في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. العراق 20 عامًا من الانتهاكات
انتهاكات حقوق الإنسان في العراق ترتكب بشكل يومي من قبل الجهات الرسمية والميليشيات في ظل سياسيات تكميم الأفواه والإفلات من العقاب التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة.
بغداد – الرافدين
يحتفل العالم سنويا في 10 كانون الأول باليوم العالمي لحقوق الإنسان، ويمر اليوم العالمي للحقوق على العراقيين وهم يعيشون انتهاكات متواصلة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق على يد الحكومات المتعاقبة وميليشياتها، التي حرمتهم من حقوقهم المشروعة والعيش بكرامة.
وشددت الأمم المتحدة بمناسبة مرور 75 عامًا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة باعتبارها أساس الحرية والعدل والسلام في العالم.
ويتألّف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من ديباجة و30 مادة تحدد مجموعة واسعة من حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يحق للجميع بأن يتمتعوا بها أينما وجدوا بدون أيّ تمييز.
ويتذكر العراقيون اليوم العالمي لحقوق الإنسان بسخرية وألم لما وصل إليه حال البلاد التي شهدت انتهاكات فظيعة، شملت تكميم الأفواه واستهداف الصحفيين والتهجير القسري والتعذيب في السجون والتغييب والقتل على الهوية.
ويؤكد عراقيون أن انتهاكات حقوق الإنسان ترتكب بشكل يومي من قبل الجهات الرسمية في البلاد إضافة للميليشيات التي زاد نفوذها مع وصول حكومة الإطار التنسيقي إلى السلطة.
وترسم منظمات وهيئات دولية ومحلية صورة قاتمة لوضع حقوق الإنسان في العراق مع استمرار سياسية الإفلات من العقاب التي تنتهجها حكومات ما بعد العام 2003.
وقالت هيئة علماء المسلمين في العراق في تقرير لها عن سياسة الإفلات من العقاب والانتهاكات التي تمارس ضد حقوق العراقيين، “إلى يومنا هذا، ما يزال العراقيون يعانون من تداعيات الاحتلال الأمريكي للبلاد، وتكوينه نظامًا قائمًا على أسس المحاصصة الطائفية، والذي أدخل العراق في أنفاق مظلمة بدءًا من عدم الاستقرار والصراع السياسي واستشراء الفساد، وصولًا إلى غياب العدالة والحقيقة والتعويضات عن الجرائم المرتكبة ضد أبناء الشعب، بعد أن حوّلت الأحزاب السياسية واقعهم إلى ساحةٍ لتصفية الحسابات”.
وأضاف الهيئة أن الأحزاب السياسية التي جاءت بعد الاحتلال استنسخت جرائمه، فأنتجت تعددية مفتوحةً ومشهدًا فوضويًا مليئًا بالعنف.
وأكدت الهيئة أن مسلسل التغييب والإخفاء القسري في العراق لم يُؤخذ إلى هذه اللحظة على محمل الجد في ظل استمرار مسلسل التسويف والإهمال محليًا ودوليًا، مع أن القضية متعلقة بحقوق الإنسان في العراق، الذي يوجد فيه -باعتراف دولي- ما يقرب من مليون مغيب ومخف قسريًا؟! بل تجاوز الأمر إلى أن المتهمين بارتكاب جرائم الإخفاء القسري والتهجير الطائفي وارتكاب جرائم ضد الإنسانية؛ يستقبلون ويرحب بهم في المنظمات التي تدعي دفاعها عن حقوق الإنسان.
وتُشير التقديرات إلى وجود نحو 250 ألف عراقي مختف قسرياً منذ عام 2003 غالبيتهم العظمى من نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى، مع تعتيم حكومي على مصيرهم، حيث يعتبر الإخفاء القسري واحدا من أبرز ملفات حقوق الإنسان المهملة في العراق.
ويعيش 1.2 مليون عراقي في حالة نزوح قسري فرضته عليهم الميليشيات والإهمال الحكومي المتعمد لملفهم في انتهاك لحقهم بالعودة إلى مناطقهم على الرغم من الظروف المأساوية التي يواجهونها في مخيات النزوح والتي يصفها مراقبون بمعسركات النفي.
وسبق أن قالت البعثة الطبية البولندية إن النازحين يتعرضون للاضطهاد من قبل السلطات الحكومية، وأن عودتهم إلى مناطقهم قد تعرض حياتهم للخطر من قبل الميليشيات المنتشرة في مناطقهم.
وتحدث موظفو البعثة عن الظروف المعيشية للنازحين في أحد مخيمات الموصل واصفين إياها بالصعبة للغاية.
وأشاروا إلى أن المخيم يدار كسجن لا يحق لساكنيه أخذ إجازة من أجل العمل، أو التحاق أطفالهم بالمدارس بسبب افتقادهم للوثائق الثبوتية في ظل تعنت الحكومة في منحهم إياها بتهم واهية.
وتنتهك السلطات في العراق حق المواطن في حرية التعبير إذ تعرض آلاف من الناشطين والعالمين في الصحافة إلى الاعتقال والتغييب لفضحهم الفساد الحكومي أو الحديث عن جرائم الميليشيات من غير أن تتخذ الحكومة أي إجراء لحمايتهم.
وجاء العراق في المرتبة 167 من بين 180 دولة في حرية الصحافة لعام 2023 في تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود”، حول حرية الصحافة العالمية ما يعني أن بينه وبين ذيل القائمة 13 دولة فقط.
ووثقت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق 345 حالة بين اعتقال واحتجاز وتهديد وعرقلة تغطيات وضرب وإهانات قصدية، فضلًا عن دعاوى قضائية وإجراءات حكومية أسهمت بالتضييق والمنع.
وأشارت الجمعية إلى عدم خلو أية محافظة عراقية من تسجيل انتهاكات بحق الصحفيين بما فيهم الإناث والمؤسسات الإعلامية، حيث جاءت بغداد بالمرتبة الأولى بأكثر المدن تسجيلا للانتهاكات بواقع 85 حالة، وأربيل ثانيا بتسجيل 74 حالة.
ويقول المرصد العراقي للحريات الصحفية، إن الصحفي العراقي يواجه جملة من التحديات منذ العام 2003 وحتى اللحظة، وكانت هناك مراحل صعبة للغاية وصلت إلى التصفية الجسدية، حيث فقد ما يزيد على 500 صحفي منذ عام 2003 في ظروف مختلفة بسبب العديد من الانتهاكات الحكومية وانتهاكات القوات الأجنبية عدا عن تهديدات الميليشيات، وتحولت الأمور لاحقا إلى ملاحقات قضائية وتهديدات وترهيب.
واستمرارا لمسلسل انتهاك حقوق العراقيين التي لم يسلم منها حتى الأطفال تشير منظمات مدنية إلى أن الطفل العراقي يعيش واقعا مؤلما يفتقر إلى أبسط الحقوق.
وأكد ممثلون عن منظمة اليونيسف في العراق على أن الطفولة في العراق مهمشة وأن الأطفال محرومون من حقوقهم في التعليم، محملين الحكومات المتعاقبة مسؤولية تدهور وضع الطفل العراقي، وتجاهل دعوات تفعيل قانون حقوق الطفل.
ولفت الممثلون عن اليونيسف إلى وجود أطفال محرومين من الدراسة ومشردين ومجبرين على العمل في أسوأ الظروف، إضافة إلى إصابة العديد من الأطفال بالأمراض.
وتؤكد التقارير الدولية أن وضع حقوق الإنسان في العراق بعد 2003 سيئ جدا لا سيما أن الحكومات المتعاقبة لم تبد اهتماما بهذا الملف كونها متورطة بأغلب الانتهاكات وتتجاهل المطالبات الدولية بتوفير العدالة والمساءلة لمرتكبي الانتهاكات.
وبحسب تعبير الباحثة المختصة في شؤون العراق في منظمة “هيومن رايتس ووتش” بلقيس والي فإن الحكومات في بغداد تزدري كل ما يتعلق بحقوق الإنسان.