر منذ عشرين عاما من المسؤولين الحكوميين.

سعر الصرف يصل إلى 165 ألف دينار لكل مائة دولار عقب عجز الحكومة عن الحد من تدهور قيمة الدينار

وقبل نحو 8 أشهر، حث رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني العراقيين على عدم اقتناء الدولار، قائلًا إن “الدينار هو الأقوى” قبل أن تكشف الأشهر اللاحقة زيف هذه التصريحات.
وأعاد مدونون التذكير بتصريحات السوداني، التي هاجم فيها قبل وصوله لسدة الحكم، قرار الحكومة السابقة بتغيير سعر الصرف، فضلًا عن التذكير بتبني الإطار التنسيقي الذي تنضوي تحته الميليشيات الولائية ودفع بالسوداني لرئاسة الحكومة، قضية إرجاع سعر الصرف إلى سابق عهده.
واستذكر مدونون تصريحًا سابقًا للسوداني أكد فيه أن “ثورة الجياع قادمة إذا لم تعاد قيمة الدينار العراقي أمام الدولار للسعر السابق” في منشور نشره السوداني على صفحته الرسمية الموثقة بالعلامة الزرقاء في تويتر وفيسبوك في شهر آذار من العام الماضي.
وطالب السوداني في منشوره الحكومة السابقة والبرلمان بـ “عدم العناد وألا تأخذهم العزة بالأثم” في وقت تشهد فيه أسعار صرف الدولار ارتفاعًا غير مسبوق في الأسواق الموازية لم تصل إليه حتى في زمن الحكومة السابقة التي كان يحرص السوداني على انتقادها.
وكان السوداني قد تعهد، بأنه لن يترك المواطن يعاني من تبعات قرار تغيير سعر الصرف الذي أقرته الحكومة السابقة، وأن حكومته ستعمل على تقليل المعاناة من خلال رفد المواطن بالمواد الغذائية بشكل كبير ضمن مفردات الحصة التموينية، إلا أن هذه الوعود لم يتحقق منها شيء على أرض الواقع مع الارتفاع المتواصل لأسعار السلع الغذائية وحالة الكساد والركود التي تشهدها الأسواق ما يضع حكومته في حرج كبير أمام المواطنين في بلاد يعاني ربع سكانها من الفقر، بحسب إحصاءات وزارة التخطيط.
ويشكك خبراء اقتصاديون، بجدوى التصريحات الحكومية والإجراءات الخجولة في كبح جماح الدولار، وضبط الأسعار في الأسواق التي تشهد توقفًا شبه تام جراء التذبذب في الأسعار في ظل ارتباط هذا الملف بملف تهريب الدولار للدول المحضورة لاسيما إيران.
ويعزو الخبير الاقتصادي كريم الحلو الركود والكساد الذي تشهده السوق العراقية لارتفاع سعر صرف الدولار الذي عده المشكلة الأساس في تدهور الوضع الاقتصادي العام في العراق.
وقال الحلو، إن السوق العراقي مفتوح تجاريًا مع الدول المحظورة من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي، الذي منع تمامًا تحويل الدولار إلى تلك الدول المتمثلة بإيران ولبنان وسوريا.
وبيّن أن الدولار اللازم لاستيراد البضائع من هذه الدول يتم شراؤه من السوق الموازي بأسعار عالية، وهو ما يعني تزايد الطلب، الذي بدوره يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
وأوضح الحلو أن أكثر من 280 مليون دولار، هو معدل الحوالات الخارجية اليومية من العراق، يذهب إلى عمليات تحويل مشبوهة عبر أدوات تهريب العملة أو شراء بضائع وهمية، ما أثر بشكل كبير على مستويات الأسعار ورفع حجم الكساد والتضخم في السوق العراقي.
وأضاف أن الكثير من المصالح التجارية المحلية وأصحاب المحال والشركات البسيطة توقفوا عن العمل بسبب السياسة الخاطئة التي تتبعها إدارة البنك المركزي باتجاه عدم احتواء أزمة الركود التي تشكل خطراً اقتصادياً يضر بمصلحة الأمن الاقتصادي العراقي.

ارتفاع منسوب الغضب الشعبي تجاه التخبط الحكومي في ضبط أسعار صرف الدولار في الأسواق الموازية

ويواجه السوداني نقمة متزايدة حيال ارتفاع أسعار المواد الغذائية عقب اختياره علي العلاق، المقرب من رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، لإدارة منصب المحافظ للبنك المركزي بعد أن شغل المنصب بين الأعوام 2014 – 2020 حينما أدار مع المالكي أكبر عملية فساد في تاريخ العراق، جرى هدر ما يقارب من مائتي مليار دولار وقتها وفق الأرقام الحكومية.
وفي هذا الإطار، قال النائب عدنان الجابري، إن محافظ المصرف المركزي فشل في السيطرة على ارتفاع سعر صرف الدولار.
وأشار في تصريح صحفي، إلى أن هناك حالة من الاستياء في الأوساط السياسية والشعبية من تراجع الدينار أمام الدولار، ويجب على الحكومة اتخاذ إجراءات بحق المحافظ.
وأضاف “بعد تولي العلاق منصب المحافظ، قدم خطة للسيطرة على ارتفاع سعر صرف الدولار، لكنه فشل فيها ولم يف بوعوده للشعب العراقي”.
وكشف الجابري عن وجود مداولات داخل البرلمان الحالي لاتخاذ إجراءات بحقه كونه المسؤول المباشر عن سوق العملة.
وسبق أن حذر تقرير صادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية ومقره العاصمة البريطانية لندن من أن محاولات البنك المركزي العراقي الذي يديره العلاق لمنع تهريب الدولار باءت بالفشل، إذ يستمر سعر الدينار بالتراجع أمام الدولار، مما يفاقم من معاناة العراقيين ويرفع أسعار السلع.
وأشار التقرير إلى أن النظام المصرفي العراقي وبدلًا من أن يكون مسهمًا في تطوير الاقتصاد العراقي أصبح عائقًا كبيرًا أمام النمو أو جذب الاستثمارات، فضلًا عن أنه أصبح رديفًا أساسيًا لشبكات تهريب وغسل الأموال، فهناك عدد كبير من المصارف التي تعود لشخصيات مقربة من سياسيين وأحزاب وميليشيات مسلحة تسهم بشكل كبير في تهريب الدولار وتمويل عمليات التجارة الخارجية مع دول الجوار مقابل الحصول على عمولات ودعم سياسي.
ويقدر التقرير بأن ثلثي مبيعات البنك المركزي العراقي في ما يعرف بـ”نافذة بيع العملة” لم تستفد منها السوق العراقية على مدى العقدين الماضيين، مما أدى إلى خسارة البلاد مبالغ مالية ضخمة.
ولم يستبعد التقرير البريطاني أن تتسبب عمليات تهريب الدولار في عزل وحظر مزيد من المصارف العراقية لأن بعضاً منها يسهم في خرق العقوبات الدولية، مشيراً إلى أن قرارات الخزانة الأمريكية الأخيرة بفرض حظر على عدد من المصارف العراقية وإلزام ما تبقى الامتثال لمنصة مراقبة حركة الأموال الإلكترونية ما هو إلا بداية لخطوات أشد وأعمق وأكثر إيلامًا.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى