أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

تنامي ظاهرة التسول خطر يهدد المجتمع العراقي

تزايد ملحوظ في أعداد المتسولين مع وجود مافيات تدير شبكات للتسول في العراق وفشل حكومي في مواجهة الظاهرة على الرغم من الاعتراف بخطرها على المجتمع.

بغداد – الرافدين
كشفت تحذيرات وزارة الداخلية من اتساع ظاهرة التسول في البلاد، عن خطر هذه الظاهرة واستمرار تناميها بعد العام 2003، وفشل الحملات التي تطلقها الحكومات المتعاقبة للقضاء عليها أو الحد منها، لا سيما أنها صارت تجارة تديرها الميليشيات.
وقال مدير عمليات الجريمة المنظمة بوزارة الداخلية العميد حسين التميمي، إن “ظاهرة التسول أمست خطرًا كبيرًا يهدد أمن المجتمع، لا سيما أن هناك العديد من الجرائم التي تنطوي ضمن تلك الظاهرة منها الاتجار بالبشر والمخدرات إضافة إلى جرائم أخرى تقوم بها تلك العصابات المتمرسة في التسول”.
وأضاف التميمي، أن “وزارة الداخلية ألقت القبض على 975 متسولا منذ بداية عام 2023 وحتى منتصف الشهر الحالي، بينهم أجانب يدخلون البلاد خلال الزيارات وبعدها يتخلفون عن برنامج الزيارة ليقوموا بأعمال التسول”.
وأشار إلى أن “هناك فئات متعددة أصبحت تدخل ضمن هذا النشاط في الآونة الأخيرة من أطفال رضع وصغار وفتية إلى جانب النساء وكبار السن والمعاقين ووصل الأمر إلى زج ذوي الاحتياجات الخاصة أيضا، مبينا أن بعض العصابات التي تتاجر بالبشر وكذلك العصابات التي تتاجر ببيع الأعضاء البشرية باتت تستغل ظاهرة التسول في أنشطتها، في الوقت الذي بدأت فيه العصابات استغلال هذه الظاهرة ومجاميعها من المتسولين في تجارة المخدرات سواء بالترويج أو بالتوزع والبيع”.
ولا توجد إحصائيات رسمية بأعداد المتسولين إلا أن أعدادهم في تزايد منذ عام 2003، وتشير تقارير وتقديرات المنظمات المدنية لوجود عشرات الآلاف منهم، منتشرين في عموم البلاد كالعاصمة بغداد ومراكز المحافظات.
وساهمت أسباب كثيرة في زيادة ظاهرة التسول، منها الأزمات السياسية والاقتصادية التي ألقت بظلالها على المواطنين حتى بلغت نسب الفقر في البلاد نحو 40 بالمائة، إضافة إلى البطالة والتشرد.
ويعد التسول ظاهرة عالمية إلا أنها في العراق أخذت منحى آخر، حتى دخلت أحزاب سياسية ومافيات تتربح من إدارة شبكات للمتسولين، فضلا عن وجود ملايين الفقراء، الذين  يتم استغلال حاجة البعض منهم في أنشطة مشبوهة لقاء مبالغ زهيدة يمنونهم بالحصول عليها.
وكانت مصادر أمنية قد كشفت عن استقطاب عصابات التسول للقاصرين وتوجيههم إلى الشوارع، إضافة إلى أن هناك عائلات فقيرة تقوم بتأجير أبنائها لهذه العصابات من أجل الحصول على الأموال بطريقة شهرية، وأن هناك تزايدا مستمرا في أعداد المتسولين.
وقالت المصادر إن التحقيقات الأولية في مراكز الشرطة كشفت عن معلومات وقصص مخيفة عن الوضع الاجتماعي للمتسولين، ومنها الظواهر الأخلاقية السلبية، إضافة إلى التعاطي والمتاجرة بالمخدرات، وكذلك حالات لجرائم الاتجار بالأعضاء البشرية.
وسبق أن أقرت لجنة المرأة والأسرة والطفولة النيابية في العراق، بأن مؤسسات الدولة المعنية بالأطفال والمشردين لا تتلقى الدعم الكافي، محذرة من انتشار العصابات التي تستغل الأطفال.
وقالت اللجنة النيابية، إن هناك استغلالًا للأعمار الصغيرة من قبل عصابات منظمة، حيث تقوم باستخدام الأطفال في عمليات التسول وتجارة المخدرات والبشر، مشيرة إلى أن وجود الأطفال عند إشارات المرور والتقاطعات وأماكن متعددة أصبح مشهدًا مألوفًا ومؤسفًا.

الدكتور محمد السامرائي: على الحكومة والبرلمان، اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من ظاهرة التسول الإجرامية التي زادت وتيرتها، في ظل التساهل الحكومي في التعامل معها.

وقال الخبير القانوني الدكتور محمد السامرائي: ” يقع على عاتق الحكومة والبرلمان، اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من هذه الظاهرة الإجرامية التي زادت وتيرتها، في ظل التساهل الحكومي في التعامل معها، وعجز شبه تام من حيث عدم اتخاذ الإجراءات الإدارية والاجتماعية والاقتصادية، لمنع الجنوح لها أو المتاجرة بها من قبل عصابات منظمة”.
وأضاف السامرائي أن شمول المتسولين بأحكام وامتيازات الرعاية الاجتماعية، قد يحل جزءًا بسيطا من هذه المشكلة وليس بمجملها، كون المتسولين أو من يستثمر فيهم هم من المافيات، يجنون مبالغ طائلة تفوق ما ستمنحه الرعاية الاجتماعية لهم بأضعاف.
وأوضح أن “الحل هو تشديد العقوبات على ممارسي التسول وخصوصًا التسول المنظم الذي تمارسه العصابات والمافيات، ومن جهة أخرى يجب تهيئة دور إصلاح وتأهيل وتشغيل وفقا للمواصفات الدولية والمعايير الإنسانية، وزيادة التوعية بخطورة جريمة التسول مجتمعيًا”.
ويرى مختصون أن الأخطر في التسول دخوله ضمن جرائم الاتجار بالبشر، حيث إن هناك عصابات تتاجر بالمتسولين، وهو متداخل مع جرائم أخرى تستهدف الفرد العراقي، وخاصة في المناطق الفقيرة التي تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية ونفسية.
وقالت الناشطة المدنية والاجتماعية سارة جاسم، إن ” أغلب المتسولين تقف خلفهم عصابات منظمة تستغل هذه الفئة من المجتمع، ويجب مكافحة هذه الشبكات المافياوية قبل وضع الحلول لهذه الفئات التي تتعرض للاستغلال، وكذلك توفير أماكن تأهيل وإرشاد لهم ومنح قروض تغنيهم عما  كانوا يجنونه من التسول، وعزل الأطفال منهم للتمكين والتقويم والتعليم، ووضع قانون صارم لمعاقبة من يعود للتسول ثانية”.
وتحول التسول إلى أزمة حقيقية لما له من آثار مدمرة ومخاطر اجتماعية عديدة، في ظل استمرار فشل السياسات الحكومية في القضاء عليه، كونه نتاجا طبيعيا للفقر والبطالة والتوزيع غير المتكافئ للثروة والفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة وسيطرة الميليشيات على القرار السياسي والأمني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى