أخبار الرافدين
تقارير الرافدينطوفان الأقصى: القضية الفلسطينية في الواجهة الدولية

الانتهاكات ضد فلسطينيي العراق تكشف زيف التضامن الحكومي معهم

غياب الغطاء القانوني للفلسطينيين في العراق وسجل الميليشيات الحافل بالانتهاكات ضدهم دون مساءلة، يكشف حقيقة التضامن المزعوم مع القضية الفلسطينية الذي تحاول حكومة الإطار تسويقه.

بغداد – الرافدين
فتح إحياء “اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني” الباب للحديث عن زيف التضامن معهم من قبل حكومات الاحتلال المتعاقبة في العراق وميليشياتها ومحاولات تسويق نفسها كمدافع عن هذه القضية في وقت لم يندمل فيه جرح الفلسطينيين جراء ما تعرضوا له من قتل وتنكيل وتشريد في العراق على يد تلك الميليشيات وأحزابها الطائفية.
وجاء اليوم الدولي للتضامن مع الفلسطينيين الذي تحييه الأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني من كل عام بموجب قرار من الجمعية العامة متزامنًا مع حرب دموية يقودها الكيان الصهيوني على قطاع غزة وسط محاولات حثيثة من قبل ميليشيات إيران في المنطقة لاسيما في العراق لاستغلال الأوضاع لتلميع صورتها بعد تورطها بعمليات طائفية ضد الفلسطينيين في العراق.
وتتهم الميليشيات التي تتاجر بالقضية الفلسطينية في العراق لغايات الاستهلاك الإعلامي والبروباغندا لاسيما ميليشيا بدر وجيش المهدي الذي انشطر لاحقًا للعديد من الميليشيات الناشطة حاليًا ومنها ميليشيا السرايا وميليشيا العصائب وميليشيا النجباء وغيرها بارتكاب جرائم مروعة ضد اللاجئين الفلسطينيين في العراق.
ويرى الكاتب إياد الدليمي أن “الفلسطينيين في العراق لن يتعافوا بالنسيان مما جرى لهم على يد الميليشيات وتحديدًا عقب تفجيرات سامراء عام 2006 التي استهدفت مرقد الإمامين العسكريين، وفجّرت على أثرها حرب طائفية في العراق”.
وأكد على اضطرار “أكثر من 26 ألف فلسطيني إلى مغادرة العراق في تغريبة أخرى ونكبة مرة دفعت بهم إلى الحدود العراقية مع الأردن حتى سمحت لهم دول في أمريكا اللاتينية بالقدوم إليها فضلا عن مقتل أكثر من 600 فلسطيني خلال تلك المرحلة، بينهم شخصيات وأعلام كثيرة كانت معروفة عراقيًا، وما زال جرح الفلسطينيين في العراق نديّا”.
واستغرب من رفع “الفصائل المسلحة التي تقف وراء الحكومة الحالية شعارات المقاومة وتحرير فلسطين كونها جزءًا مما بات يُعرف محور المقاومة الذي خلفه إيران غير أن هذه الفصائل ومعها الحكومة، لا تمنح فلسطينيي العراق حقهم بالعيش الكريم وتحرمهم من أبسط حقوقهم”.
وتابع “ليس الحديث هنا عن الفعل المقاوم الذي يفترض بتلك الفصائل فعله مع هذه المواجهة المفتوحة مع دولة الكيان، فلم يصدر منها سوى مجموعة مواقف بائسة”.
ووجد الفلسطينيون أنفسهم عقب الاحتلال في دوامة عنف كبيرة لا يملكون أي وسيلة دفاع، ولا مكان لهم للفرار سوى البقاء منتظرين الموت.
وتقدر منظمات حقوقية مقتل 500 فلسطيني في جرائم العنف الطائفي على يد ميليشيات “بدر” و”جيش المهدي” في بغداد وحدها.
وأسفرت هذه الهجمات الدامية عن مصادرة الميليشيات لنادي حيفا الرياضي واعتقلت رئيسه ولاعبين آخرين، وسيطرت على الهلال الأحمر الفلسطيني ومركز ثقافي باسم (الوطن فلسطين).
ونفذ الفلسطينيون تظاهرة لهم في بغداد للمطالبة بالكف عن استهدافهم أو إيجاد دولة ثانية تستقبلهم، إلّا أن التظاهرة لم تستمر أكثر من نصف ساعة وسرعان ما قامت قوات كانت تعرف آنذاك بـ”لواء الذئب” بإطلاق النار عليها وقتل عدد من المتظاهرين.

الميليشيات تمعن في إذلال الفلسطينيين في العراق دونما اكتراث من المنظمات الدولية بمعاناتهم

وجاءت هذه الممارسات متزامنة مع بث قناة “العراقية” الحكومية صورًا لثلاثة شبان فلسطينيين، قالت إنهم نفذوا جرائم قتل طائفية، قبل أن تدحض هذه الاعترافات لاحقًا “منظمة العفو الدولية” بوثائقي بعنوان “ثقافة الاعترافات الفتاكة في العراق”.
ورفع حزب “الدعوة” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق المتهم بتغذية الطائفية نوري المالكي شعارات مناوئة للفلسطينيين في مناطق متفرقة من بغداد تلتها شعارات أخرى لميليشيات عدة، مثل (الفلسطيني إرهابي) و(العراق للعراقيين) و(أطردوا قاتلي شعبنا) عقب استثمار اعترافات قناة “العراقية” المفبركة والمنتزعة تحت وطأة التعذيب وتوظيفها في رفع مستوى الكراهية والطائفية ضد الفلسطينيين.
واستمر الوضع على حاله إلى حين الهجرة الجماعية للفلسطينيين من العراق عقب أن خرج الفلسطينيون من بغداد وسط تكتّم إعلامي كبير، متجهين إلى سوريا والأردن أملًا بالفرار من العراق بعد أسابيع رعب قضوها على يد الميليشيات الممولة إيرانيا، إذ صودرت منازلهم وسرق آثاثها كمرحلة أخيرة سبقت مرحلة القتل والاعتقال والتهديد.
وتوزّع آلاف الفلسطينيين على مخيمات الرويشد والوليد على الحدود الأردنية والتنف والهول على الحدود السورية عقب أن بدأت رحلة جديدة من التهجير، لكن ليس على يد الاحتلال الصهيوني الذي تدعي الميليشيات اليوم وقوفها بالضد منه، بل على يد هذه الميليشيات نفسها كما يؤكد فلسطينيون مهجرون من العراق.
ومكث هؤلاء الفلسطينيين في خيام وفّرتها الأمم المتحدة لهم إلى حين موافقة كل من كندا والبرازيل على استقبال ساكني مخيم الرويشد وموافقة فرنسا والسويد والنرويج وبريطانيا وبلجيكيا وتشيلي وفنلندا على استقبال نازحي مخيم التنف.
وبقي مخيم الوليد في المنطقة الغربية من العراق ومخيم الهول في المنطقة الشمالية من سوريا من دون كفيل حتى وصول تنظيم “داعش” ما زاد من معاناة الفلسطينيين هناك إلى يومنا هذا.
ولم يبق سوى 6000 آلاف لاجئ فلسطيني في العراق حاليًا وهم يعيشون ظروفًا إنسانية واجتماعية قاسية بسبب الغياب القانوني الذي حرمهم من فرص الرزق سواء عبر التعيينات بوزارات الدولة العراقية أو الاستحصال على إجازات تجارية أو مهنية أو غيرها غير المخصصة لغير العراقيين قد ساهمت بتقليص فرص الحياة والمعيشة مما أجبر الكثير على البحث عن رزقهم بمهن قد لا تسد احتياجات عوائلهم بسبب تدني ديمومة تلك المهن على مدار السنة.
وكانت الحكومة أصدرت القرار 76 لعام 2017 الذي ألغت بموجبه جملة من القرارات حول الأجانب المقيمين في العراق، ومن بينها القرار 202 لعام 2001 والذي ينص على معاملة اللاجئ الفلسطيني بالمثل مع المواطن العراقي باستثناء الجنسية وخدمة العلم والحقوق السياسية.
ويحرم قرار الحكومة هذه الشريحة من إصدار وثائق سفر وبطاقات شخصية ويترتب عليهم دفع رسوم دخول المدارس والجامعات في حين كانوا معفيين منها سابقا.
كما يحرم هذا القانون فلسطينيي العراق من العلاج المجاني في المستشفيات العراقية الحكومية، في حين أوقفت الحكومة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي المساعدات المالية عن فلسطينيي العراق.
ووفق تقرير لرابطة فلسطينيي العراق فإن هناك عائلات تتطلب توفير أدوية وعمليات وطلاب دراسة مع ارتفاع الحياة المعيشية في العراق، وكذلك عدم وجود وكالة الأونروا في العراق وتخلي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عن التزاماتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين بتوقف صرف بدل الإيجارات للسكن وتوقف العمليات والأدوية للمرضى والمنح السنوية للعوائل والطلاب وغيرها من الأسباب مما فاقم واقع اللاجئين الفلسطينيين في العراق لمعدلات فقر غير مسبوقة بتاريخ وجودهم في العراق منذ عام 1948 لليوم.
ويرصد التقرير وجود حالات مرضية مزمنة منها حالات خطيرة تقدر بـ 120 حالة سرطان وحالات مرضية تتطلب عمليات جراحية خاصة بالعمود الفقري تقدر بـ90 حالة وأولئك غير قادرين على متابعة العلاج للتكلفة العالية، وهناك إصابات بحالات العوق الفكري والتوحد التي تتطلب معاهد خاصة لهم وتقدر بـ180 حالة.

فلسطينيو العراق يكابدون أوضاعًا إنسانية صعبة لا تقل صعوبة عن نكبتهم جراء غياب الغطاء القانوني لتواجدهم

وفي ظل هذه الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها اللاجؤون الفلسطينيون في العراق يطالب عدد منهم حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني منحهم الجنسية العراقية لإنهاء معاناتهم المعيشية القاسية.
وقال اللاجئ الفلسطيني يوسف عيسى السبع في تسجيل مصور نشرته رابطة فلسطينيي العراق، وهي صفحة تعنى بشأن اللاجئين الفلسطينيين في العراق وتتابع أخبارهم وتنقل معاناتهم “أناشد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، نحن اللاجؤون الفلسطينيون نعيش في العراق منذ 75 سنة، من سنة 1948 إلى اليوم.. ونحن نعاني معاناة كبيرة جدا بسبب الهوية الفلسطينية.. نحن نناشدك أن تمنحنا الجنسية العراقية”.
وأضاف”على الأقل هذه الجنسية يمكنها أن تنهي كل معاناتنا، وسيقدر أولادنا أن يعيشوا من بعدنا بكرامة، وسيكون ذلك بمثابة كرم آخر مثل كرم السماح لنا بالحياة على أرض العراق لمدة 75 سنة”.
وأشار إلى أن معاناة اللاجئين الفلسطينيين لا تقل عن معاناة المواطنين العراقيين، لكن الهوية الفلسطينية تسبب لأصحابها مشاكل كبيرة.
وقال “أغلب الفلسطينيين هنا بالعراق متزوجون من العراقيات، وأنا زوجتي عراقية، وإخواني زوجاتهم عراقيات، وأخواتي أزواجهن عراقيون، فنحن عائلة واحدة”.
وأضاف “نحن اليوم حتى تقاليدنا تقاليد عراقية، وقد أكلنا من هذه الأرض ومن خيرها، نحن أبناء دجلة والفرات نتمنى منحنا الجنسية العراقية”.
بدوره قال اللاجئ الفلسطيني في العراق خالد حسن، أن مناشدات اللاجئين الفلسطينيين بمنحهم الجنسية العراقية، تعكس حجم المعاناة التي يعيشها اللاجؤون الفلسطينيون في العراق منذ إلغاء القرار 202، عام 2017، المتعلق بوضع الفلسطينيين المقيمين في العراق، حيث ساواهم ذلك القرار بالمواطن العراقي من حيث الحصول على امتيازات المواطنة والحقوق المترتبة عليها كالحق في التملك والعمل والتعليم والطبابة المجّانية وسواها، باستثناء حق الترشح والانتخاب أو الحصول على الجنسيّة.
واعتبر حسن أن هناك من يبرر هذا القرار بموقف عراقي مبدئي يقوم على التمسك بحق العودة، بينما تبعات هذا الموقف على المستوى المعيشي للاجئين الفلسطينيين مكلفة جدا.
وأكد أن الفلسطينيين في العراق يعيشون في ظل غياب أي مرجعية قانونية تحميهم، حيث إنهم يواجهون معاناة شديدة في تصريف شؤونهم اليومية، إذ أنه في الوقت الذي يحق لأبناء الفلسطيني المتزوج من عراقية أو لأبناء الفلسطينية المتزوجة من عراقي أن يحصلوا على الجنسية العراقية، فإنه من غير المسموح للفلسطيني بالحصول على الجنسية.
وتحظى القضية الفلسطينية باهتمام بالغ وحضور لافت في ذاكرة العراقيين المشبعة بقصص عن بطولات سطرها عراقيون قاتلوا في حيفا ويافا والقدس وجنين والضفة الغربية.
ويستذكر العراقيون بفخر في كل مناسبة شهداء الجيش العراقي الذين ما زالت قبورهم شاهدة على وقفة تفتخر بها الأجيال قبل أن يقصي الاحتلال الأمريكي وإيران العراق عن ممارسة دوره الريادي في مؤازرة فلسطين وشعبها تزامنًا مع تسلط الميليشيات التي اكتفت بالبيانات والمواقف الهزيلة دون أن تبدي أي تضامن حقيقي يخفف من آلام الفلسطينيين كما يؤكد مراقبون.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى