النزاعات العشائرية تتحول من ظاهرة إلى معضلة وجودية تستبدل القانون وتهدد المجتمع العراقي
15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، تستخدم من قبل الميليشيات والعصابات والكثير من العشائر في نزاعاتها وسط العجر الحكومي.
البصرة – الرافدين
أظهر تصاعد وتيرة النزاعات العشائرية في العراق عجز حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عن حماية العراقيين وعدم سيطرتها على الملف الأمني نتيجة لضعف تطبيق القانون وانتشار السلاح المنفلت وسطوة الميليشيات وتجارة بيع السلاح التي يديرها متنفذون مرتبطون بأحزاب السلطة.
وعلى الرغم من إعلان الحكومة المتكرر عن اتخاذ إجراءات ووضع خطط لمعالجة النزاعات العشائرية إلا أن حدة النزاعات في الآونة الأخيرة تظهر حجم الانفلات الأمني في البلاد وعدم تنفيذ أي من هذه الخطط.
وكانت محافظة البصرة قد شهدت مقتل مواطن بهجوم مسلح في قضاء ابي الخصيب جنوبي المحافظة بسبب ثأر عشائري، بحسب مصدر أمني.
وقال المصدر “إن مسلحين مجهولين يستقلون دراجة نارية فتحوا نيران أسلحتهم على مواطن وسط القضاء وأردوه قتيلًا على الفور”، لافتًا إلى أن “التحقيقات الأولية في الحادث بينت أن دوافع الهجوم تعود لثأر عشائري”.
وفي النجف، أصيب عشرة أشخاص، نتيجة نزاع عشائري بناحية العباسية وسط المحافظة، امتد لاحقًا لإحدى المستشفيات الحكومية، بحسب مصادر محلية.
وأفادت المصادر، أن النزاع الذي حدث بين عشيرتين، استخدمت فيه أسلحة مختلفة، انتقل بعدها إلى داخل طوارئ مستشفى السجاد بالمحافظة، ما خلف أكثر من 10 جرحى بين الطرفين.
ويزيد من منسوب النزاعات العشائرية وفرة السلاح المنفلت وسهولة الحصول عليه خصوصًا من عناصر الميليشيات التابعة للأحزاب الحكومية.
فقد انتهى مزاح بين ثلاثة أصدقاء بالسلاح بكارثة لا توصف، حينما أقدم أحدهم على إفراغ رصاص مسدسه في صدر الآخر، في منطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد الأسبوع الماضي. الأمر الذي تحول إلى قضية ثأرية بين عشائر والأصدقاء.
وأظهر الفيديو المتداول على منصات التواصل الاجتماعي وثقته كاميرا مراقبة أحد هؤلاء الشباب جالسًا داخل سيارة ويمازح اثنين من أصدقائه يقفان خارجها، وسرعان ما تغير المزاح إلى حقيقة مفجعة، حين تلقى أحد الأصدقاء رصاصة في صدره، ما تسبب بوفاته بعد ساعات.
قبل ذلك، قُتل شاب في ناحية السلام، بمحافظة ديالى، خلال مزاح باستخدام السلاح، حيث أصيب برصاصة في عنقه، وقبلها قتل عامل بناء، بحجة المزاح، ببندقية صيد، في منطقة الدورة جنوبي العاصمة بغداد.
وطالبت منظمات حقوقية ومدنية بضرورة التحرك نحو حصر السلاح بيد الدولة، وإنزال العقوبات على المتورطين بهذه الحوادث، بعد غضب شعبي ساد الشارع العراقي من جرّاء السلاح المنتشر والذي لم تتمكن الحكومات العراقية بعد عام 2003 من حصره.
ويرى مراقبون بأن الحملات الأمنية التي تعلن عنها الحكومات المتعاقبة لحصر السلاح بيد الدولة شعارات للمتاجرة والدعاية وسط وجود كتل وأحزاب تمتلك أسلحة وميليشيات تسيطر على الشارع بقوة السلاح وتفرض سيطرتها على أي حكومة.
وأشاروا إلى أن النزاعات العشائرية تحولت من ظاهرة سائدة إلى معضلة وجودية اجتماعية وقانونية في البلاد بسبب السلاح المنفلت الموجود لدى عناصر الميليشيات.
وأكدوا على أن الحكومة مهما ادعت ستبقى عاجزة عن معالجتها ما لم تتم السيطرة على السلاح المنفلت وإعادة هيبة القانون والقضاء.
وعلى الرغم من عدم وجود أرقام رسمية بعدد قطع السلاح الموجودة لدى أفراد المجتمع العراقي، أو أماكن بيعها، إلان أن التقديرات تشير إلى وجود نحو 15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، تستخدم من قبل الميليشيات والعصابات والكثير من العشائر جنوبي ووسط البلاد.
وسبق أن كشفت اللجنة الحكومية المختصة بتنظيم الأسلحة وحصرها بيد الدولة، عن وجود 320 موقعًا إلكترونيًا في العراق تبيع الأسلحة دون ترخيص، حيث يستخدم أصحابها خدمة التوصيل للمنازل في عمليات البيع.
وقالت اللجنة إن “بعض أصحاب محال بيع الأسلحة قاموا باستيراد أسلحة دون ضوابط”.
وبينت اللجنة أنها أغلقت 420 محلًا غير مجاز لبيع الأسلحة وسحب أكثر من 25 ألف قطعة سلاح من الوزارات الحكومية وحدها، بينما فتحت 600 منفذ في عموم البلاد لتسجيل الأسلحة.
وحول توجه وزارة الداخلية الحالية لفتح مكاتب لتسجيل الأسلحة في جميع محافظات البلاد، بهدف حصر السلاح المنفلت خارج سلطة الدولة، قال النائب في البرلمان الحالي باسم خشان، إن “جميع الحكومات التي أعقبت الاحتلال الأمريكي فشلت في حصر السلاح”.
وأضاف أن انتشار السلاح بين أفراد المجتمع العراقي زاد مع تردي الوضع الأمني، الأمر الذي يدعوا إلى ضرورة حصر هذا السلاح بيد الدولة.
وسبق أن أكد الباحث بالشأن العراقي علي الحديدي، أن “ما تقوم به وزارة الداخلية مجرد حملات إعلامية ووعود بتنفيذ خطط طويلة الأمد بهذا الاتجاه لا تمثل أي خطوة فعلية حقيقية لحصر السلاح”.
وبين أن “خطة الداخلية بتأسيس مكاتب لحصر السلاح، ومن ثم دعوة المواطنين لتسجيل أسلحتهم، ما هما إلا إضاعة للوقت، وتسويف للملف، مضيفًا أنه من الواضح أن قضية السلاح المنفلت، وخاصة لدى الجماعات المسلحة، هو أكبر من قدرة الحكومة على محاولة حصره”.
وكان رئيس وزراء حكومة الإطار التنسيقي، محمد شياع السوداني، قد تعهد بإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت في برنامجه الحكومي، ما أثار تساؤلات كثيرة عن مدى قدرة وجدية الحكومة بتطبيق تعهداتها في ظل سيطرة زعماء الميليشيات على مناصب مهمة فيها.