أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدينطوفان الأقصى: القضية الفلسطينية في الواجهة الدوليةعربية

كذبة الأسلحة في مستشفى الشفاء تعيد إلى الأذهان أكذوبة أسلحة الدمار الشامل في العراق

الخبير الاستراتيجي الأمريكي بول بيلار: قضية مستشفى الشفاء في غزة وأكذوبة أسلحة الدمار الشمال بالعراق وجهان لعملة واحدة.

إسطنبول- الرافدين
أعادت كذبة تخزين أسلحة من قبل المقاومة الفلسطينية في مستشفى الشفاء في غزة، أشنع أكاذيب الإدارة الأمريكية بشأن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل لتبرير عملية احتلاله عام 2003.
وأعاد اقتحام قوات الاحتلال “الإسرائيلي” لمستشفى الشفاء في غزة في جريمة حرب مكتملة الأوصاف وفق كل الهيئات القانونية والأممية، إلى الأذهان ذكريات الحرب الأمريكية ضد العراق قبل عشرين عامًا. فبعد أن غزت القوات الأمريكية العراق بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل، أمضى الأمريكيون وقتا طويلا في عمليات البحث عن هذه الأسلحة. وبمرور الوقت أصبح البحث عن أسلحة الدمار الشامل أقل أهمية بالنسبة لتأمين القوات الأمريكية أو أي شخص آخر في العالم، وأكثر أهمية لتبرير إحدى أهم الحجج التي استخدمتها إدارة الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جورج بوش لشن الحرب.
وأصبحت عمليات البحث عن أسلحة الدمار الشامل انحرافًا عن الأهداف الأولية للحرب. ورغم أن الإدارة الأمريكية استخدمت موضوع أسلحة الدمار الشامل لحشد التأييد لحربها، فإنه لم يكن الدافع الأساسي لشن الحرب. وكما قال بول وولفويتز نائب وزير الدفاع الأمريكي في ذلك الوقت وأحد أقوى مؤيدي الحرب، فإن موضوع أسلحة الدمار الشامل ولأسباب بيروقراطية، كان مجرد “الموضوع الذي يمكن أن يتفق عليه الجميع” كأساس للترويج للحرب. وكانت الدوافع الرئيسية تكمن في مكان آخر تمامًا وبخاصة بالنسبة لطموحات المحافظين الجدد في واشنطن لاستخدام القوة المسلحة في تغيير نظام الحكم بالعراق كطريق لنشر الديمقراطية واقتصادات السوق الحرة في الشرق الأوسط.
غير أن وبعد عشرين عامًا من احتلال العراق تحولت الوصفة الأمريكية عن مزاعم الديمقراطية إلى أكبر عملية فشل في التاريخ السياسي عندما تم تدمير مفهوم الدولة في العراق وتقسيمه وفق محاصصة طائفية حيث يتبوأ العراق المراتب العليا في أكثر أنظمة العالم فسادًا.
وتم تهجير أكثر من خمسة ملايين من أهله خارج وداخل العراق، حيث ما زال يرزح أكثر مليون مهجر في مخيمات تفتقر لشروط الكرامة الإنسانية.
وسواء كان قد تم العثور على أسلحة دمار شامل أو لم يتم العثور عليها، فلن يختلف الأمر بالنسبة لأسباب حرب احتلال العراق التي كانت باهظة التكلفة. فقد كلفت هذه الحرب وما تلاها العراقيون أكثر من مليون شخص وقتلت هذه الحرب التي شنتها الإدارة الأمريكية أكثر من 4400 أمريكي وجرحت 32 ألف وكبدت دافعي الضرائب الأمريكيين أكثر من تريليوني دولار، وعمقت الانقسامات الطائفية في الشرق الأوسط، وسمحت بنمو الميليشيات الطائفية التابعة لإيران في المنطقة وتركت العراق في حالة اضطراب مزمن، ودمرت مصداقية الولايات المتحدة عندما حاولت محاسبة أي دولة تغزو دولة أخرى كما هو الحال في الغزو الروسي الحالي لأوكرانيا. كل هذه الأضرار وقعت سواء كانت هناك أسلحة دمار شامل أو لم يكن.
وتقول صحيفة “نيويورك تايمز” “إن ما ستجده أو ما لن تجده إسرائيل في مستشفى الشفاء بمدينة غزة يمكن أن يحدد شكل الحرب الإسرائيلية الفلسطينية في قطاع غزة. وفي ظل ما يحظى به موضوع مستشفى الشفاء من اهتمام، وأيا كانت تطوراته فالمحتمل أن يساعد في تشكيل المزاج والجدل الدولي حول ما ترتكبه إسرائيل في القطاع”.

البحث عن أسلحة الدمار في مطابخ البيوت العراقية!

لكن الأسئلة المتعلقة بحرب الإبادة التي تشنها “إسرائيل” على غزة والتي تستحق الاهتمام الحقيقي، هي ما الذي يبرر أو لا يبرر الكارثة الإنسانية التي تفرضها قوات الاحتلال على غزة. وبالتالي يصبح ما هو موجود أو غير موجود في المستشفى غير مهم، بحسب المحلل الاستخباراتي الأمريكي بول بيلار.
ويقول بيلار في تحليل نشرته مجلة “ناشونال أنتريست” الأمريكية إن الحكومة “الإسرائيلية” عولت في حملتها الدعائية على موضوع مستشفى الشفاء، وخصصت جهدا كبيرا للمكان ليس بهدف محاربة حماس إنما للعثور على أي شيء يمكن أن تقدمه لوسائل الإعلام الدولية وللعالم كدليل على استخدام الحركة الفلسطينية للمستشفى كمركز قيادة أو مستودع أسلحة مهم. ويقول مراسلو نيويورك تايمز الذين كانوا ضمن مجموعة من ممثلي وسائل الإعلام العالمية الذين سمحت لهم “إسرائيل”، وفي تصرف نادر” بزيارة المستشفى بعد أن سيطرت عليه القوات المحتلة، إنهم رأوا حفرة في الأرض في المستشفى ولم تسمح لهم القوات “الإسرائيلية” بالحديث مع العاملين فيه، ولا رؤية أي شيء آخر في الموقع.
ورغم كل المحاولات “الإسرائيلية” لإقناع وسائل الإعلام العالمية بأن اقتحامها للمستشفى وإخلائه من المرضى كان مبررا بسبب استخدام حماس له في أنشطتها العسكرية، فإنها فشلت في تحقيق هدفها، بعد أن كشفت وسائل الإعلام استخدام “إسرائيل” لأدلة مزيفة لكي تدعم روايتها بشأن المستشفى.
ومازالت إسرائيل تفتش موقع المستشفى بحثًا أي شيء يمكن أن يكون دليلا أكثر إقناعًا على استخدام حماس له.
ويعود المحلل الاستراتيجي الأمريكي بيلار الذي أمضى أكثر من 28 عامًا في أجهزة الاستخبارات الأمريكية حتى أصبح مسؤول ملف الشرق الأدنى وجنوب آسيا في مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي، إلى موضوع مستشفى الشفاء في قطاع غزة، فيقول إن عثور “إسرائيل” أو عدم عثورها على شيء ذي بال في المستشفى لن يخدم هدفها الرئيسي، كما لن يكون له أي معنى في تبرير الخسائر المروعة التي لحقت بالفلسطينيين نتيجة القصف والاجتياح الإسرائيلي للمستشفى.
علاوة على ذلك فتحقيق الأمن للمستوطنين لا يتوقف على تحقيق الهدف المعلن للحرب الحالية وهو “القضاء على حماس”، لآن العنف
“الإسرائيلي” لم يبدأ يوم السابع من تشرين الأول الماضي، كما أن حماس ليست المقاوم الوحيد الذي تنتهي مشكلة العنف بمجرد القضاء عليه.
فحماس هي حركة قومية وواحدة من المنظمات التي تعبر عن الغضب لدى الكثيرين من الفلسطينيين بسبب حرمانهم من طموحاتهم الوطنية، وبالتالي لا يمكن القضاء عليها.
وزيادة الغضب الفلسطيني بسبب الخسائر المروعة التي تلحقها الآلة العسكرية “الإسرائيلية” بسكان غزة ستؤدي إلى زيادة وليس تقليل المخاطر التي تهدد المستوطنين في المستقبل. وإذا لم يكن في المستقبل حماس بشكلها الحالي لمقاومة الاحتلال، فستكون هناك حماس2 أو أي مجموعة أخرى جديدة بالكامل أو أفراد وخلايا من الفلسطينيين يستخدمون السلاح ضد المحتلين لبلادهم.
ومرة أخرى فإن ما يمكن أن تعثر عليه جنود الاحتلال في مستشفى الشفاء لن يغير من هذه الحقيقة شيئًا.
في المقابل فإن عملية التدمير الشامل التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة مقصودة وفي ذاتها وليست خسائر جانبية للحرب ضد حركة حماس. فالرئيس “الإسرائيلي” إسحق هيرتزوج قال “لا يوجد في غزة مواطنون أبرياء وكل الشعب الفلسطيني مسؤول عما فعلته حماس يوم السابع من تشرين
الأول”.
وأخيرا فالحرب الحالية تمثل فرصة لقوات الاحتلال لتسريع عملية إبعاد الفلسطينيين عن أرض فلسطين. وهناك وثيقة حكومية توصي بطرد سكان غزة إلى سيناء المصرية. في الوقت نفسه فإن جيش الاحتلال يطلق يد المستوطنين لممارسة العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، مما أدى إلى إخلاء العديد من القرى الفلسطينيين من سكانها المحاصرين بعنف المستوطنين.
لكن كل ذلك لن يحقق الأمن للمحتل، الذي لن يتحقق إلا بتلبية طموحات الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه وحقوقه المستلبة. بيد أن حكومة بنيامين نتنياهو المدعومة من المتطرفين اليهود، تركز كل اهتمامها على ما يمكن أن تكون حماس قد تركته في قبو أو خزانة داخل مستشفى الشفاء، لا تأخذ في الاعتبار تلك الحقيقة.

بول بيلار: عثور “إسرائيل” أو عدم عثورها على شيء ذي بال في مستشفى الشفاء لن يخدم هدفها الرئيسي، كما لن يكون له أي معنى في تبرير الخسائر المروعة التي لحقت بالفلسطينيين نتيجة القصف والاجتياح للمستشفى
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى