الدكتور عبد الحكيم السعدي: قضية فلسطين مؤشر على وجود الأمّة أو عدم وجودها
الشيخ الدكتور عبد الحكيم عبد الرحمن السعدي عضو الأمانة العامة لهيئة علماء المسلمين في العراق يطالب أصحاب الرأي ومن جعله الله قائمًا على اتخاذ القرار أن يشعروا أن المسؤولية أمام الله تعالى والتأريخ تتعين عليهم، وتحتم على كل من له شأن يستطيع أن يقدّم شيئًا في نصرة فلسطين وأهل غزة ولا يقدّمه فإنه آثم محاسب عند الله تعالى.
عمان- الرافدين
أكّد الشيخ الدكتور عبد الحكيم عبد الرحمن السعدي عضو الأمانة العامة لهيئة علماء المسلمين في العراق؛ على أن فلسطين والمسجد الأقصى هما قضية الأمّة كلّها وأمانة الله التي جعلها في عاتق المسلمين جميعًا.
وقال الشيخ السعدي في حوار خاص مع موقع هيئة علماء المسلمين في العراق، إن الصراع مع العدو الصهيوني ليس أول صراع ولا آخر صراع تمر به الأمّة؛ إلا أنّه يُعدّ الأشد بحكم شيوع التكليف فيه وعمومه عليها، مبينًا أن قضية فلسطين مؤشر على وجود الأمّة أو عدم وجودها، بحكم الجغرافية والتأريخ القديم والحديث.
وشدد الشيخ السعدي على وجوب أن يشعر أصحاب الرأي ومن جعله الله قائمًا على اتخاذ القرار بأن المسؤولية أمام الله تعالى والتأريخ تتعين عليهم، وتحتم على كل من له شأن يستطيع أن يقدّم شيئًا في نصرة فلسطين وأهل غزة ولا يقدّمه فإنه آثم محاسب عند الله تعالى كما سيحاسب على الصلاة والصوم وباقي الواجبات الشرعية على حد سواء.
وفيما يأتي نص الحوار:
= كيف تقرأون واقع الأمّة الإسلامية اليوم في ظل ما يجري من صراع مع العدو الصهيوني في فلسطين؟ وما هي الواجبات التي تفرضها الشريعة الإسلامية على عموم المسلمين؟
-الأمة الإسلامية مرّت وتمر بظروف مختلفة بين الأمل والألم، والصراع مع العدو الصهيوني ليس أول صراع ولا آخر صراع تمر به الأمّة؛ إلا أن صراعها مع العدو الصهيوني يُعدّ من أشد ما تمر به الأمّة؛ بحكم شيوع التكليف فيه وعمومه عليها؛ لأن قضية فلسطين مؤشر على وجود الأمّة أو عدم وجودها، بحكم الجغرافية والتأريخ القديم والحديث، ومن هنا فإن على المسلمين يتلمسوا وجودهم أو عدم وجودهم في هذه القضية، وليشعروا أنّهم أمّة أراد الله تعالى لهم أن يكونوا سادة الأمم من خلال الأحداث الجسام والتكاليف التي تبرر هذا الوجود لهم أو الانزواء إن هي قصّرت في أداء الواجب.
= ما هي معايير النصر والهزيمة من المنظور الإسلامي؟ وكيف يستطيع الإنسان المسلم تقييم معركة طوفان الأقصى في ضوء ذلك؟
-هناك معايير مادية ومعنوية للنصر والهزيمة، درج عليها المقيمون للعمل الجهادي، وبعضهم يرى المادية منها هي معيار النصر، وآخر يرى أن المعنوية منها هي معيار النصر.
وقد ذكرت لنا النصوص آيات وأحاديث تؤشر على كلا الحالتين، فحين ذكر القرآن الكريم مواجهة الروم مع الفرس وقد انتصر الفرس أولاً، ثم في الجولة الثانية انتصر الروم؛ ذكر أن الفرحة ستعمهم بهذا النصر، وفي ذلك مؤشر على أن الفرحة انتصار {غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ..}، فقد تضمنت الآية المعيار المادي للنصر، والخسارة عندما جعلت الغلبة المادية في المقابلة والمواجهة، كما ذكرت المعيار المعنوي بعد أن ينتصر الروم على أعدائهم وهو (الفرح بنصر الله)، إذن فكما تكون الغلبة في المواجهة ومقارعة السيوف وقرقعة السلاح نصرًا، فكذلك الفرح بنصر الله يعد نصرًا أيضًا ، فالغلبة المادية نصر ونتائجها بالفرح بنصر الله نصر أيضًا.
وهكذا شأن الهزيمة على حد سواء، وفيما نراه اليوم في معركة المسلمين مع الصهاينة؛ تحقق الأمران المادي والمعنوي في مواجهتهم، حتى لو كانت المواجهة أقل شأنًا إلا أن المتتبعين والعقلاء سجّلوا نصر المؤمنين وتغلّب الفلسطينيين على الصهاينة بالسلاح ثم بالابتهاج بهذه النتائج التي لم تحسم لحد الآن، ونتمنى أن نرى ونسمع نصرًا مؤزرًا نهائيًا ماديًا ومعنويًا.
= في ظل ما يعانيه أهلنا في قطاع غزة من بأساء وضرّاء نتيجة العدوان الإجرامي وحرب الإبادة التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني.. ما توجيه فضيلتكم لأهل الرأي وصناع القرار في الأمة؟ وما هي السبل التي يجب على الفرد المسلم سلوكها للإسهام في نجدة أهلنا هناك؟
-قلنا إن قضية فلسطين ليست قضية دولة معيّنة من دول المسلمين، ولا هي خاصة بقوم منهم دون غيرهم؛ إنّما هي قضية المسلمين عامة بحكم أنها قضية فلسطين والمسجد الأقصى القبلة الأولى للمسلمين، وهي أمانة الله التي جعلها في عاتقهم عامة، ومن هنا نقول: إن على أصحاب الرأي ومن جعله الله قائمًا على اتخاذ القرار أن يشعروا أن المسؤولية أمام الله تعالى والتأريخ تتعين عليهم، وتحتم على كل من له شأن يستطيع أن يقدّم شيئًا في نصرة فلسطين وأهل غزة ولا يقدّمه فإنه آثم محاسب عند الله تعالى كما سيحاسب على الصلاة والصوم وباقي الواجبات الشرعية على حد سواء، ومن يتقاعس أو يقصر في أداء واجبه؛ فإنّه كما لو كان تاركًا لصلاته وصيامه وباقي الواجبات الشرعية عليه.
أمّا السبيل إلى ذلك وإلى أداء الواجب بشكل صحيح؛ فإنه ينبغي على عقلاء الأمّة وأصحاب الحل والعقد أن يضعوا برنامجًا دقيقًا على مدىً قصير، وآخر على مدىً طويل؛ يُحدَّد في هذا البرنامج ما هو واجب على كل مسلم تجاه نصرة أخيه في فلسطين، وإن قصّرت الأمّة في هذا؛ فإنّها تقصر في واجب شرعي وأخلاقي واجتماعي ستُحاسب عليه إن عاجلاً أو آجلاً.
وإلى أن يتم وضع البرنامج؛ فإن على كل مسلم أن يقدم ما يستطيع بنفسه، أو ماله، أو قلمه، أو تحريضه، أو أية وسيلة تصب في نصرة المجاهدين في فلسطين والمسجد الأقصى المبارك.
= بالنظر إلى قواعد جلب المصلحة ودرء المفسدة ومقاصد الشريعة الإسلامية، ما هي المكاسب التي حققتها الأمة عامة وأهل فلسطين وغزة بشكل خاص من معركة طوفان الأقصى؟
-لا شك أن الشريعة الإسلامية راعت المصالح والمفاسد، وغلبت قواعدها درء المفسدة على جلب المصلحة في حالة التعارض.
وتوهم البعض في تطبيق هذه القاعدة؛ فأفتوا بحرمة قتال اليهود والصهاينة الآن؛ لأنهم أقوى من المسلمين، وجعلوا قاعدة درء المفسدة هي الحاكمة هنا فأفتوا بحرمة قتالهم.
أقول: هذا جهل أو تجاهل أو خدمة مجانية لأعداء الأمّة في إبطال ركن الجهاد في الأمّة، فما من معركة في الإسلام في زمن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أو بعد ذلك من تأريخ الأمّة قد خاضت الأمّة المعركة فيها مع الكفار بتكافؤ في العدد والعتاد، ومع هذا لم يتقاعسوا أو يفتوا بدرء المفسدة لجعلوا ذلك منفذًا لترك الجهاد في سبيل الله، بل نجدهم اتخذوا ما أمرهم الله تعالى به من إعداد العدة والتأهب النفسي والإيماني، ودخلوا معاركهم التي انتصروا فيها وهم قلّة في العدد والعدة، وما ذاك إلا لأنّهم أدركوا أن ترك الجهاد فيه من المفسدة العظمى ما لا تغطيه المصلحة التي يتحصلون عليها حين يتركون الجهاد في سبيل الله.
ولنا في سلفنا قدوة في هذا، وعلينا أن نعدّ العدّة بقدر ما نستطيع، ونقوّي إيماننا، وندخل المعركة مع عدونا، حتى لو كنّا أقل عددًا وعدة.
وقد رأينا بأم أعيننا كيف أن الصدق والإخلاص من المجاهدين وكيف أن مؤازرة المسلمين -على ضعفها- لإخوانهم الفلسطينيين؛ قلبت الموازين لدى الرأي العام، وأظهرت للعالم أن الأمّة الإسلامية قادرة على النهوض من جديد لإثبات وجودها وإرغام عدوّها على التراجع، وأن الأمّة الإسلامية هي الأمّة التي يمكنها أن تكون سيدة الأمم، وهو ما سيكون إن شاء الله.
= القرآن الكريم وصف أمتنا بأنها (خير أمة)، ونبينا الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم- شبّهها بـ(الجسد الواحد)، كيف نستطيع تحقيق وحدة الأمة من خلال قضاياها الكبرى في: فلسطين والعراق، وسورية، وقضايا الأقليات في تركستان الشرقية وبورما وغيرها من بلاد المسلمين؟
-ما ذكرتُه في إجاباتي السابقة تحقيق لخيرية الأمّة وسيادتها، فمتى ما وجدناها شعرت بواجبها تجاه نفسها وما كلّفها الله تعالى به؛ فإنّها ستكون الأمّة التي وصفها الله تعالى {خَيْرَ أُمَّةٍ}، وكل ذلك مرهون بتمسّكها بدينها وعقيدتها والشعور بمسؤوليتها، وهو ما لمسنا بوادره في حرب غزة وفلسطين، نسأل الله تعالى أن يتمّ النعمة في العالم الإسلامي كلّه.